أعرب جملة من خبراء في السياسة الخارجية في استطلاع أجرته «صدى الوطن» عن اعتقادهم أن ادارة الرئيس أوباما لن توقف المساعدة العسكرية الى مصر بعد عزل الجيش المصري للرئيس المنتخب محمد مرسي وملاحقة قادة ومحتجي جماعة «الاخوان المسلمين» التي يتبع لها.
وقال أحد هؤلاء الخبراء، مايكل حنا، وهو باحث في معهد «سنتشري» المتخصص بالعلاقات الخارجية، إن همّ ادارة اوباما الاساسي في مصر هو الاستقرار، وأضاف أن «الرئيس قلق للغاية وهو محق في ذلك، وقد تجاوزت أميركا سؤالاً مهماً، فهم -في الادارة الاميركية- لا يريدون ان تنساق مصر الى دورة عنف وقمع مزمنة لذا فالادارة لن تقطع كل معوناتها العسكرية لمصر بسبب المصالح الحيوية المشتركة مع مصر.
لكنه استطرد أن واشنطن قد تتخذ سلسلة خطوات ضد القاهرة لا تتضمن تعليق المساعدات، مثل منع رخص تصدير السلاح المستخدم في قمع المتظاهرين مثل قنابل وقواذف الغاز المسيل للدموع.
وأشار حنا إلى أن مصر هي عنصر هام في السياسة الخارجية الاميركية، سيما مع أهمية قناة السويس الإستراتيجية لواشنطن، كما أن هناك مشاركة بين الدولتين في حقوق الطيران والمعلومات الاستخباراتية وهذه المصالح ترجح كفة المحافظة على العلاقة مع حكام مصر الحاليين.
وشدد الدكتور غريم بانرمان، المحلل السابق في وزارة الخارجية الاميركية، على مصالح الولايات المتحدة الحيوية مع مصر فهي التي تحمي المعونات العسكرية الاميركية، وقال بانرمان: «إنّ تمكّن اميركا من عبور قناة السويس التي تربط البحر الابيض المتوسط بالبحر الاحمر يوفر عليها ما مقداره خمس مليارات سنويا بينما تقدر المعونات العسكرية المقدمة الى مصر ما بين 1,3 الى 1,6 مليار دولار».
وأضاف: «هناك تردد عظيم في واشطن من القيام بخطوة انقلابية قد تؤذي العلاقة مع مصر، «لقد أبلغ أوباما المصريين عن عدم سعادته مما يجري والمصريون انفسهم يشعرون أن المعونات الاميركية لن تؤثر على قراراتهم واذا قطعت المعونات فإن هذا سوف يزيد المصريين ابتعادا عن اميركا».
طلب المساعدة العسكرية من روسيا أمر غير واقعي
ومضى بانرمان قائلا: «إن الجيش المصري يحارب ما يسميهم بالارهابيين وهو يخبر اميركا بأنه إذا لم تساعدينا فسوف أطلب مساعدة غيرك»، وأشار: «إن الجيش المصري قادر على الاستغناء عن المعونة الأميركية لانه بسبب بعد نظره فقد كان يخزن معدات اضافية جانباً لمدة سنين طويلة، من أجل استعمالها لاحقا وقت الحاجة». وأشار حنا حول هذا الموضوع الى أن احتمال طلب الجيش المصري المساعدة من روسيا هو أمر غير واقعي لانه ليس خيارا حقيقيا باعتبار ان الجيش المصري عتاده من اميركا وهذا ما يجعل الخيار الروسي بعيد الاحتمال.
د. نبيل ابراهيم، البروفسور السابق في «كلية هنري فورد» ومؤلف مشارك لكتاب «عرب ديترويت»، اكد ان الولايات المتحدة خسرت مناوراتها امام قوى اقليمية وهي السعودية والامارات العربية واسرائيل، التي تآمرت مع الجيش المصري والحرس القديم من أجل التغيير في مصر وقال: «ان اميركا يبدو عليها انها تقبل التغيير الذي حدث في ثورة 25 كانون الثاني (يناير) والذي أطاح بمبارك طالما أن الجيش الذي هو ربيب «البنتاغون» سيبقى في السلطة».
واستطرد: «ولكن بعد عزل مرسي فإن الملاحقة الدموية للمتظاهرين أضرّت بصورة أميركا في الشرق الأوسط والبيت الابيض الذي لديه ما يخسره في الشرق الاوسط خصوصاً في تونس وسوريا وتركيا وغيرها، كان يفضل تطوراً تصاعدياً نحو ديمقراطية مزيفة حتى لا يخسر ثقة شعوب المنطقة».
المعونات جزء من «كامب ديفيد»
آرثر هيوز، المدير السابق لقوات المراقبة المتعددة الجنسيات بين مصر واسرائيل، قال من ناحيته ان المعونة لمصر بدأت كجزء من اتفاقية «كامب دايفيد» للسلام مع اسرائيل وتوقع بقائها لأنها مرتبطة بمندرجات الاتفاقية أكثر من الادارات الاميركية المتعاقبة التي تريد أن ترى مصر في سلام مع نفسها ومع جيرانها.. فأميركا تود ان ترى ديمقراطية تشاركية اكثر حيث تتطور الى تعدد الاحزاب لكن لسوء الحظ فإن الاخوان اتبعوا تقليداً أوتوقراطياً».
وأضاف هيوز الذي تسلم سابقاً مقاليد السفير الاميركي في اليمن والعضو السابق في معهد الشرق الاوسط، قال: «ان الادارة الاميركية لم تنحز بشكل واضح الى فريق واحد في مصر من اجل الحفاظ على علاقاتها مع الجيش والاخوان المسلمين اللذان تعتبرهما حيويين لاستقرار مصر».
وأردف ان الغموض الذي يكتنف الموقف الاميركي هو مقصود من أجل تجنب بيانات واضحة محددة تفسر لصالح فريق ضد آخر والولايات المتحدة تسعى الى خلق أفكار وفي نفس الوقت تحافظ على روابط مع كلا الفريقين «الجيش والاخوان» لانهما يعتبران دعامتي مصر الاساسيتين».
وبالرغم من ورود تقارير حول عدم شعبية الموقف الاميركي بين أوساط الفريقين فإن هيوز يدعوا الادارة الى الالتزام بالأفكار، لا البشر، وعلى المدى البعيد لأنه من المستحيل رصد «ما يفكر فيه المواطن المصري العادي خلال هذه الظروف».
وفي موقف معاكس لموقف هيوز، فإن بانرمان الذي يدير مؤسسة استشارات دولية يعتقد أن موقف أميركا من مصر واضح جدا ويتلخص بالطلب من الحكومة وقف ملاحقة ومطاردة الإخوان وإخلاء سبيل قادة الحركة والتحضير لانتخابات جديدة. وأضاف: «إن موقف وسائل الاعلام الدولية من تطورات مصر مختلف تماماً عن مواقف الشارع المصري العادي الذي يريد من حكامه ان يقولوا انهم مصريون أولا، لا مسلمون أولا، ويريد من الحكومة خلق هوية مصرية لا هوية اسلامية قومية».
وأردف: «انتخب مرسي بديلا عن مبارك وادعت حركة «الاخوان» انها وطنية ولن تفرض حكومة اسلامية وقد صدّقها الشعب لكن مرسي عاد وفرض دستوراً اسلامياً أدى الى امتعاض جزء كبير من الشعب».
وأضاف« إن المصريين، باستثناء مناصري الاخوان الذين هم اقلية، ينظرون الى الجيش نظرة قومية وطنية ويدعمونه لكن الاعلام الدولي يدعم وجهة نظر «الاخوان» التي قامت بعمل باهر على ما يبدو من اجل تحسين صورتها وصورة موقفها، لكن الغالبية العظمى للشعب المصري تقف مع الجيش»، مشيراً الى أن «معظم خصوم الاخوان هم مسلمون ملتزمون يعتبرون انفسهم مصريين وعربا ومسلمين ولا يحملون الهوية الدينية فقط».
على أثر عزل مرسي برز موقف لافت من السعودية التي زودت حكام مصر الجدد بالدعم المالي والسياسي، وحول هذا الموضوع أشار حنا الى أن الدعم السعودي هو فرصة لتوجيه انتكاسة اقليمية «للإخوان»، والسعودية تريد حل الحركة لكن الولايات المتحدة لا تعتقد أن مستقبلاً مستقراً في مصر يمكن أن يتحقق من خلال دفع «الإخوان» الى خارج العملية السياسية.
أما ابراهيم فقال: «ان الفرق بين الموقفين السعودي والاميركي من مصر نابع من وجهات نظر مختلفة حول «الربيع العربي». فأميركا تعتقد أنه بإمكانها احتواء الطموحات الديمقراطية للشعب، إلا ان النظام السعودي محكوم بخوف مزمن من أن تهب رياح «الربيع العربي» عليه فتقلعه». وختم بالقول: «إن خطر مرسي لم يكن أيديولوجياً، ولكنه رمزي، فمرسي في النهاية ترك الجيش لوحده كما انه ابقى على الاتفاقيات مع اسرائيل، لقد كان رمزاً لـ«الربيع العربي» في أكثر بلدان العرب أهمية، ولا يهم فيما إذا كان المرء يوافق على أجندة «الاخوان المسلمين» السياسية والاجتماعية أم لا، الا انه لا يمكنه ان ينكر انهم اضحوا رمز التغيير في المنطقة حيث اصبحت للشعب كلمته المسموعة أمام حكومته».
Leave a Reply