وددت لو أن دمي انسكب في الحقل
فتلين قسوة التربة وينبت فيها المرج
لوركا
على إحدى الفضائيات، سألت المذيعة أحد المواطنين المصريين ما رأيك في ثورة 25 يناير؟ فرد بأسلوبه البسيط: «حاجة جميلة خالص يا ريت نعمل تاني حاجة زيها».
وحين سئل مواطن فلسطيني في الفضائية الفلسطينية عن حلمه في العام الجديد، قال بصوت متهدج: «أن تحيي هيفاء وهبي حفلاً ساهراً في رام الله».
وهذان الحلمان مفصلان على المقاس العربي وإن تباعدا ظاهرياً تباعد الثورة الموحشة عن عيني هيفاء ودلعها. وهما بلا شك حلمان هزليان، بعد أن أصبح العرب جميعاً مسرحية هزلية، تراجيدية، تتكرر يومياً ومنذ عقود على خشبة المسرح العالمي، ليستلقي الشرق والغرب على قفاه مستغرباً مما يحدث في بلاد العرب.
وبغض النظر عما إذا كان المتفرج العربي القابع في الصف الأخير غارقاً في القهقهة أو البكاء أو مضغ العلكة بلا مبالاة أو الشخير على طريقة البرلمانات العربية، فإن الحلمين السالفين، يظلان حلمين شرعيين، ولا يعترضهما رقيب عتيد. فما هو الحلم الأكثر شرعية من الحلم بثورة دون إدراك معناها ومغزاها، أو بهيفا العلامة الفارغة لهزال الفن العربي. فالحلم أين كان في جنوحه أو غرائبيته أو سخفه هو الحق الوحيد الممكن للمواطن العربي البسيط من مهده إلى لحده.
لقد تواضعت أحلام الجيل ونزلت إلى الأرض. فلم يعد منهم من يكتب أو ينشد لقهر إسرائيل واسترداد الحقوق المغتصبة، أو لتغيير العالم بضربة عصا، أو للتحريض على ثورة مثالية من أجل الحرية والديمقراطية والعيش المشترك.
الإنسان العربي اليوم، نفض عن كتفيه إلى أبد الآبدين الأحلام الوردية التي حاكها له ذوو الأيديولوجيات والشعارات الفارغة، منذ كان خلف الطاولة يتعلم الهجاء والتاريخ الواحد والمصالح المشتركة لأطلس الوطن العربي الأكبر.
حصاد أخطاء وخطايا الكبار، من زعماء خالدين ومناضلين وتجار قضايا مقدسة، لا مدنسة، ومشاغل مصيرية لإحياء مجد قديم نصفه حقيقي ونصفه مزور، كل ذلك كسر ظهر العربي وأضاع حلمه وجعله غير قادر على التفكير بأكثر من عيني هيفاء وما بعد عينيها وطلتها البلاستيكية.
نعم، هذا أقصى ما يتمناه الإنسان العربي هذه الأيام، حيث كل القيم والأحلام مقلوبة وهاوية نحو الحضيض، وبحس أتعبته الهزائم والخيبات وأثقلته الشعارات الجوفاء والقضايا الخاسرة، وزادتها خسراناً هذه الفضائيات ووسائل الإتصال التي لا تمل ولا تكل عن الهذيان والتنظير ونشر البشاعة وغوغائية المفلسين ثقافياً وسياسياً وتنظيرات وفتاوى رجال «تين» ودروشاتهم وقضاياهم الكبيرة للذود عن الدين والتبشير بالتعصب للطائفة وكره الآخرين.
كل مايجري في بلاد العربان، جعل الحلم العربي ضئيلاً وتافهاً، أمام أوطان تضيق بأصحابها، بعدما سرقت وخذلت والآن يتم تمزيقها بمشاهد الدم والقتل والتدمير وتوزيع الحلوى شماتة بقتل الجيران والأهل.
أخيراً، أقصى ما يحلم به العربي المسكين سواء هنا في الغرب أو هناك في الشرق أن يقنع العالم في المرحلة القادمة إنه ليس إرهابياً.
ما أتعس هذا الحلم.
Leave a Reply