القاهرة – بعد الإعلان عن فشل جميع الوساطات الغربية والإقليمية في حل الأزمة المصرية، اتخذت السلطات في القاهرة، وبناء على تأييد شعبي واسع لها، قراراً بفض اعتصامي «الإخوان المسلمين» في ميداني «رابعة العدوية» و«النهضة» بالقوة.. فكانت «ساعة الصفر» صباح يوم الأربعاء الماضي الذي بدأت معه أحداث دموية أليمة لا يُعرف ما ستكون وجهتها، حيث يبدي «الإخوان» تمسكا كبيراً بشرعية الرئيس المخلوع رافضين دعوة الرئيس المؤقت عدلي منصور للدخول بالعملية السياسية الجديدة.
وقد شهدت مصر الأربعاء الماضي أحداثاً دموية سقط خلالها مئات القتلى وآلاف الجرحى جراء فض الاعتصامين وكذلك في اشتباكات دارت في المحافظات وقد كانت حصيلة اليوم 623 قتيلا بالاضافة أكثر من 200 جثة متفحمة ومشوهة ترقد في أحد مساجد القاهرة لم تحصها الدولة أو تعترف بها.
واتهم معاونون بمسجد «الإيمان» الحكومة بتجاهل الجثث التي جرى تكفينها ووضعها في قبو انتظارا لتسليمها إلى أقارب الضحايا.
وفي موجة تصعيد غاضبة اقتحم مؤيدو جماعة «الاخوان المسلمين» بمصر مبنى حكوميا في العاصمة واحرقوه يوم الخميس، وحرقوا عشرات الكنائس والاديرة والمكتبات والمدارس ونقل التلفزيون الحكومي عن وزارة الداخلية قولها ان قوات الامن ستستخدم مجددا الذخيرة الحية للرد على اي هجمات عليها او على المنشآت العامة. وكان قد أعلن في القاهرة عن حظر للتجوال في عدد من المحافظات المصرية بين السابعة مساء والسادسة صباحا طوال فترة حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس المؤقت عدلي منصور في جميع أنحاء الجمهورية لمدة شهر، وكلف القوات المسلحة بمساعدة الشرطة في حفظ الأمن فى البلاد.
مواقف دولية
ورغم إدانات العواصم لقرار اقتحام الميدانين، لكن البيان الذي صدر عن اجتماع مجلس الأمن في نيويورك مساء الخميس الماضي، كان «حيادياً» حيث دعا المجلس جميع الاطراف في مصر الى انهاء العنف والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس.
وسبق بيان نيويورك مواقف دولية شاجبة لقرار فض الإعتصامين، وأبرزها من المسؤولين الأميركيين حيث قالت وزارة الخارجية انها ستراجع المساعدة لمصر «بكل الاشكال» بعدما ألغى الرئيس باراك أوباما خططا لمناورات عسكرية مقررة مع الجيش المصري الذي تقدم له واشنطن مساعدات سنوية بقيمة 1,3 مليار دولار.
وقال أوباما «تندد الولايات المتحدة بشدة بالخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية المؤقتة وقوات الأمن». وأضاف «نحن نأسف لاستخدام العنف ضد المدنيين وندعم الحقوق العالمية التي لا غنى عنها للكرامة الانسانية بما في ذلك الحق في الاحتجاج السلمي».
كما حذر وزير الدفاع تشاك هايغل نظيره المصري عبد الفتاح السيسي من أن «العنف والخطوات غير الكافية نحو المصالحة تعرض عناصر مهمة لتعاوننا الدفاعي القائم منذ فترة طويلة للخطر».
وقال دبلوماسيون غربيون لوكالة «رويترز» إن مسؤولين كبارا من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي كانوا على اتصال مع حكام مصر حتى اللحظة الاخيرة وناشدوهم عدم إصدار أوامر لقوات الامن بفض الاعتصامين بالقوة.
أما الموقف الأوروبي كان أكثر تمهلاً من نظيره الأميركي، فقد قال متحدث باسم مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، كاثرين آشتون، إن دبلوماسيين كبارا بالاتحاد سيجتمعون في بروكسل، الاثنين القادم، لبحث الوضع في مصر والتحرك المحتمل من الكتلة الأوروبية. وقال المتحدث «إن آشتون تتصل في الوقت الحالي مع الزملاء من الاتحاد الاوروبي والمجتمع الدولي».
أما موقف أنقرة، حليفة «الإخوان»، فكان باستدعاء سفيرها لدى القاهرة بعد إدانة القمع الدموي من قوات الامن المصرية لمؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي.
وفي القاهرة قرر وزير الخارجية نبيل فهمي استدعاء السفير المصري في انقرة للتشاور كرد مباشر على الاجراء التركي.
ردود أفعال مصرية
وإذا كان قرار فض الإعتصامين قد لاقى الشجب الدولي إلا أن ما قام به أنصار الرئيس المخلوع باحراق ثلاث كنائس قبطية، زاد من حالة الغضب الشعبي على «الإخوان»، حيث ذكرت وكالة «رويترز» أن «الاخوان» لا يجدون تعاطفا يذكر في القاهرة رغم أحداث العنف. وقالت قوات الأمن ووسائل الإعلام إن الإسلاميين شنوا هجمات انتقامية على أهداف مسيحية في عدة مناطق وأضرموا النيران في كنائس ومنازل وشركات يملكها أقباط بعد ان أعطى البابا تواضروس مباركته لعزل مرسي.
بدورها، أعربت الحكومة المصرية في بيان لها عن الأسى لوقوع ضحايا من أي طرف، ودعت المعتصمين إلى الكف الفوري عن استخدام العنف وعن مقاومة السلطات. كما طالبت الحكومة القيادات السياسية لجماعة الإخوان بوقف عمليات التحريض التي تضر بالأمن القومي، مضيفة أنها تحمّل تلك القيادات المسؤولية الكاملة عن أي دماء تراق.
وفي سياق متصل، أفادت وكالات الانباء أن محمد البرادعي استقال من منصب نائب الرئيس المصري المؤقت للشؤون الخارجية. وأرجع البرادعي استقالته إلى أنه لا يستطيع تحمل مسؤولية قرارات لا يتفق معها. وأضاف أنه كانت هناك خيارات سلمية لحل الأزمة السياسية الراهنة بدلا من اللجوء إلى العنف.
وعبرت مشيخة الازهر عن اسفها لسقوط ضحايا لدى فض الاعتصام، مؤكدة انها لم تكن على علم مسبق بهذه العملية التي قامت بها قوات الامن المصرية. وقال شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب في كلمة بثها التفلزيون العام «انه إيضاحا للحقائق للمصريين جميعا، لم يكن الأزهر يعلم باجراءات فض الاعتصام الا من طريق وسائل الاعلام».
من جانبه، قال حزب «الوفد» إن قيام سلطات الدولة المصرية بفض الاعتصامين، كان أمرا واجبا فوضهم فيه الشعب يوم 26 تموز (يوليو) الماضي. ودعت حركة «تمرّد» الشباب المصري إلى تشكيل لجان شعبية في كل شوارع مصر لحماية الكنائس والمنشآت من اعتداءات «الإخوان الإرهابية». وقال المسؤول السياسي في الحركة محمد عبدالعزيز، في مداخلة هاتفية مع قناة «سي بي سي»: «ندعو شباب مصر إلى تشكيل لجان شعبية في كل شوارع مصر وحول الكنائس أيضاً»، مؤكداً أن «الإخوان ليس لديهم الآن سوى اللعب بورقة الفتنة الطائفية
وبدورها اتهمت جماعة الإخوان المسلمين من وصفتهم في بيان بـ«قادة الإنقلاب» بارتكاب مذابح توازي جرائم الحرب محملين قادة الجيش المسؤولية الجنائية والسياسية المباشرة تجاه هذه «الجرائم». وقال البيان: «وصلت وحشية قادة إنقلاب ٣ يوليو إلى حد إحراق خيام المعتصمين وقت إحتماء الأطفال والنساء بداخلها من تأثير الغاز مما أدى إلى إصابات بحروق بشعة بينهم، كما قام القناصة بإستهداف الصحفيين والمصورين والمراسلين مما أدى إلى مقتل عدد منهم، ومنعوا سيارات الإسعاف من نقل المصابين لإنقاذ حياتهم في المستشفيات المجاورة بعدما عجز المستشفى الميداني عن إستيعاب هذا العدد من المصابين».
وفي محاولة للتبرؤ من العنف الذي مارسه أنصار «الإخوان» قال جهاد الحداد المتحدث باسم الجماعة بمصر، الخميس الماضي، إن الجماعة وحلفاءها تلقوا «ضربة قوية جداً من حملة قادتها أجهزة أمن الدولة وإنهم فقدوا قدرتهم على التنسيق المركزي». وأضاف «إن العنف معناه أن الغضب خرج عن نطاق السيطرة الآن». ودعت جماعة الاخوان المسلمين في مصر أنصارها إلى مليونية يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد).
وتقول جماعة الاخوان إن أعداد القتلى أعلى بكثير من البيانات الرسمية وقال متحدث باسمها إن نحو ثلاثة آلاف شخص قتلوا في «المذبحة». ومن المستحيل التحقق من البيانات بشكل مستقل نظرا لاتساع نطاق العنف.
Leave a Reply