الزمن الجميل التي توجت فيه مدينة ديترويت عاصمة الصناعة في الولايات المتحدة قيل إنه غادر الى غير رجعة وحل مكانه زمن التحلل الاقتصادي واصبحت المدينة المأسوف على ماضيها رمزا للفشل المدني الواقع تحت وطأة الافلاس المالي.
مارة يلعبون الشطرنج على شارع وودورد. |
والانكى من ذلك ان ديترويت التي كانت يوما ما عنوان الازدهار والنمو اضحت اليوم مكانا لأخطر أحياء سكنية في العالم فتقلص عدد سكانها الى أقل مما كان منذ 60 عاماً ولم تعد تتمكن بلديتها من دفع الرواتب التقاعدية لموظفيها وقد تضطر الى بيع أثمن دررها الاقتصادية.
لكن رغم هذه الصورة السوداوية عن مدينة السيارات، لا يزال الأمل بالنهوض بديترويت حياً مع الازدهار المتعاظم الذي تشهده مناطق وسط المدينة من الـ«داون تاون» الى «ميدت تاون» و«كورك تاون» الى «نيو سنتر» شمالا والتي تتحول ملاذا للترفيه والتجارة والاستثمار وحتى للسكن.
الذي يزور وسط مدينة ديترويت اليوم يلفته ازدياد المحال التجارية وامتلاء الشوارع بالناس وحركة السيارات المكثفة والمارة حتى بعد ساعات الدوام، ولاسيما في اعقاب حدث رياضي، خصوصا مبارايات فريق «تايغرز» (بيسبول) التي تستقطب خلال الصيف حوالي ٤٠ ألف متفرج في المباراة الواحدة.
في عطل نهاية الاسبوع تتحول منطقة الداون تاون الى مدينة لهو وحفلات موسيقية مزدانة بالكازينوهات ونوادي الليل والفنادق والمطاعم والحانات التي تشد الساهرين، ومع ان نسبة الجريمة في ديترويت هي الاعلى في الولايات المتحدة، الا منطقة وسط المدينة تعيش أماناً غير مسبوق مع تعزيز التواجد المكثف لدوريات الشرطة.. في حين تبقى أحياء أخرى خالية من أي وجود لسلطة القانون.
في وسط المدينة يمكن بسهولة ملاحظة ضباط الشرطة في كل مكان، حيث يقومون بدورياتهم الروتينية في السيارات وعلى دراجاتهم الهوائية وحتى على الأحصنة خلال المهرجانات التي كان آخرها مهرجان ديترويت الدولي لموسيقى الجاز الذي حضره عشرات الآلاف على مدى عطلة نهاية الأسبوع وعيد العمال.
لايك ثامبسون مدير مركز «الدراسات المدينية» في جامعة «وين ستايت»، اشار لـ«صدى الوطن» الى وجود سببين رئيسيين وراء ازدهار وسط المدينة هما ان «الداون تاون» تعتبر مركزا اقليميا ومركز ثقل للشركات التجارية في منطقة ديترويت وقد شهدت في الآونة الأخيرة انتقال شركات كبرى مثل «كويكين لونز» و«بلو كروس بلو شيلد». وأضاف ثامبسون ان موظفي الشركات التي تتمركز في «الداون تاون» يسكنون في احياء قريبة من مقر عملهم مما يزيد في عدد سكان وسط المدينة والجوار خصوصا منطقة «ميد تاون» الجامعية حيث يعيش اغلبية الطلاب المنتسبين الى جامعة «وين ستايت».
واردف: «ان السبب الثاني هو وجود مستثمرين رئيسين جدد مثل شركة «كامبيو وير» و«كازينو غريك» إضافة الى الملاعب الرياضية وشركة «جنرال موتورز»، وهذه المعالم ساهمت في تجديد وسط المدينة، والإستثمارات المالية التي وجدت في الوسط التجاري أدت إلى الأمان مما جذب العديد من الناس وأصحاب المصالح التجارية إلى المدينة للإستفادة من الطفرة هناك».
وفي أحدث التطويرات التي تشهدها منطقة وسط المدينة شهد الأسبوع إعلان شركة «ماريوت» عن مشروع تجديد فندقها بتكلفة 30 مليون دولار. على أن تبدأ أعمال الترميم والبناء في شباط (فبراير) المقبل. وأشار بيان الشركة إلى أن الفندق الذي يضم 70 طابقا ويقع بالقرب من المقر العام لجنرال موتورز في (رنيسانس سنتر) سيبقى مفتوحا أمام زواره خلال فترة المشروع التي ستستغرق نحو عام كامل.
وبالرغم من العوامل السلبية في ديترويت وقضية الإفلاس العالقة، إلا أن إستثمارات مربحة تم ضخها في الشهور الأخيرة في وسط المدينة، تمحورت بشكل خاص حول التحولات الديمغرافية والإقتصادية والعقارية التي يشهدها الوسط التجاري والمناطق المجاورة مما يعزز الزخم الحالي ويعزز آمال النهوض بالمدية مجدداً، وذلك حسب تقرير صادر حديثاً عن مؤسسة «ديترويت دريفن داتا».
ويؤكد التقرير أن شركات رئيسية نقلت مقارها إلى وسط المدينة خلال العقد الماضي، من بينها «جنرال موتورز» وشركة «دي تي إي» الكهربائية و«بلو كروس بلوشيلد أوف ميشيغن» و«كامبيووير» و«كويكن لونز» مما جعل الوسط التجاري مكاناً دائماً للدوائر الرسمية والشركات المالية والقانونية والمحاسبية ومؤخراً شركات تكنولوجيا وصناعات خلاقة إنضمت كلها إلى أحياء نامية مما يعزز المدينة ويجدد شبابها وطاقتها المتنوعة».
وحسب التقرير فإن «الوظائف إزدادت أيضاً وأنعشت سوق العقارات في الأحياء حيث الطاقة السكنية فيها تبلغ 97 بالمئة». وتقع منطقة وسط مدينة ديترويت بين نهر ديترويت وحتى الأوتوستراد 75 وبين الأوتوستراد 375 و«لودج 10»، وهي منطقة هندسية عقارية تاريخية، تستضيف أحداثاً إقتصادية ورياضية وفنية ذائعة الصيت عالمياً.
ثامبسون إنتقد وسائل الإعلام لتجاهلها الداون تاون ونهضتها مع المناطق المجاورة واصفاً إياها بأنها تركز فقط على الأجزاء المحطمة من المدينة وتعرضها «كفيلم عري ديترويتي».
وأضاف قائلاً «إنها ظاهرة وسائل الإعلام التي تعرض صوراً من أكثر الأماكن تحدياً لكي تبرهن الفشل المدني كجزء من لقطة من 30 ثانية تعرضها عندما تتناول موضوع الإفلاس، لكن هذا الإعلام لا يخبرك بأن أكثر الأحياء قدماً في ديترويت هي فعلاً إلى تحسن». وأشار إلى أن مدير الطوارئ المعين كيفن أور بإمكانه أن يأمر بتحسين نوعية خدمات البلدية والإفلاس «ستكون له آثار كبيرة على أحياء ديترويت».
ومن النادر أن ترى محلات مهجورة في وسط المدينة غير أن هناك أماكن خالية كثيرة تحولت إلى كاراجات لوقوف السيارات مما يجعل ركنها متاحاً ومقبولاً مادياً مقارنة مع مناطق الوسط التجاري في مدن أخرى رئيسية في أميركا.
وقال مدير المطعم اليوناني الفخم «سانتوريني» الواقع في الوسط التجاري إن المزيد من الزبائن خارج ديترويت يأتون لإرتياد مطعمه، وقال «يأتينا زبائن من الضواحي عادة، وحتى سياح من كندا أيضاً وشدد آخر وهو مدير متجر تبغ وكحول يوناني يدعى آرثر كيستو «أن الأحياء القريبة من الوسط التجاري مزدهرة بسبب الأمن وعندنا ضباط شرطة بعدد كبير وإستقرار أمني أكبر بسبب تواجد كازينوهات في المنطقة وهذا يؤمن مدخول ضخم للمدينة».
ويعود سبب إنحدار ديترويت إلى المواجهات العنصرية التي تحولت الى أحداث شغب وأدت إلى نزوح الأغلبية من السكان إلى الضواحي. غير أن «الداون تاون» تعود من جديد لتصبح بؤرة تنوع وإندماج بين مختلف الأطياف، حيث عادت نسبة السكان البيض الى الارتفاع بشكل ملحوظ في المناطق المزدهرة بوسط المدينة.
Leave a Reply