منيت أولى كتائب ما يسمى الجيش السوري الحر التي دربها ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) بأولى هزائمها لدى تسللها إلى جنوب سوريا عبر الأردن. ونقل موقع «وورلد تريبيون» الأميركي المقرب من الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية عن مصادر دبلوماسية غربية قولها إن الجيش السوري النظامي الذي كان على علم مسبق بتسلل نحو 600 من مقاتلي «الجيش الحر» الذين تلقوا تدريبهم في الأردن عقب تسللهم إلى الأراضي السورية على عمق لا يزيد عن 10 كيلومترات من الحدود الأردنية، كان أعد كميناً لهم حيث قتل عدد منهم فيما أجبر الباقين على التقهقر والفرار حيث لجأ بعضهم مرة أخرى إلى الأردن فيما فر آخرون باتجاه مرتفعات الجولان محاولين الهجوم على قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لاستخدام أفرادها دروعا بشرية. ونقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعض المصابين منهم إلى مستشفياتها.
وقال مصدر آخر إن «خطة الـ«سي آي أي» كانت جد بسيطة: تأسيس وجود للجيش السوري الحر في جنوب سوريا ليكون بمثابة نقطة جذب لقوى المعارضة الأخرى للهجوم على دمشق».
وقد اعترف وزير الخارجية الأميركي جون كيري في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي يوم الأربعاء الماضي أن عدد المسلحين الذين يقاتلون في سوريا يتراوح ما بين 70 ألف إلى 100 ألف زاعما أن من وصفهم «الرجال الأشرار» منهم لا يشكلون أكثر من 15 الى 25 بالمئة من الجماعات المسلحة، في إشارة إلى «جبهة النصرة» والمجموعات المسلحة الأخرى المرتبطة بتنظيم «القاعدة». غير أن العضو الجمهوري في اللجنة مايكل ماكول قال إن أغلبية المجموعات المسلحة هي من «الإسلاميين المتطرفين».
«كونترا» سورية
ووصف مصدر أميركي القوات التي تسللت عبر الحدود الأردنية بأنها «كانت جيدة التدريب والتسليح وكان مخطط لها الوصول إلى دمشق للإطاحة بالنظام، ولكنها بدلا من القيام بذلك فإنها خلال ساعات من عبورها الحدود الأردنية سارعت إلى الفرار». واشار المصدر إلى أن هذه القوات تضم إلى جانب سوريين، مقاتلين من مصر والسعودية تلقوا تدريباتهم في الأردن بإشراف الـ«سي آي أي» وضباط من قوات العمليات الخاصة الأردنية ومن القوات الخاصة الإسرائيلية، وهم مزودون بصواريخ مضادة للدبايات والطائرات وأنظمة رؤيا ليلية. ويذكر أن الولايات المتحدة على غرار ما فعلته في ثمانينات القرن الماضي للإطاحة بنظام «السانديستا» في نيكاراغوا بتشكيل وتدريب وتمويل عصابات «الكونترا» بدأت برنامج تدريب قوات المعارضة السورية تحت يافطة الجيش السوري الحر في أواخر عام 2012.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الثلاثاء الماضي اعتراف الـ«سي آي أي» بإرسال عدد ممن دربتهم إلى سوريا. وقالت الصحيفة إن وكالة الإستخبارات أرسلت الأسبوع الماضي نحو (50 مقاتلا) للتسلل إلى داخل الأراضي السورية، فيما ذكرت «وورلد تريبون» أن حادثة تسلل سابقة وقعت يوم 17 آب (أغسطس) الماضي على بعد نحو 15 كيلومترا من مدينة درعا جنوب سوريا. وكانت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية يوم 22 آب الماضي أول من اشار إلى تسلل هذه القوة على دفعتين لكن الصحيفة الفرنسية لم تذكر شيئا عما جرى لأفراد هذه القوة.
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما أكد خلال لقائه في البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي مع العضوين الجمهوريين في مجلس الشيوخ جون ماكين ولندسي غراهام وهما من صقور دعاة الحرب على سوريا أن حكومته ستعمل على تصعيد العمليات السرية في محاولة لإلحاق مزيد من الضرر بالجيش السوري. وقال إنه إضافة إلى شن عملية عسكرية «محدودة» ضد سوريا فإن «لدينا استراتيجية أوسع نطاقا من شأنها أن أن تسمح لنا برفع مستوى قدرات المعارضة».
وذكرت «نيويورك تايمز» أن «برنامج «سي آي أي» لتسليح «المتمردين» تعمد أن يقتصر في البداية على السماح «بتجربة يجريها مسؤولون أميركيون لمراقبة ذلك قبل رفع مستواها إلى حملة أكبر وأكثر هجومية»، وهو ما دفع غراهام إلى القول «يبدو أن لدى هذه الإدارة خطة صلبة جدا لرفع مستوى المعارضة».
ومع حلول يوم 20 آب الماضي فإن القوة التابعة «للجيش السوري الحر» التي تسللت عبر الحدود الأردنية وتضم عناصر مرتزقة متنكرة بزي المتمردين تم محاصرتها ومن ثم هزيمتها من قبل جنود الجيش السوري. وقالت المصادر ذاتها إن هذه الهزيمة قضت على آمال الولايات المتحدة باستخدام الأردن قاعدة انطلاق سريعة للمتمردين من شأنها أن تقرر نتيجة الحرب التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها على سوريا في عام 2013. واضافت المصادر ذاتها أن هذه الهزيمة أبرزت العزلة المتزايدة لواشنطن في توجيه حملة المتمردين في سوريا مشيرين إلى أن الاستراتيجية الأميركية جرى استنساخها من التمرد في ليبيا الذي كان مدعوما من الغرب ودول خليجية ضد نظام معمر القذافي في عام 2011 حيث جرى استخدام مدينة بنغازي في شرق ليبيا كقاعدة انطلاق للهجمات ضد القوات الحكومية الليبية. وقالت هذه المصادر إن «الأميركيين قد تبنوا استراتيجية بنغازي لأكثر من عام بالرغم من أن سوريا ليست ليبيا، وأن الرئيس الأسد بالتأكيد ليس القذافي وأن لدى دمشق حلفاء أقوياء يقاتلون لإنقاذ النظام، غير أن الشعور السائد لدى الحلفاء أن أميركا لا تصغي».
وذكرت مصادر أميركية مطلعة أن السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد قبل سحبه من دمشق في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 «بسبب مخاوف أمنية»، أمضى عدة أشهر يحاول إيجاد مجموعة يمكن للولايات المتحدة أن تعمل معها في حال رحيل الرئيس الأسد عن السلطة. ولكن حتى يومنا هذا، لا يزال هناك القليل من الفهم حول من هي المعارضة وكيف سيتم ملء الفراغ في القيادة. ويذكر أن فورد كان من بين الدبلوماسيين الأميركيين الذين عملوا مع السفير جون نغروبونتي في بغداد (2004-2005) الذي استنسخ تجربته في الإشراف على تشكيل ودعم عصابات «الكونترا» في نيكاراغوا الذين كانوا يتخذون من هندوراس مقراً لهم لشن هجمات وعمليات تخريبية داخل نيكارغوا وتطبيقها في سوريا.
وترى هذه المصادر أن هذه معضلة على غرار ما واجهته الولايات المتحدة في مصر والعراق وليبيا في العقد الماضي التي كانت تحكم من أنظمة استبدادية علمانية أعقب الإطاحة بها ظهور متمردين ومنظمات دينية متعطشة لفرض شكلٍ من الشريعة الإسلامية. وتؤكد هذه المصادر أن ما يحدث في سوريا بدعم الولايات المتحدة وحلفائها هو تقويض حكم الرئيس الأسد العلماني لصالح قوى دينية متشددة تابعة للسعودية ودول خليجية أخرى.
وفيما يجري تسليح الجماعات «الجهادية» المتشددة من شحنات الأسلحة التي تمولها السعودية وقطر ولا يذهب أي منها إلى من تصفهم الحكومة الأميركية «المعتدلين»، فإن خبراء عسكريين ومسؤولين سابقين في الاستخبارات الأميركية يقولون إن المقاتلين السوريين الذين انشقوا عن الجيش السوري قد تم تهميشهم بشكل تام تقريبا، فيما يذهب كل الدعم الأميركي واللوجستي إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين يقودون المجلس العسكري السوري المدعوم من قطر والسعودية.
شكوى أردنية
من جانب آخر، اشتكى الأردن من تأخير الولايات المتحدة تسليمه الأسلحة التي قررتها للجيش الأردني. ويذكر أن الولايات المتحدة تحتفظ حاليا في الأردن بوجود عسكري يزيد عن ألف جندي إلى جانب معدات عسكرية متطورة من بينها طائرات مقاتلة من طراز «أف-16» وبطاريات صواريخ «باتريوت». وتعمل القوة الأميركية في الأردن تحت اسم القيادة المركزية الأميركية الأمامية في الأردن ويقع مقرها في العاصمة الأردنية، عمان.
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي قد اعترف بالشكوى الأردنية إزاء التأخير المتكرر للمعدات العسكرية الأميركية المطلوبة والتي تشمل أسلحة ومعدات قتالية وأنظمة استطلاع وتجسس كانت حكومة الرئيس باراك أوباما قد تعهدت بتسليمها إلى الأردن قبل نحو عامين. وقال الجنرال ديمبسي «لقد عبروا عن الإحباط إزاء عملية المبيعات العسكرية الخارجية». مشيرا إلى أن التأخير يلحق الضرر بجهود الأردن لتحسين الأمن وسط الحرب الأهلية في سوريا. موضحا أن الاردن يحظى بأولوية في أي جهد أميركي لتسريع شحنات الأسلحة. وقال إن الأردن هو واحد من تلك البلدان التي تتعرض لمثل هذا الضغط»
وكان الأردن كان طلب خلال السنوات الأخيرة الحصول على جزء من فائض أسلحة ومعدات الجيش الأميركي والأسلحة المتطورة بما فيها صواريخ جو-جو من طراز «إي آي إن-9» إكس لتركيبها على طائرات سلاح الجو الأردني من طراز «أف-16» التي يملك الأردن منها نحو 50 طائرة.
Leave a Reply