غيّب الموت يوم الخميس، 5 أيلول (سبتمبر)، أحد أبرز رجال الاعمال المبتكرين في الجالية العربية الاميركية، رياض سعد شاتيلا، عن عمر يناهز 68 عاماً بعد صراع مرير مع مرض سرطان الحنجرة. والراحل هو مؤسس «حلويات شاتيلا» التي حلّقت شهرتها في الآفاق بعد مسيرة تجارية طويلة كانت فيها فخر وبهجة مدينة ديربورن لأجيال عديدة، واتسعت شهرتها في السنوات الأخيرة لتحمل الى ملايين الاميركيين في طول البلاد وعرضها الجانب «الحلو» من الثقافة والتقاليد العربية عبر تقديم افخم اصناف الحلويات الشرق أوسطية.
الراحل رياض شاتيلا مع زوجته السيدة زينات بزي (الصورة الى اليمين)، وبناته ندى، تانيا وبتول |
وقد مثّلت قصة رياض شاتيلا، عبر اطلاقه وتوسيعه للاسم الذي اصبح لامعاً في عالم الحلوى، قصة نجاح فرد مهاجر من لبنان وتحقيقه «للحلم الاميركي» في البلاد الجديدة بشكل مدوٍّ ومثَلاً يحتذى به.
حملت الاقدار رياض شاتيلا من مدينته بيروت الى الولايات المتحدة عام 1977، سعيا وراء «الحلم»، ولم يحمل معه أكثر من شهادة في الثانوية العامة من لبنان ولم يكن يملك خطة عمل غير أنه كان يمتلك شغفا وحبا للحلويات الشرق أوسطية ووجد الفرصة سانحة لكي يستقدمها الى الجالية العربية الاميركية في ديربورن التي كانت في طور النمو والتوسع.
وفي حين أن الحلويات العربية لم تكن جديدة على السوق الاستهلاكي الاميركي، الا ان «شاتيلا» اختط نوعية خاصة بصناعة الحلويات التي اصبحت لها شعبية ضخمة، سيما البقلاوة.
قبل شاتيلا كانت البقلاوة تباع «بالباوند»، لكن شاتيلا حقق انجازا نوعيا بتقديم الصواني لبيع قطع البقلاوة مما اتاح له شحن علب البقلاوة وباقي منتجاته الى كافة انحاء البلاد بتغليف متقن لتحافظ على نوعيتها وطزاجتها.
الا ان الوصول الى هذه الحرفية العالية في صنع الحلويات التي اشتهرت باسمه، لم يكن سهلا، شاتيلا كان ينشد الكمال في عمله، وطريق النجاح لم يمر من دون ان تعتريه التحديات، فأمضى سنينا عديدة من التجربة والخطأ والاختبار وتكريس الجهد من أجل إنتاج حلويات شهية لتصبح حلويات شاتيلا المعروفة بشكلها الحالي اليوم.
ابنة رياض البكر، ندى، البالغة من العمر 24 عاما ما زالت تتذكر الايام التأسيسية الاولى لشركة والدها الراحل، فقالت ندى: «كان أبي يحضر الحلويات الى البيت والتي كان يريدنا أن نتذوقها فكنا نقول له اذا كانت جيدة بما فيه الكفاية، كان كماليا فيما يتعلق بحلوياته وكان يقوم بسلسلة تجارب قبل أن يستقر على الانتاج النهائي، وقد كنا نحن مشاركين معه منذ اليوم الاول حتى عندما كنا اطفالا».
متجر «حلويات شاتيلا» على شارع وورن في مدينة ديربورن |
في العام ١٩٨٤ تمكن شاتيلا من فتح أول محل له على شارع «شايفر» في شرق ديربورن، وسرعان ما أصبحت حلوياته تستقطب أبناء الجالية وحتى الأميركيين، فالى جانب البقلاوة الشهيرة، تحولت حلويات اخرى مثل «الكاتو» الفرنسي و«الكنافة» و«المعمول» بسرعة الى عنصر ثابت وراسخ في كل بيت عربي اميركي خصوصا خلال شهر رمضان المبارك حيث كان محله يعج بالزبائن الذي يرتفع عددهم عاماً بعد عام. وهو ما دفعه في العام ٢٠٠٤ الى افتتاح المتجر الحالي على شارع وورن.
وفي أوائل التسعينات قد شاتيلا لزبائنه صنفاً جديداً من البوظة ذات النكهات المتعددة مثل الشوكولا والمانغا والفريز وسرعان ما أصبحت هذه النكهات ذائعة الصيت خصوصا بوظة بنكهة الفستق التي تعتبر رمز «حلويات شاتيلا».
شحن الحلويات بالبريد أصبح ايضا سمة اساسية لشركة «شاتيلا» لتعريف العالم على هذا النوع من الحلويات ففتح سوقا جديدة له لدى غير العرب واصبحت البقلاوة سلعة رائجة خصوصا خلال موسم الاعياد المجيدة وتطورت الشركة اليوم عالميا حيث انها تشحن بضاعتها الى الشرق الاوسط وأفريقيا.
ولكن برغم هذا النجاح الهائل بقى شاتيلا رجلاً عائلياً متواضعاً ينحو باتجاه توظيف أقاربه وأبناء الجالية في مؤسسته الآخذة بالنمو. صافي طه أحد هؤلاء الأقارب الذي عمل مديرا للمحل والشحن في شركة «شاتيلا» يتذكر الراحل بتواضعه وكرمه وهما صفتان أصبحتا سمتي كل طاقمه الوظيفي.
وأشار طه الى انه عند قدومه الى الولايات المتحدة كان شاتيلا أول من منحه وظيفة. ويقول طه «لقد كان متواضعا يرحب بالجميع. كان دائما محاطا بموظفيه يستمع اليهم. في النهاية كان رجلا كرس نفسه لعمله ولعائلته وكان يعمل بجد على تحقيق أهدافه وأنا أقول دائما إنه كان رجلا عصاميا».
ولكن بالرغم من نجاحه العملي الباهر بتحقيق رؤياه الا ان شاتيلا كان يخوض لسوء الحظ معركة شخصية بعد أن اصيب بمرض بسرطان الحنجرة مما أخضعه للجراحة لاستئصال الاوتار الصوتية.
في الختام تحول الرجل الساكن الى ان اصبح اكثر سكونا، وقال طه: «لقد حارب المرض لاكثر من 10 سنوات لكنه كان مقاتلا شرسا وكان يتحدى المرض باستمرار لأنه لم يكن يريد أن يكون ضعيفاً، لقد كان يعلم بكل ما يجري حوله وكان صانعاً صامتاً وقد حقق الكثير من الانجازات من خلال صمته المدوي».
وبالرغم من معاناة المرض، اعطى شاتيلا الكثير الى الجالية بطرق شتّى. لقد كان يرسل تبرعات اسبوعية الى المساجد والكنائس والمستشفيات وجمعيات السرطان الا ان المرض الخبيث الذي تراجع لعدة سنوات عاد مجددا في العام الماضي وحمله على ان يقضي آخر سنة من عمره في تدريب عائلته على تسلم مقدرات الشركة.
وفي هذا الصدد قالت ابنته ندى: «من دون أدنى شك فاننا سوف نستمر بأفضل من السابق، لقد كانت هذه أمنية والدي منذ أن كنا أطفالا، لقد وثق بي وأرادني ان اكون قوية وأرادنا ان نبقي على شركة شاتيلا قبل اي شيء آخر، انها ذكرى له ولتراثه».
وقبل ان يوارى الثرى في المقبرة الاسلامية في مدينة وستلاند، اقيم حفل عزاء له في «المركز الإسلامي في اميركا» يوم السبت 7 أيلول (سبتمبر) حضره حشد كبير من أبناء الجالية.
ناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني، القى كلمة تأبينية بالمناسبة قال فيها إن «رياض شاتيلا أثر بطريقة أو بأخرى في نفوس العديد من الناس من الساحل الى الساحل. لقد كان من صنف الرجال الذين جعلونا نحس بالفخر والاحترام. عندما يذكر اسم ديربورن في اي مكان في الولايات المتحدة، دائما ينسبونها الى شاتيلا، لقد كان محاربا صامتا وترك انطباعا مهما في مدينتنا وثقافتنا، رياض شاتيلا اختط نهجا جديدا في الامتياز».
Leave a Reply