صعد البيت الأبيض الأسبوع الماضي حملته لإقناع الكونغرس بالموافقة على طلب الرئيس باراك أوباما بمنحه التفويض لشن حرب على سوريا وسط مؤشرات على وجود معارضة داخل الكونغرس من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري -سيما في مجلس النواب- لأي عدوان تنوي الولايات المتحدة شنه على سوريا استنادا إلى مزاعم باستخدام الحكومة السورية أسلحة كيمياوية في الغوطة الشرقية حيث تنشط الجماعات المسلحة في سوريا.
![]() |
ناشطون معارضون للحرب يرفعون لافتات مناهضة للتدخل العسكري في سوريا خلف وزير الخارجية جون كيري أثناء جلسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي الثلاثاء الماضي. (رويترز) |
وسينال أوباما على الأرجح دعم مجلس الشيوخ لكن التأييد في مجلس النواب ليس موجوداً بعد، خاصة وإن نسبة كبيرة من الديمقراطيين أعربوا عن رفضهم للتدخل في سوريا. ومشكلة مجلس النواب بالنسبة لأوباما أكثر تعقيداً لجهة الجمهوريين حيث أن النواب من حركة «حزب الشاي» هم الأكثر معارضة للتدخل في سوريا، وكذلك النواب الليبراليين من الحزب الديمقراطي.
ولكن حظوظ أوباما لازالت قائمة في مجلس النواب بعد نيله تأييد ابرز اثنين من الجمهوريين في المجلس، وهما جون باينر رئيس المجلس وأريك كانتور زعيم الأغلبية، بالإضافة إلى زعيمة الأقلية الديمقراطية نانسي بيلوسي انهم سيدعمون التدخل العسكري ضد سوريا.
وقال زعماء مجلس النواب ان التصويت سيكون «تصويتا متسقا مع الضمير» أي أنهم لن يسعوا للتأثير على النواب حتى يصوتوا بما يتفق مع رأي الحزب في قرار توجيه ضربة للأسد (مزيد من التفاصيل ص ١٣).
وقد وافقت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي الثلاثاء الماضي على مقترح قرار يسمح لأوباما بتوجيه ضربة عسكرية محدودة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. لكن المقترح الذي سيطرح للتصويت أمام الكونغرس الأسبوع المقبل، يحدد الاطار الزمني لهذه الضربة بـ60 يوماً قابلة للتمديد 30 يوماً أخرى. وقد وافقت لجنة الشيوخ يوم الاربعاء الماضي على المسودة بأغلبية 10 أصوات مقابل سبعة وامتناع سناتور واحد عن التصويت. وسيطرح المقترح أمام مجلسي الكونغرس بعد عودته من عطلته الصيفية في ٩ أيلول (سبتمبر) وسط غموض يلف نوايا التصويت لدى معظم المشرعين. والمقترح، الذي سيرفع الى مجلسي الشيوخ والنواب للتصويت عليه، حل محل مشروع القانون الذي أحاله الرئيس إلى الكونغرس السبت الماضي لمنحه تفويضا بشن عمل عسكري في سوريا، وهو مشروع اعتبر عدد من المشرعين في لجنة الشؤون الخارجية صياغته فضفاضة وضبابية.
جهود أوباما
وفي محاولته للتغلب على تردد أعضاء الكونغرس، كان أوباما، قد أبدى خلال لقاءاته في البيت الأبيض الأسبوع الماضي مع عدد من المشرعين والمسؤولين في إدارته، استعداده لإعادة صياغة القرار المقترح ليوضح أن أي عملية عسكرية ضد سوريا ستكون محدودة من حيث النطاق والمدة ولن تشمل استخدام قوات برية، معربا عن ثقته بأن الكونغرس سيوافق على تحرك عسكري اميركي في سوريا. ودعا أوباما أعضاء الكونغرس إلى التصويت العاجل على مشروع قرار التفويض وقال إن الخطة الخاصة بالحرب على سوريا ستكون محدودة النطاق ولن تكرر حكومته الحرب الطويلة في العراق وافغانستان، موضحا أن «ما نتصوره شيء محدود. انه شيء متناسب. سيحد من قدرات الاسد».
كما أكد أن لديه خطة اوسع لمساعدة مقاتلي المعارضة على الانتصار على القوات الحكومية السورية. وقال «في نفس الوقت لدينا استراتيجية اوسع ستسمح لنا برفع قدرات المعارضة». ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول أميركي كبير قوله إن أوباما اشار إلى «الجهود السرية التي تبذلها الولايات المتحدة لتسليح وتدريب المتمردين السوريين بدأت تؤتي ثمارها وأن أول 50 من هؤلاء الذين دربهم ضباط من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) قد بدأوا في التسلل إلى داخل سوريا».
وقال رئيس مجلس النواب جون باينر عقب لقاء البيت الأبيض انه سيؤيد دعوة الرئيس أوباما لتحرك عسكري في سوريا وحث زملاءه في الكونغرس على ان يفعلوا الامر نفسه. داعيا الولايات المتحدة إلى ضرورة ان ترد على استخدام الاسلحة الكيمياوية في سوريا وان تظهر للحلفاء انها ستقف بصلابة حين يستدعي الامر.
ويذكر أن مشروع القرار الأول الذي أرسله أوباما إلى الكونغرس يشير إلى إمكانية تفسيره على أنه تفويض بالحرب على سوريا وإلى أبعد من ذلك فهو قد نص على أنه «يحق للرئيس استخدام القوات المسلحة الأميركية عندما يقرر أن ذلك ضروري ومناسب فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيمياوية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل وسط الصراع الدائر في سوريا.
ويشبه التفويض الذي طلبه أوباما إلى حد كبير التفويض الذي حصل عليه سلفه جورج بوش الابن في 14 أيلول (سبتمبر) 2001 من الكونغرس باستخدم القوات المسلحة ضد الإرهابيين حيث استخدمه بوش وبعده أوباما كرخصة غير محدودة لسجن أو تعذيب أو قتل أي شخص وفقا لتقدير السلطة التنفيذية.
وجاء تعديل طلب أوباما لتفادي سقوط مشروع القانون الذي يحتاج الى 60 صوتا للتغلب على إجراءات التعطيل التي يتوقع أن يقوم بها أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ.
وينص مشروع القرار الجديد الذي يدرسه أعضاء من الحزبين في اللجنة على أنه «لا يسمح باستخدام القوات المسلحة الأميركية على الأرض في سوريا بهدف تنفيذ أعمال قتالية»، كما ينص على أن التدخل العسكري في سوريا يجب أن يكون «محدوداً» وإذا أراد أوباما مد العمل بالتفويض فيجوز له طلب المد لفترة واحدة مدتها 30 يوما إذا شهد أمام الكونغرس في موعد لا يتجاوز خمسة أيام قبل انقضاء التفويض بأن المد ضروري وإذا لم يقر الكونغرس قرارا يقضي برفض المد.
ويلزم مشروع القرار أوباما بالتشاور مع الكونغرس وأن يعرض على مجلس الشيوخ ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب إستراتيجية للتفاوض بشأن تسوية سياسية للصراع في سوريا تتضمن مراجعة كل أشكال المساعدات المقدمة إلى قوات المعارضة التي تكافح للإطاحة بالأسد.
وكان هذا البند قد طلبه بعض أعضاء مجلس الشيوخ ومنهم الجمهوري البارز جون ماكين الذي أكد بعد جلسة مغلقة مطولة مع كيري أن «أوباما قال إنه يتعين على بشار الأسد أن يغادر السلطة، وبالتالي فإن استراتيجيتنا يجب أن تكون في تطبيق ما قاله الرئيس»
وتقول مصادر الكونغرس إن الهدف من إعادة صياغة مشروع القرار وفق ما سبق ذكره هو الحصول على أوسع دعم له من قبل الذين لم يقرروا بعد الكيفية التي سيصوتون بها.
انقسامات الكونغرس
على الرغم من حصول إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على تأييد اثنين من الجمهوريين البارزين لضرب سوريا، هما زعيم الغالبية في مجلس النواب الأميركي إريك كانتور ورئيس المجلس النواب جون بوينر، إلا أنه لا يزال يواجه صعوبات كبيرة في إقناع النواب الجمهوريين. الأمر يختلف في مجلس الشيوخ، حيث يميل الجمهوريون إلى تأييد التدخلات الخارجية. وبانتظار أن يستأنف الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب دورته الحالية، عقدت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الثلاثاء الماضي جلسة مفتوحة لمناقشة المقترح تبعتها جلسة سرية لعرض معلومات سرية، وقد شارك في الجلستين وزيرا الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هايغل ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي.
وفي الجلسة التي تخللتها احتجاجات من الحضور ترفض الحرب على سوريا وتكرار تجربة بوش في حربه ضد العراق التي بنيت على أكاذيب وانتهت بتدمير بلاد الرافدين، دافع وزير الخارجية الاميركي أمام أعضاء مجلس الشيوخ عن رغبة إدارة أوباما بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، بهدف «حماية القيم والامن القومي» للولايات المتحدة، معتبرا ان عدم القيام بها سيعني الوقوف موقف «المتفرج على مجزرة» مع العلم أن الإدارة الأميركية لم تقدم الى الآن أي أدلة على ارتكاب النظام السوري للمجزرة الكيميائية في غوطة دمشق،. وقال كيري أمام اللجنة إن «عدم موافقة الكونغرس على توجيه ضربة عسكرية محدودة لسوريا سيقرأها الرئيس بشار الأسد كمؤشر على إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية من دون خشية من العقاب»، لافتاً إلى أن «بعض الدول العربية قد عرضت لدفع كامل ثمن الضربة الأميركية في حال توجيهها للنظام السوري».
وحتى الآن لم يؤكد سوى 21 من اعضاء مجلس الشيوخ المئة تأييدهم للمقترح، بينما قال أبدى 13 معارضتهم وما زالت نوايا 66 عضوا غير معروفة. ولكن مع ذلك، يتوقع المراقبون ان تتغير هذه الارقام بينما تتغير صياغة الخطة وبينما يواصل البيت الابيض وحلفاؤه تسليط الضغوط على أعضاء المجلس. وقد أعرب بعض الأعضاء الديمقراطيين معارضتهم لخطط البيت الأبيض حيث اتهموا حكومة أوباما بنسيان دروس حرب فيتنام والعراق، وأنهم يريدون أدلة دامغة على استخدام سوريا الأسلحة الكيمياوية وليس أدلة ظرفية وصور أقمار صناعية لا تظهر استخدام هذه الأسلحة. وقال العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ جو مانشين إنهم لن يؤيدوا موقف أوباما حول سوريا. ويذكر أن عدد الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ هو 54 عضوا وهو ما يجعل ريد لا يستطيع تحمل أي انشقاق في صفوف الديمقراطيين وقال مصدر ديمقراطي في المجلس إن ريد وأوباما سيكونان محظوظين إذا حصلا على دعم ما بين 10-15 عضوا جمهوريا في المجلس، وهذا توجه وارد جداً.
فيما الأمر قد يكون أكثر صعوبة في مجلس النواب، وهو الأمر الذي دفع البيت الأبيض إلى الاستعانة باللوبي الإسرائيلي المعروف باسم (آيباك) للضغط على المترددين في الكونغرس لدعم موقف أوباما.
وسيصوت مجلس النواب على المقترح بعد إقراره من قبل لجنة الشؤون الخارجية في المجلس التي عقدت الأربعاء الماضي جلسة بمشاركة المسؤولين الثلاثة -كيري وهايغل وديمبسي- فيما تعقد لجان أخرى جلسات استماع للإحاطة بموقف وخطط البيت الأبيض.
وفي جلسة الأربعاء قال وزير الدفاع هايغل لأعضاء لجنة النواب إن الضربة العسكرية المزمع توجيهها الى سوريا لن تكون «وخزة دبوس» وستقلص قدرات الرئيس بشار الأسد العسكرية إلى حد بعيد. وأضاف «الرئيس أوباما قال… لن تكون الضربة وخزة دبوس. كانت هذه كلماته. ستكون ضربة مؤثرة تقلص في الحقيقة قدراته». وأضاف هايغل انه يعتقد «أن الاحتمال مرجح جدا» أن يستخدم الأسد الأسلحة الكيمياوية مرة أخرى إذا لم تتحرك الولايات المتحدة لتوضح أن استخدام هذه الأسلحة أمر غير مقبول. واتفق كيري مع هذا التقييم وقال انه يعتقد أن هذا أمر مرجح «بنسبة مئة بالمئة». كما أبلغ هايغل المشرعين ان من المتوقع أن تكلف الضربة العسكرية المحدودة «عشرات الملايين» من الدولارات.
Leave a Reply