لم تنخفض درجة الحرارة شرقي المتوسط في الأيام الأولى لشهر أيلول وهو يودع أشهر الصيف العجاف حتى إزدادت المنطقة لهيباً بالأحداث المرجحة لمزيد من التطورات بانتظار ختام «قمة العشرين» في روسيا واقتراب المشرعين الأميركيين من التصويت على قرار يسمح بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا (التفاصيل ص ١٢).
عسكري سوري خلال عملية للجيش في حي جوبر، بالعاصمة دمشق. (أ ب) |
ففي سان بطرسبرغ اجتمع قادة «مجموعة العشرين» في مشهد بدا فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما معزولاً بعد أن تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من كسب الجولة الأولى في القمة، عندما اتخذت مجموعة «بريكس» والصين والاتحاد الأوروبي والبابا فرنسيس، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، مواقف أقرب إليه من أوباما ونظيره الفرنسي فرنسوا هولاند بخصوص احتمال التدخل العسكري ومشروعيته.
وقال نائب وزير المالية الصيني تشو قوانغ ياو «سيكون للعمل العسكري تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، وخصوصا على سعر النفط. سيتسبب في ارتفاع سعر النفط»، فيما أعلن المتحدث باسم الوفد الصيني كين غانغ إن «الوضع الحالي يظهر أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد الممكن لحل الأزمة». وحث البابا القادة، في رسالة وجهها إلى بوتين، على أن ينحوا جانبا «السعي غير المجدي لحل عسكري» في سوريا. وقال «لنجدد الالتزام بالسعي بشجاعة وإصرار إلى حل سلمي من خلال حوار وتفاوض الأطراف يدعمه المجتمع الدولي بالإجماع».
ووصف قادة الاتحاد الأوروبي، وهم في العادة من أقوى حلفاء الولايات المتحدة، الهجوم بأسلحة كيميائية على غوطة دمشق بأنه «بشع»، لكنهم أضافوا انه «لا حل عسكريا للصراع السوري». ويظهر الموقف، الذي صاغه رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، قدرا من الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بعد أن قال أوباما انه سيقوم بعمل عسكري فور حصوله على موافقة الكونغرس. ويلتقي وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي في ليتوانيا غدا لبحث الملف السوري. كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن أي تدخل عسكري في سوريا لابد أن يكون بموافقة مجلس الأمن، مشيرا إلى أن الوضع في سوريا بات مؤلما. ودعا إلى عقد مؤتمر «جنيف-2» في أقرب وقت.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي التقت هولاند بصورة مفاجئة، «هذه الحرب يجب أن تنتهي، وهذا لن يحدث إلا من خلال العمل السياسي، طالما أن ألمانيا لن تشارك في هذا العمل العسكري بأي حال».
ولم يقف مع أوباما سوى فرنسا التي تستعد للمشاركة في عمل عسكري ضد سوريا، بالإضافة إلى تركيا. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، لتلفزيون «فرانس 2» قبل سفره إلى سان بطرسبرغ، «نحن مقتنعون بأنه إذا لم يعاقب السيد (الرئيس بشار) الأسد، فلن تجرى مفاوضات».
طبول الحرب تُقرع
إذن طبول الحرب باتت تقرع من جديد في ظل إستنكار عالمي للهجوم الأميركي المحتمل الذي واكبه صمت من القوى الغربية و«فجور» من المعسكر «العربواميركي» الذي أصيب بانتكاسة بعد قرار أوباما العودة الى الكونغرس قبل مهاجمة سوريا. كما امتعض بعض العرب، بقيادة السعودية، من الحديث عن «ضربة محدودة» لا تهدف لإسقاط الرئيس بشار الأسد وإنما ستضعف قدراته فقط.
وسجلت قمة وزراء الخارجية العرب التي انعقدت في القاهرة، إضافةً الى الهرولة الخليجية لتوفير غطاء للضربة الأميركية، خروج مصر من عباءة السعوديين والقطريين لتعود الى الموقع الرافض للتدخل العسكري في سوريا رغم الإغراءات المالية التي تقدم لها.
وتعالت أصوات المعارضة السورية بالتدخل الأميركي ورفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات في «جنيف ٢»، فيما دب الرعب في المدن الإسرائيلية حيث يتزاحم السكان على شراء الأقنعة الواقية وإعداد الملاجىء للإختباء في حال رد السوريون وحلفاؤهم ونفذوا تهديداتهم بإمتداد الحرب لتشعل المنطقة ويكون الاسرائيليون هم الخاسر الأكبر في هذه الحرب التي يعرف من يشعلها توقيت بدايتها لكنه لايعرف بالتأكيد كيف ومتى ستنتهي.
روسيا جادة
وفي السياق، توجهت سفينتا الإنزال الكبيرتان «نوفوتشيركاسك ومينسك» التابعتان لأسطول البحر الأسود وأسطول البلطيق الروسيين على التوالي، إلى البحر المتوسط، حسبما ذكر المكتب الصحفي لوزارة الدفاع الروسية يوم الثلاثاء الماضي. وكان بوتين قد حذر عشية «قمة العشرين» الغرب من أي عمل أحادي ضد دمشق، متهماً الأميركيين بالكذب وتغيير الحقائق بشأن سوريا. وأضاف في حديث لقناة «بيرفي كانال» انه من غير المعقول أن الأسد إستخدم الكيميائي فيما قواته تتقدم على الأرض، واتهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالكذب على الكونغرس بشأن دور تنظيم «القاعدة» في الصراع الدائر في سوريا، مؤكداً أن جبهة النصرة قوة قتالية أساسية في سوريا.
ورأى بوتين أن واشنطن لا يمكنها الحديث عن الدفاع عن النفس لأن سوريا لا تهاجم الولايات المتحدة الأميركية.
وأعلن الرئيس الروسي أن بلاده سلمت بعض مكونات منظومة الصواريخ اس-300 لسوريا بموجب العقد الموقع بين البلدين، وأن العملية لم تنته بعد وهي معلقة حالياً. وكان بوتين قد شدد في حوار أجرته معه «القناة الأولى الروسية ووكالة أسوشيتيد برس» الثلاثاء الماضي، في مقره في نوفو-أغاريوفو، على أن مجلس الأمن الدولي هو الجهة الوحيدة المخولة بمنح تفويض باستخدام السلاح ضد دولة ذات سيادة. وقال بوتين إن أية ذرائع أو سبل أخرى لتبرير استخدام القوة بحق دولة مستقلة ذات سيادة غير مقبولة ولا يمكن تصنيفها إلا كعدوان.
وفي ما يتعلق بمزاعم استخدام السلاح الكيميائي في ريف دمشق، اعتبر الرئيس الروسي أنه يجب على الأقل انتظار نتائج التحقيق الذي أجراه فريق محققي الأمم المتحدة.
ورأى بوتين أنه ليس من المعقول أن يستخدم الجيش النظامي الذي يحقق تقدّماً على الأرض السلاح الكيميائي المحظور، وهو يدرك جيداً أن ذلك قد يتخذ ذريعة لفرض عقوبات تصل إلى استخدام القوة. وقال :ننطلق من أنه في حال توفر أي معلومات حول استخدام الجيش النظامي تحديدا للسلاح الكيميائي، فيجب تقديم هذه الأدلة لمجلس الأمن الدولي والمفتشين. ويجب أن تكون مقنعة ولا تستند إلى شائعات ما أو معلومات حصلت عليها الأجهزة الخاصة عن طريق التنصت أو محادثات ما إلخ..
وأكد بوتين أن روسيا لا تدافع عن الحكومة السورية، وإنما عن النظام العالمي الحديث وبحث إمكانية استخدام القوة فقط في إطار النظام الدولي القائم والقواعد الدولية والقانون الدولي. وأضاف: عندما تجرى تسوية القضايا المتعلقة باستخدام القوة خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فهناك خطر أن تتخذ مثل هذه القرارات غير المشروعة بحق أي أحد وتحت أية ذريعة.
وفي سياق إمكانية تحقيق تقدم على مسار الحل السلمي، قالت الخارجية الروسية إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيصل الى موسكو يوم الاثنين القادم لبحث الأزمة السورية وقالت في بيان لها إنه ستجرى في موسكو مباحثات بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمعلم، ستركز على بحث شامل لكافة جوانب الوضع الراهن في سورية وحولها.
ايران تهدد
من جهة أخرى شدد الرئيس الايراني حسن روحاني على أن بلاده ستتخذ كل الخطوات السياسية اللازمة على الصعيد الدولي بشأن الازمة السورية، لأن ايران تدرك التبعات والمشكلات التي سيسببها أي عدوان على سوريا للمنطقة برمتها. وقال روحاني إن العدوان على سوريا لن تقتصر أضراره على المنطقة بل سيشمل اصدقاء اميركا أيضاً، لافتاً إلى أن استقرار وأمن سوريا مهم جداً ولايران دور هام في ذلك.
وأكد الرئيس الإيراني أن الولايات المتحدة لا تملك الشرعية اللازمة من الامم المتحدة ومجلس الامن والرأي العام العالمي، للاعتداء على سوريا، مجدداً الإشارة إلى ان التدخل الخارجي في المنطقة سيقوي الارهاب
الأسد: تهمة الكيميائي غير منطقية
من جانبه، رفض الرئيس السوري بشار الاسد الاتهامات باستخدام السلاح الكيميائي، معتبراً أنها غير منطقية. وقال الاسد في تصريح خاص لصحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، «لا أريد أن أقول، ما إذا كان الجيش السوري يمتلك هذا السلاح أم لا. لنفترض بأن جيشنا يريد أن يستخدم أسلحة الدمار الشامل، فهل يمكن أن يكون ذلك في المنطقة التي توجد فيها القوات السورية، والتي أصيب فيها الجنود بهذا السلاح، كما تأكد من ذلك خبراء الامم المتحدة الذين زاروهم بالمستشفى الذي يتلقي الجنود العلاج فيه؟ أين المنطق؟»
وقال أيضا: إن أي أحد يوجه اتهامات يجب أن يقدم أدلة. ودعونا الولايات المتحدة وفرنسا أن تقدما ولو دليلا واحدا، لكن أوباما وهولاند لم يتمكنا من ذلك، وحتى أمام شعبيهما.
وأكد الأسد أن لا أحد يعرف الى أي شيء سيؤدي ضرب سوريا، مشيرا الى أن الوضع سيفلت من السيطرة، وستنتشر الفوضى والتطرف في المنطقة كلها.
ومن ناحية أخرى، أكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في حديث خاص لقناة «روسيا اليوم» أن الولايات المتحدة لا قضية لها في الشرق الأوسط سوى النفط وأمن اسرائيل، مشيراً إلى أن هذا الكلام جاء على لسان الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري. وأكد المقداد أن واشنطن ليست ملتزمة بحقوق الإنسان ولا بالقانون الدولي وليست صديقة للدول العربية، بل هي حليفة للارهابيين في سوريا.
وأوضح المقداد أن الولايات المتحدة خرجت عن القانون الدولي منذ حربها على فيتنام، فهي لا تنصاع للشرعية الدولية لذلك ضربت العراق خارج اطر مجلس الامن الدولي.
وأكد أنه لو أرادت الولايات المتحدة أن تتدخل إنسانياً فكان أجدى بها أن تدعم الحكومة الشرعية في سوريا التي تحارب الإرهاب والتدخل لمنع عملائها في المنطقة من دعم الارهابيين.
وزراء الخارجية العرب
وقد دعا وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماع طارئ عقدوه مساء الاحد الماضي في القاهرة الامم المتحدة والمجتمع الدولي للإضطلاع بمسؤولياتهم وفقا لميثاق المنظمة الدولية وقواعد القانون الدولي إزاء ما وصفوه بـ«الجريمة النكراء» باستخدام سلاح كيميائي في سوريا بحسب قولهم، محملين النظام السوري المسؤولية عن ذلك.
وحمل البيان الختامي النظام السوري المسؤولية الكاملة لهذه الجريمة البشعة، وطالبوا بـتقديم كافة المتورطين لمحاكمات دولية عادلة، وبـتقديم كافة اشكال الدعم المطلوب للشعب السوري للدفاع عن نفسه وضرورة تضافر الجهود العربية والدولية لمساعدته، بحسب البيان.
وكان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل دعا في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الى اتخاذ (قرار حاسم) بدعم التدخل الدولي في سوريا، معتبراً أن معارضة هذا التدخل لا تعني إلا تشجيعاً للنظام السوري
من جهته طلب رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا من الوزراء العرب في كلمة ألقاها خلال الجلسة نفسها بدعم الضربة العسكرية الدولية على بلاده.
في المقابل عارضت مصر التدخل العسكري الأجنبي في سوريا، واعتبرت ان السبيل الوحيد لتهدئة الساحة السورية هو التفاوض عبر مؤتمر «جنيف 2»، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية المصري نبيل فهمي خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب وكذلك عارضت لبنان والعراق وتونس والجزائر وموريتانيا التدخل العسكري الأجنبي في سوريا.
الوضع الميداني
مع استمرار عمليات الجيش السوري في ريف دمشق اقتحم مسلحون بلدة معلولا وهي معلم ديني مسيحي هام جدا ويعود تاريخ بنائها الى اكثر من ثلاثة الاف عام ويتكلم سكانها اللغة الارامية (لغة السيد المسيح) الى جانب العربية، وقد قام احد المسلحين بتفجير نفسه في حاجز للجيش ادى لاستشهاد نحو عشرين جنديا وقد تمكن الجيش بالتعاون مع الأهالي من استعادة السيطرة على البلدة التي انسحب منها المسلحون باتجاه جبال القلمون.
ويقوم الجيش السوري باستكمال عملية «درع العاصمة» في ريف دمشق، حيث يحكم السيطرة أكثر على بلدة المعضمية وهي ذات موقع إستراتيجي كونها مدخل الغوطة من جهة الغرب، وقريبة من اوتستراد دمشق القنيطرة.
وتستمر عمليات الجيش في مناطق القابون وجوبر لإحكام السيطرة على اوتستراد دمشق حمص وتأمينه، وقطع خطوط الإمداد عن المجموعات المسلحة في الغوطة الشرقية.
Leave a Reply