واشنطن – أجبرت السياسات المالية الأميركية التي يتم تطبيقها على الأميركيين على دفع الكثيرين الى التفكير بالتخلي عن جنسيتهم، هربا من دفع الضرائب، خاصة مع اقتراب تطبيق قانون «فاكتا» الذي سيبدأ العمل به ابتداء من كانون الثاني (يناير) والذي سيزيد واجباتهم الضريبية وسيجعل أموال الأميركيين في الخارج عرضة للضرائب.
وابتداء من كانون الثاني، سيفرض القانون الاميركي الذي سمي «فاكتا» على المصارف في الكثير من البلدان (منها فرنسا وسويسرا ولبنان) تقديم معلومات عن حسابات زبائنهم الاميركيين، تحت طائلة فرض عقوبات مشددة، وسيزيد الواجبات الضريبية المفروضة على الاميركيين في الخارج.
وتفرض الولايات المتحدة التي ستشكل حالة منفردة في العالم مع تطبيق هذا القانون، على رعاياها التصريح عن عائداتهم والكشف عن حساباتهم المصرفية، حتى لو كانوا يدفعون الضرائب في بلدان اخرى. ويشكل قانون «فاكتا» الذي يستهدف التصدي للتهرب الضريبي ضربة مؤلمة في نظر عدد كبير من الاميركيين.
وفي تصريح لوكالة «فرانس برس»، قالت اليسون كريستيانز، أستاذة القانون في جامعة ماكغيل في كندا، إن «المغتربين يدركون الآن أن المصارف ستقدم معلومات عن ارصدتهم ويمكن اعتبارهم مخالفين».
وقد أوردت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير قصة جندي أميركي سابق في حرب الخليج تخلى عن جنسيته تهرباً من الضرائب. وقال تقرير الوكالة إنه لم يكن القرار «سهلا» على هذا العسكري السابق، فقد تخلى سكوت سميث المقيم في سويسرا منذ عشرين عاما، عن جنسيته الاميركية حتى يتهرب من واجباته الضريبية تجاه الولايات المتحدة.
وفي تصريح للوكالة قال سميث الذي يحمل الجنسية السويسرية ريعمل مصورا قرب زيوريخ، فيما تخضع اموال الاميركيين في الخارج لرقابة شديدة، «ليس لدي ما اخفيه، لكن لا اريد ان اتعرض للعقاب لأني اخترت العيش خارج الولايات المتحدة». ولن يشعر سكوت بالقلق بعد اليوم من ملاحقة مصلحة الضرائب الأميركية لكنه «يدفع الثمن». فقد بات لا يستطيع العودة الى بلاده إلا كسائح.
التخلي عن الجنسية الأميركية
ويبدو ان حالة سميث ليست فردية على الإطلاق. ففي الفصل الثاني من العام الجاري، بلغ عدد الاميركيين من ذوي الجنسية المزدوجة الذين تخلوا عن جواز سفرهم الازرق رقما قياسيا هو 1131 أميركياً، بزيادة 66,5 بالمئة مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من السنة، كما تفيد المعلومات التي جمعتها «فرانس برس».
ويقول الخبراء إن هذه الظاهرة التي تهدد سبعة ملايين مغترب اميركي، ناجمة الى حد كبير عن القانون الأميركي الجديد الذي أُرجئ تطبيقه مراراً، والذي يجعل الأميركيين يدفعون الضريبة لدولتين. كما أن قانون «فاكتا» يُقلق أيضاً الأميركيين المقيمين في أميركا الذين يمتلكون أرصدة مالية في بنوك خارجية.
وفي تصريح لوكالة «فرانس برس»، أكدت ماري لويز سيراتو من منظمة «المواطنون الأميركيون في الخارج» لدعم المغتربين أن «قانون فاكتا كان عنصراً زاد الوضع تأزما». وأضافت «بات من الصعب جداً على الاميركيين أن يعيشوا بشكل طبيعي في الخارج بسبب هذا القانون».
وستبدأ بعض المصارف برفض ودائع المغتربين الاميركيين حتى تتملص من المتاعب الادارية وحتى لا تتعرض لمساءلة من مصلحة الضرائب في الولايات المتحدة، كما حصل مع مصرف «يو بي أس» السويسري في 2009. ويؤكد سكوت انه كان ضحية عندما أغلق مصرفه حسابيه في صيف 2012.
وقال نيجل غرين رئيس مجموعة «ديفير» للاستشارات المالية «يزداد عدد المغتربين الاميركيين الذين يجدون انفسهم في حفرة مالية سوداء».
وبات عدد منهم يواجه «صراعاً رهيباً» بين ان يتخلوا عن جنسيتهم الأميركية أو أن يمتثلوا للقواعد الشديدة التعقيد التي تتطلب احيانا مساعدة مكلفة يقدمها خبير ضريبي، كما قال بيتر سبيرو استاذ القانون في «جامعة تمبل» في فيلادلفيا.
وأضاف «إذا قمت بعملية حسابية منطقية، تتساءل هل من الضروري الاحتفاظ بالجنسية الاميركية في ظل العبء الاداري وخطر العقوبات المتزايدة».
ويمكن أن يبدو هذا الحل مضللا من جهة اخرى. وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال متحدث باسم مصلحة الضرائب الاميركية «ما زال يتعين على المغترب ان يملأ استمارة بالمداخيل» حتى لو تخلى عن جنسيته. وحتى يكون التخلي عن الجنسية فعلياً، يتعين على المغتربين في الواقع ان يؤكدوا انهم برأوا ذمتهم المالية خلال السنوات الخمس السابقة.
ولم تشأ وزارة الخزانة الاميركية التي اتصلت بها «فرانس برس» ان تدلي بتعليق.
Leave a Reply