صادف يوم السابع من أيلول (سبتمبر) حلول العيد التاسع والعشرين لتأسيس صحيفة «صدى الوطن» لكنَّها احتفلت بهذا العيد بصمت يعتوره الألم ويحدوه الأمل في آن. فلم يكن هناك مجالٌ للاحتفال في وقتٍ تتعالى فيه صيحات الحرب وتُقرع طبولها وتُحشَد الأساطيل في الشرق الأوسط إستعداداً للعدوان على سوريا وشعبها.
وبعد تراجع إحتمالات الحرب، ربَّما مؤقتا، سمح هذا الوقت المستقطع، لإدارة الصحيفة بإجراء جردة تأمُّل وحساب لهذه المسيرة الإعلامية الرائدة، بكل المقاييس، والتي وُلدتْ من رحم المعاناة والحاجة لصوت إعلامي حضاري عربي أميركي يُبحر ضد المياه الإعلامية الآسنة والمحيط الإعلامي الأميركي المعادي للقضايا العربية، ويجابه هذا الأخطبوط الهائل الذي يتمثَّل باللوبي الإسرائيلي وذلك رغم تواضع الإمكانات ووجود العقبات السياسية والمالية والتقنية بعكس الجرائد الأميركية المرتاحة والتي تملك مصادر مالية طائلة تحت تصرفها. إلا أن نقص الموارد المالية والبشرية لم يوقف المؤسس لهذا الصرح الإعلامي عن إضاءة شمعة كبارقة الأمل في الحيّز الكبير للظلام السياسي والإعلامي في البلاد التي اخترناها وطناً كريماً لنا وأعطيناها فأعطتنا الكثير.
علة انبثاق «صدى الوطن» كانت الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وغزوها له واجتياحها لأول عاصمة عربية، بيروت، بعد فلسطين، عام ١٩٨٢. لم يكن هناك أي وجود لصوت إعلامي عربي مسموع ينقل الحقيقة، بل تجارب وفلتات صحافية برزت منذ القرن الماضي ولم تتمكن من الصمود. ولعل مجرد إستمرار «صدى الوطن» قرابة ثلاثة عقود من الزمن هو إنجاز عظيم بحد ذاته، أما الإنجاز الآخر فهو إطلالة العرب عبر وسيلة ثقافية نوعية تليق بهم تكتب باللغتين، وتسجل الحضور العربي الأميركي اليومي في مدونة التاريخ وتنقل الحداثة والتواصل الفكري والتراثي وتقرب المسافات بين العالمين العربي والأميركي بحيث أصبحت «صدى الوطن» رسالة وليست مجرد وسيلة إعلامية.
وقد عاصرت الصحيفة حرب إسرائيل على لبنان صيف ١٩٨٢ وصولاً إلى التحرير الذي تُوج في أيار عام ٢٠٠٠ ثم حرب تموز الإسرائيلية على لبنان عام ٢٠٠٦، وما أعقبها من غزو العراق عام ٢٠٠٣ وحرب اليمنين وأفغانستان وحرب تجريد الحقوق المدنية بعد هجمات «11 أيلول» الإرهابية وأخيراً، وليس آخراً، النيران المشتعلة من ثورات «الربيع العربي» التي هي اشد خطورة على عالمنا العربي لانها تحولت إلى خريف من الفوضى وإستباحة أوطاننا وتعريض أمنها للخطر الخارجي الأجنبي عن طريق التفرقة الدينية والطائفية والعنصرية التي تشرذم عرب الداخل وعرب الخارج في المغتربات والتي قد تجعلهم فريسة أسهل مما كانوا عليه قبل اتفاقية «سايكس بيكو».
ومنذ إنطلاقتها كان لـ«صدى الوطن» مواقف حادَّة وجريئة من مجمل القضايا العربية والعالمية، ولم تتقهقر بموقفها أو تتلكأ في ممارسة حقها بالتعبير الشجاع المكفول في الدستور الأميركي، والجهر بقوميتها العربية وبدعم حركات التحرر العالمية المحقة وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية كما رفضتْ الحرب على العراق وتدخُّل أميركا وأوروبا بالثورة المصرية التي أطلقتها الملايين من الشعب العربي في مصر عبد الناصر. كما أنها وقفت منذ البداية مع مطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة وتقرير مصير حكمه بنفسه وبشكلٍ سلمي من دون تدمير سوريا، البلد العربي العزيز، واستباحته من قبل الجماعات المسلحة الأجنبية أو التدخل العسكري الغربي.
هذه الرسالة الإعلامية وهذه الإستمرارية لم تكن من دون ثمن دفعته الصحيفة ليس أقله الإعتداء على مكاتبها ومحاربة اللوبي الإعلامي الإسرائيلي لها بلا هوادة، إلا أنها لم تتخط هذه العوائق فحسب بل إنها كسبتْ احترام عمداء الإعلام الأميركي الذين أجمعوا على ترشيح مؤسس وناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني الى دخول «قاعة مشاهير الصحافة في ميشيغن» وهو شرفٌ لم ينله إلا القليل من الإعلاميين، وهذا ليس فخراً للصحيفة وناشرها فقط، بل هو مفخرة للجالية العربية بأكملها، كونه العربي الوحيد في «قاعة المشاهير» الى جانب أسطورة الصحافة الأميركية الراحلة هيلين طوماس. هذا الإنجاز وغيره يزيدنا عزماً وإرادة على مواصلة رسالتنا الإعلامية لجمع أمَّتنا على كلمة الوحدة وإدانة التشرذم الطائفي والمذهبي والمناطقي وعدم نقل عدوى بلادنا إلى داخل جاليتنا العربية وتوحيدها على عمل الخير وحثها على الانخراط بالعملية الإنتخابية إقتراعاً وترشيحاً.
إن استمرارنا مرهونٌ بعنادنا وبتصميمنا على البقاء وبتواصل الدعم من الجالية العربية الكريمة المعطاءة والمعلنين الكرام الذين هم المصدر المالي الوحيد للصحيفة، فلهم جميعاً نتوجه بجزيل الشكر والإمتنان والتقدير ونحن على الوعد باقون وكلنا أمل بتعزيز المسيرة الطموحة هذه بحجم مستقبل أبنائنا في هذه الظروف الدقيقة من تاريخنا.
وكم نفتقد خلال هذه المرحلة مناضلة إعلامية إنسانية بكل ما للكلمة من معنى، ماريانا كاي سبلاني، التي شاركتْ منذ البداية في التأسيس لهذا الصرح الإعلامي وفي مواجهة متاعب صاحبة الجلالة بحلوها ومُرِّها فكانت عنوان الصمود والتحدي والتصدي مهنياً وشخصياً الى أنْ رضخت للقدَر جسدياً بداية هذه السنة لكن روحها وتاريخها وذكراها باقية معنا الى الأبد.
في عيدنا التاسع والعشرين نطفيء شمعة ونضيء منارة مطلّة على الوطن وكلمتنا دائماً مع الحقيقة ضد الزيف الإعلامي وانحيازه… أما عيوننا فباتّجاه المستقبل الباهر. نستمر بكم، وكل عام وأنتم بخير!
«صدى الوطن»
Leave a Reply