لم يكن حادث إنفجار لغم أرضي بمجموعة من جنود النخبة في الجيش الإسرائيلي يخضغون لامرة رئيس الحكومة وهيئة الاركان وتسمى الوحدة 269 في منطقة «اللبونة» داخل الخط الأزرق المحاذي للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، خطأ تقنياً وقعت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي في منتصف الليل، بل كان عملية مدروسة ومخطط لها من المقاومة حسبما أكد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في مقابلة أجراها مع قناة «الميادين».
وعملية اللبونة قرب علما الشعب تكاد توازي عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين في 12 تموز (يوليو) 2006، والتي كشفت فيما بعد كم كانت دقيقة وقد تمّ التخطيط لها لحوالي سبعة أشهر، حيث جرت العملية بعد رصد دوريات العدو على طول الخط الأزرق، فتمّ تحديد الوقت الذي تمر فيه وعدد العناصر ونوع الآليات والأسلحة، وأماكن توقفها وتمركزها، فجاءت عملية الخطف في كمين محكم، حيث كشف الفيلم عن قدرات المقاومة التي استطاعت أن تصمد بعد عملية الخطف 33 يوماً بوجه الآلة العسكرية التي استخدمت كل أنواع الأسلحة من طيران حربي وبوارج وألوية مدرّعة ومشاة، وزجّت النخبة من جيشها، للقضاء على المقاومة وقادتها وصواريخها وأسلحتها، وتدمير بناها التحتية، وأهم من كل ذلك مجتمعها من خلال استهداف المدنيين والمنازل والمؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية، إضافة الى الطرقات والجسور، حيث استنفد العدو كل رصيد «بنك أهدافه» دون أن يتمكّن من كسر صمود المقاومة ويدفعها الى الإستسلام وتسليم السلاح، او تدميره الى مَن كان يطالب به في الخارج عبر القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أو في الداخل اللبناني من قوى «14 آذار» الذين تعهّدوا بتنفيذه.
والإنفجار الذي وقع في «اللبونة»، يشبه ما أصاب الإسرائيليين في «خلة وردة» قرب «عيتا الشعب»، وقد أصيب قادة العدو بصدمة من جراء العملية في الوقت الذي كانت فيه قوات الاحتلال تجري مناورات وتدريبات على الجبهة الشمالية مع لبنان، وهو ما أدّى الى حال من الإرباك والضياع، وفرضت الرقابة العسكرية الإسرائيلية تعتيماً على العملية التي جرت على مسافة 400 متر داخل الأراضي اللبنانية، وفي موقعين قريبين من الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية التي اعترفت بعد التحقيقات التي أجرتها بالخرق الإسرائيلي للسيادة اللبنانية، والقرار الدولي 1701 فجاء اللغم الأرضي كرد مباشر عليه، وهو ما جعل ردود الفعل الإسرائيلية خجولة، وبدأت الأسئلة حول دور الاستخبارات الإسرائيلية في الكشف عن مثل هذه العملية التي كانت رسالة من المقاومة تحذّر فيها قادة العدو الإسرائيلي من أن مناوراتهم وتدريباتهم التي أجروها منذ العام 2006 وبلغت سبعة تحت اسم «تحول»، لن تفيدهم، لأن جهوزية المقاومة أكبر مما يتوقعون، وإذا كانت حرب تموز 2006، ألحقت الهزيمة بالجيش الذي لا يقهر، فإن أي حرب أخرى يلجأ إليها، ستكون الهزيمة مدوية، وأمن الكيان الصهيوني لا بل وجوده بخطر، وبأن انصراف المقاومة لمواجهة «القوى التكفيرية» في سوريا التي هي أحد الأضلع الثلاثة لمحور المقاومة في المنطقة الذي يبدأ في إيران ويمر في سوريا ويصل الى المقاومة في لبنان، ولمنع سقوطه، فإنها لم تغيّر وجهة سلاحها باتجاه العدو، وأن عبوة «اللبونة» تُقرأ تحت هذا العنوان، لأن الصراع واحد ضد يهود الداخل ويهود الخارج، وقد فُرِضت المواجهة على المقاومة مع يهود الداخل من التكفيريين، الذين لا يختلفون في عقليتهم وتفكيرهم وفتاواهم عن اليهود الذين يخوضون حرب إلغاء وتكفير.
فجهوزية المقاومة كانت دائماً محور خطابات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، فهي كما فاجأت العدو بتصديها له في صيف 2006، وهي أول حرب يخوضها بعد انسحابه من جنوب لبنان مدحوراً في 25 أيار 2000، دون قيد أو شرط، وجرى بعد ذلك اختطاف ثلاثة جنود بالقرب من مزارع شبعا في العام 2001، وتمّت مبادلتهم بأسرى لبنانيين وفلسطينيين وعرب وجثامين شهداء فإن العدو الإسرائيلي توقف عند عبوة «اللبونة»، لأن مَن يزرعها عند الخط الأزرق ويخطف جنوداً من داخل الحدود، فهو قادر على أن يصل الى المستوطنات ويخوض حرباً في الجليل الأعلى، وهو ما كان أشار إليه الأمين العام لـ«حزب الله» الذي كشف في إحدى خطبه، أن المعركة المقبلة هي داخل فلسطين المحتلة، ولن يتمكّن الجيش الإسرائيلي من العبور الى لبنان، بل ستقاتله المقاومة داخل المستوطنات، وسيكون ذلك دافعاً للفلسطينيين ليهبوا من داخل الأراضي المحتلة في العام 1948، ليخوضوا حرب الوجود مع مَن احتلّ أرضهم، وطرد أهلهم منها، واستولى على الأرض وأقام عليها المستوطنات باستقدام اليهود من العالم ليقيموا فيها.
وكانت أكبر هجرة استيطانية حصلت مع انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية إذ قام «اللوبي الصهيوني» بنقل حوالي مليون ومئتي ألف يهودي من روسيا وجمهورياتها، وأقاموا في المستوطنات التي بُنيت لهم، حيث تجري المفاوضات عليها، بين السلطة الفلسطينية والدولة العبرية التي تصر على بناء المزيد من المستوطنات وتهويد المدن الفلسطينية والقدس منها، والوصول الى حل نهائي يقضي بطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة في العام 1948، ورفض حق العودة لهم المعطى لهم بالقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1948، وفي رفض إعادة الضفة الغربية لأنها في عقيدتهم التوراتية هي «أرض يهوذا والسامرة»، وما تسمى بـ«أرض إسرائيل»، حيث يتمسك اليهود المتطرفون بها، وقتلوا إسحق رابين في العام 1995، وكان رئيساً للحكومة لأنه وقّع في اتفاق أوسلو على إعادة الضفة الغربية.
فالرد الإسرائيلي على عبوة «اللبونة» لم يحصل بشكل فوري، وتركت رئاسة الأركان للجيش الإسرائيلي للتحقيقات أن تكشف ما حصل، لكن الخبراء الإسرائيليين أكّدوا أن العبوة زرعتها المقاومة، التي جاء توقيتها، للتأكيد والرد بأنها ليست “إرهابية” كما صنّفها قرار الاتحاد الأوروبي بتشجيع أميركي ودفع إسرائيلي، وأنها تنتظر ساعة يقوم فيها الجيش الإسرائيلي بعدوان لتبدأ المعركة في داخل فلسطين المحتلة، إذ يشير المحلّلون الإسرائيليون الاستراتيجيون، أن مشاركة «حزب الله» في معركة القصير بريف حمص قرب الحدود مع لبنان في بقاعه الشمالي، كانت أشبه بمناورة حيّة أجراها الحزب، ليحاكي فيها المستوطنات التي أعلن صراحة أنها ستكون حربه المقبلة، وستبدأ من تلك التي كانت قرى لبنانية سبع وحوّلها الى مستعمرات سيستعيدها كما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من مدينة الغجر، حيث أبقت المقاومة على سلاحها، وزادته كمية ونوعية، لإقامة توازن ردع مع العدو الذي ظنّ أن المقاومة وهي تقاتل الى جانب النظام السوري التكفيريين في الشمال الشرقي للبنان، لن تتوجّه الى الجنوب لأنها زجّت بآلاف من قيادييها ونخبتها من المقاتلين في المعركة بسوريا، لكن حساباته لم تكن دقيقة، وأن المقاومة كما تقول قيادتها لن تغرق في الرمال السورية، وأن خسائرها البشرية مقبولة جداً في القصير وقرب مقام السيدة زينب في ريف دمشق، وهي لا تخوض معارك في أماكن أخرى، كما أنها لن تنزلق الى الوحول اللبنانية الداخلية، بالرغم من الحملة عليها، والاستنفار المذهبي الذي يحاول تطويقها، وحشد قوى إسلامية متشدّدة وأخرى سلفية بوجهها، كما في ظاهرة الشيخ أحمد الأسير في عبرا، وما يجري من أحداث في عرسال، لجر المقاومة الى الاقتتال المذهبي، فإن في متفجرة «اللبونة» رسالة الى الداخل اللبناني، أن السلاح المقاوم له وظيفة واحدة هي العدو الإسرائيلي، ولن تكون له مهمة أخرى إلاّ للدفاع عنه، أو لرفض المشروع التكفيري الذي له هدف واحد هو تدمير المجتمع، وكيف إذا تحوّل الى مجتمع مقاوم…
Leave a Reply