طرابلس – من الرويس في الضاحية الجنوبية الى الزاهرية والميناء في طرابلس. يد الارهاب والموت والفتنة واحدة. لا تميز بين مصلين ومارة وجالسين في متاجرهم أو منازلهم. بين طفل وامراة وشيخ ومسن. بين لبناني وآخر. بين نازح سوري أو لاجىء فلسطيني. بين فقير أو غني. بين متدين أو علماني. بين موال أو معارض.
بعد نحو أسبوع على انفجار الضاحية الجنوبية، شهدت عاصمة الشمال، ظهر اليوم، تفجيرين حاقدين، استهدفا الأبرياء من المصلين الخارجين لتوهم من أداء صلاة الجمعة في مسجدي التقوى في الزاهرية والسلام في الميناء، أو العابرين على الطرق أو المقيمين بجانب هذين المسجدين.. وبلغت الحصيلة الأولية أكثر من ثلاثين شهيدا ومئات الجرحى، فضلا عن عشرات المفقودين ووقوع أضرار مادية جسيمة.
وأفاد مراسل “السفير” في طرابلس غسان ريفي أنه بعد دقائق قليلة من انتهاء صلاة الجمعة، وقع انفجار أول في مسجد التقوى في محيط دوار ابو علي، حيث كان يؤم المصلين الشيخ سالم الرافعي أحد أبرز رموز الحالة السلفية في لبنان، ولم تكد تمر دقائق قليلة، حتى وقع انفجار ثان أمام مسجد السلام في محلة الميناء عند معرض رشيد كرامي الدولي، حيث كان يؤم المصلين الشيخ بلال بارودي وهو أيضا من رموز الحالة السلفية في طرابلس والشمال.
وفور وقوع الانفجارين، ارتفعت سحابتان كبيرتان غطتا سماء طرابلس، وبلغ قطر المباني التي تساقط زجاجها حوالي خمسمائة، واندلع حريق في داخل مسجد التقوى وأمام مسجد السلام وفي بعض الشقق التي تقع قبالته، ورجح الخبراء أن يكون الانفجاران ناتجين عن عبوتين وضعتا في سيارتين مفخختين.
وأعلن وزير الصحة علي حسن خليل أن التفجيرين أوديا بحياة ما لا يقل عن 27 شخصاً وأصابا أكثر من 352 آخرين، واشار الى حالة استنفار صحية شاملة في عاصمة الشمال لمعالجة كل الجرحى على نفقة الوزارة.
وتبين أن التفجيرين لم يستهدفا أي شخصية دينية أو سياسية، إذ أعلن الشيخ نبيل رحيم أن “الشيخ سالم الرافعي بخير وهو في مكان آمن”، وذلك بعدما بقي مصيره مجهولاً لبعض الوقت. وقال أن إمام مسجد “السلام” الشيخ بلال بارودي بخير أيضا، موضحاً في حديث تلفزيوني، أن الانفجار وقع أمام مسجد “التقوى” خلال الصلاة، في حين أن انفجار مسجد “السلام” حصل أثناء خروج المصلين.
وفيما فرض الجيش اللبناني والقوى الأمنية طوقا أمنيا حول مكاني الانفجارين، في ظل حالة طوارىء عاشتها طرابلس التي غصت مستشفياتها ومستوصفاتها بالشهداء والجرحى، بينما واجهت شبكة الارسال لشبكتي الخلوي ضغطا شديدا، سارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يقع منزله القديم على بعد أقل من مئة متر من مسجد السلام في الميناء، الى قطع زيارته الخاصة الى الخارج، وعاد الى بيروت.
وأصدر ميقاتي بيانا، دان فيه التفجيرين، وأكد أن “يد الإجرام استهدفت مدينة طرابلس مرة جديدة اليوم في رسالة واضحة هدفها زرع الفتنة، وجر طرابلس وأبنائها إلى ردات الفعل”، مشدداً على أن “طرابلس والطرابلسيين سيثبتون مرة جديدة أنهم اقوى من المؤامرة ولن يسمحوا للفتنة أن تنال من عزيمتهم وايمانهم بالله وبالوطن، وسيتعالون على جراحهم، مهما كانت بليغة”. وقال: “إننا نشد على أيدي ابنائنا واخوتنا في طرابلس، ونعاهدهم أننا سنبقى إلى جانبهم في كل الأوقات لا سيما في هذا الظرف العصيب”.
واعتبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن مجزرة طرابلس لا تصب إلا في خانة إحداث الفتن والإضطرابات، ودعا للتنبّه واليقظة والتّكاتف لتفويت الفرصة على أعداء الداخل وأعداء السلام في لبنان.
ودان رئيس مجلس النواب نبيه بري تفجيري طرابلس، داعياً إلى رفع منسوب الحذر لتفويت الفرصة على عدو لبنان. وقال في تصريح: “انتقلت أيادي الجريمة والإرهاب والفتنة من الضاحية الجنوبية بعدما حصدت دماء عشرات المصابين بين شهيد وجريح وضربت اليوم مدينة طرابلس في مواقيت الصلاة، وأمام بيتين من بيوت الله، روعت وقتلت وأصابت العشرات بين شهيد وجريح”. ورأى أن “جريمتي التفجير الإرهابيتين اللتين استهدفتا طرابلس هما من فعل نفس اليد القاتلة التي تركت بصماتها السوداء على أجساد الضحايا في الضاحية. اليد الآثمة واحدة والجواب عليها ان نكون كلبنانيين يداً واحدة”.
واستنكر الرئيس سعد الحريري التفجيرين، وقال “إنها أيدي الفتنة التي لا تريد للبنانيين أن يشعروا بلحظة واحدة من الاستقرار. وهي الأيدي التي تريد لآلة التفجير والقتل أن تحصد الأبرياء في كل مكان من لبنان”.
وقطع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام زيارته الخاصة الى اليونان عائدا الى بيروت، بعد تلقيه نبأ التفجيرين وقال “إن استهداف بيوت الله، الذي يشكل سابقة لم تسجل حتى في أحلك ايام الحرب الاهلية سوادا، يدل على إصرار القتلة على استثارة المشاعر والعصبيات واستجرار ردود الفعل خدمة لمخططهم المشؤوم. وهذا الأمر يستدعي من أهلنا في طرابلس الصبر على المحنة والعض على الجراح لقطع الطريق على المتربصين بهم وعدم الوقوع في الفخ الذي ينصبه لهم اعداء لبنان”.
وتابع سلام “ان جريمة طرابلس دليل إضافي على ان الاوضاع في لبنان بلغت مرحلة شديدة الخطورة تتطلب استنفارا وطنيا سياسيا وأمنيا لقطع دابر الفتنة، والتعامل مع الاستحقاقات السياسية بأعلى قدر من المسؤولية الوطنية “. وختم مؤكدا ان يد الفتنة لن تنجح في تعميم السواد في عاصمتنا الثانية”.
ودان “حزب الله” تفجيري طرابلس، معتبراً أنهما ترجمة لمخطط إقليمي دولي هادف للفتنة. وأكد في بيان، أن “هذين التفجيرين الإرهابيين يأتيان كترجمة للمخطط الإجرامي الهادف إلى زرع بذور الفتنة بين اللبنانيين وجرّهم إلى اقتتال داخلي تحت عناوين طائفية ومذهبية، بما يخدم المشروع الإقليمي الدولي الخبيث الذي يريد تفتيت منطقتنا وإغراقها في بحور الدم والنار”.
ورأى أن هذين التفجيرين “ يأتيان استكمالاً لمشروع إدخال لبنان في الفوضى الدمار وتنفيذ الأهداف الحاقدة للعدو الصهيوني ومن يقف وراءه”.
واعتبر رئيس جبهة “النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط، أن ما حدث في طرابلس هو عمل إجرامي رهيب، مشيراً إلى أن إسرائيل هي المستفيد الوحيد من الانقسام اللبناني والعربي.
وأكد في حديث لقناة “المستقبل”، ضرورة “عدم الاستسلام والتنسيق بين اللبنانيين، وأن نكون فوق الجراح وتشكيل حكومة وفاق وطني لنحمي لبنان ونجنبه المزيد من التفجيرات”، مشدداً على ضرورة “اعتبار ما حصل في طرابلس حافزاً للقاء الجميع والخروج من الانغلاق، وخصوصاً في ظل عدم وجود ضمانات”.
ودان رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون التفجيرين، معتبراً أن الجريمة مستمرة والاستنكار لم يعد ينفع إنما الإجراءات الحاسمة من السلطات الرسمية من قوى أمن وجيش ومن المؤمنين بهذا الوطن. وأكد أن “الفاعل واحد في التفجيرات التي حصلت في أكثر من مكان”، معتبراً أن “ما حصل اليوم في طرابلس كان مرتقباً ليظهر وكأنه رد على استهداف المنطقة الشيعية الأسبوع الماضي”.
ودعا الوزير فيصل كرامي إلى تشكيل حكومة طوارئ وتكليف الجيش لقطع يد الإرهاب، مشدداً على ضرورة أن تتحمّل القوى الأمنية مسؤوليتها أمام التاريخ والمواطنين.
ودان وزير المال محمد الصفدي التفجيرين، لافتاً الانتباه إلى أن هذه المدينة ليست وحدها المستهدفة بل كل لبنان.
أما المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، فاعتبر “اننا في بداية العاصفة ويجب أن نفكر كيف نحمي الوطن لأن الخطر سيطال الجميع”.
ودان التفجيران البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي دعا الأفرقاء للجلوس إلى طاولة الحوار وأهل طرابلس إلى ضبط النفس وتجنّب العنف، فيما ندد الشيخ عبد الأمير قبلان والسيد علي فضل الله والمفتي مالك الشعار والشيخ ماهر حمود وعدد كبير من الشخصيات اللبنانية، بالتفجيرين.
عربيا، صدر أول موقف من دمشق، حيث دانت سوريا، بشدة الأعمال الإرهابية الجبانة التي طالت مدينة طرابلس، داعيةً إلى إجراء التحقيقات الضرورية لمعرفة الجهات التي خططت ونفذت لها. وأكدت، في بيان صادر عن وزارة الإعلام السورية، أن “الأيدي الآثمة التي ارتكبت الجريمة المروعة في طرابلس هي ذاتها التي ارتكبت جريمة التفجير في الضاحية الجنوبية لبيروت”، لافتةً الإنتباه إلى أن “هذه الجرائم المدانة تستهدف زرع الفتنة”.
ودانت السفارة الأميركية في بيروت بشدة أعمال العنف في لبنان ودعت جميع الأطراف الى ضبط النفس
Leave a Reply