واشنطن – اكتسب الاقتراح الذي قدمته روسيا الاثنين الماضي بوضع الأسلحة الكيمياوية السورية تحت الرقابة الدولية تمهيدا لتدميرها فيما بعد لتجنب أي هجوم تهدد الولايات المتحدة بشنه على سوريا، زخما يعبر عنه حجم التأييد الذي يلقاه من داخل الولايات المتحدة وخارجها، فيما اعتبر الرئيس الاميركي باراك اوباما انه قد يشكل «اختراقا كبيرا».
وفي خطاب «العودة الى الدبلوماسية» الذي ألقاه أوباما، الثلاثاء الماضي، أشار الرئيس الأميركي أن الوقت ما زال مبكرا لمعرفة ما إذا كانت الخطة الروسية لضمان امن الأسلحة الكيميائية السورية يمكن أن تجنب هذا البلد ضربة عسكرية أميركية، لكنه تعهد بإعطاء الديبلوماسية فرصة مع إبقاء «الضغط» العسكري.
وقد حذر أوباما في ثلاث مقابلات مع شبكات التلفزة الأميركية أجراها يوم الاثنين من أنه لم يصرف النظر بعد عن الحل العسكري. لكن مراقبين يعتقدون انه بموافقته على درس المبادرة الروسية ارجأ التحرك المحتمل. وقال أوباما في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركية «أن بي سي» اعتقد ان ما نراه هو ان تهديدا ذا مصداقية من الولايات المتحدة بشن ضربة عسكرية، بدعم محتمل من عدد من دول العالم الاخرى، جعلهم يتوقفون قليلا للتفكير ويدرسون ما اذا كان يتحتم عليهم الاقدام على هذه الخطوة». واضاف «اذا ما فعلوا ذلك، فقد يشكل الامر اختراقاً هاماً. لكن علينا التشكيك لان هذا ليس الاسلوب الذي رأيناهم يتصرفون بموجبه خلال السنتين الماضيتين». وقال «إننا سنعمل على التأكد حول مدى جدية هذه الاقتراحات».
وفي الوقت الذي كان أوباما يعتزم فيه تخصيص مقابلاته التلفزيونية الثلاث مع «سي أن أن» و«أن بي سي» و«<ـي بي أس»، وخطاب الثلاثاء لعرض خطته لشن عدوان عسكري «محدود» على سوريا لا يجد قبولا من الرأي العام الأميركي وممثليه في الكونغرس، وجد نفسه مضطرا لأن يتحدث عن الاقتراح الروسي الذي يقول مراقبون ومحللون أنه بمثابة مخرج مناسب من الأزمة التي تسبب في صنعها تصريحاته السابقة عن «الخط الأحمر» والذي دفعه إلى التهديد بشن عدوان على سوريا بزعم استخدام أسلحة كيماوية.
غير أن مسؤولين في البيت الأبيض قالوا إن أوباما لا يزال يأمل أن يمنحه الكونغرس والرأي العام الأميركي فرصة ثانية لشرح ضرورة تفويضه بالحرب على سوريا، حيث اجتمع خلال الأسبوع الماضي مجددا مع أعضاء الكونغرس لتسويق اقتراحه.
![]() |
أوباما يمسح عرقه خلال إلقاء كلمة بذكرى «11 أيلول» أمام مبنى «البنتاغون»، الأربعاء الماضي. (رويترز) |
العودة الى الدبلوماسية
ولكن في خطاب الثلاثاء، تعهد الرئيس الأميركي بدراسة المبادرة الروسية لتحييد الاسلحة الكيماوية لدى سوريا لكنه عبر عن تشككه في فرص نجاحها وحث الأميركيين القلقين من الحرب على دعم تهديده باستخدام القوة العسكرية.
وقال اوباما ان اقتراحا روسيا لحمل الرئيس السوري بشار الاسد على وضع اسلحته الكيماوية تحت رقابة دولية فتح الباب امام احتمال وقف الضربة العسكرية المحدودة التي يفكر في توجيهها لسوريا.
ومتحدثا من القاعة الشرقية بالبيت الابيض قال أوباما في خطاب الى الشعب الأميركي انه سيناقش الخيار الدبلوماسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولم يحدد اوباما أي مواعيد لانتهاء المسعى الدبلوماسي لكنه قال إن إي اتفاق مع الاسد سيستلزم التحقق من وفاء الرئيس السوري بتعهد٠اته.
وقال اوباما في خطابه «من المبكر جدا القول بما إذا كان هذا العرض سينجح.. وأي اتفاق يجب ان يضمن التحقق من إيفاء نظام الأسد بالتزاماته. لكن هذه المبادرة من الممكن ان تزيل خطر الاسلحة الكيماوية بدون استخدام القوة خصوصا وأن روسيا هي أحد أقوى حلفاء الاسد».
وقال أوباما إنه توجد الكثير من الأدلة التي تُظهر أن الحكومة السورية كانت وراء الهجوم الكيماوي، وجادل بأنه يجب على سوريا ان تواجه عواقب استخدام مثل هذه الاسلحة لان معظم العالم تبنى حظرا للاسلحة الكيماوية. وجادل ايضا بانه إذا لم يفعل العالم المتقدم شيئا للرد على الهجوم السوري فان ذلك سيشجع خصوم الولايات المتحدة على استخدام الاسلحة الكيماوية وسيزيد احتمالات ان تواجه القوات الأميركية يوماً ما هذه الاسلحة في ساحة القتال.
وقال أوباما «إذا فشلنا في اتخاذ اجراء فإن نظام الاسد لن يرى سببا للتوقف عن استخدام الاسلحة الكيماوية… ومع تآكل الحظر على هذه الاسلحة فإن طغاة اخرين لن يكون لديهم اي سبب للتفكير مرتين قبل حيازة غازات سامة واستخدامها».
وخصص أوباما، الذي ألغى نشاطات الأسبوع الماضي للتفرغ للملف السوري، جانبا كبيرا من خطابه لتوضيح الاسباب التي تجعله يشعر بأن الولايات المتحدة عليها التزام عالمي بأن ترد على الهجوم الكيمياوي المزعوم.
وقال إن اي عمل عسكري أميركي سيكون محدودا ولن يكون مثل حربي العراق وافغانستان اللتين قضى معظم فترة رئاسته الأولى في انهائهما. وأضاف أوباما أنه لن تكون هناك أية قوات أميركية على الأرض في سوريا في حالة القيام بعمل عسكري. ومضى قائلا «هذه ستكون ضربة موجهة بدقة لتحقيق هدف واضح هو ردع استخدام الاسلحة الكيماوية وتقويض قدرات الاسد». لكنه أكد أن أية ضربة سيكون لها تأثيرها وانه حتى في حالة توجيه ضربة محدودة فانها سترسل رسالة الى الأسد لا يمكن لأي دولة أخرى أن ترسلها.
طلب تأجيل التصويت فـي الكونغرس
وقبل ساعات من خطابه، طلب أوباما من مجلس الشيوخ الاميركي تأجيل إقتراع على طلب تفويضه باستخدام القوة العسكرية بما يسمح باستمرار المسعى الدبلوماسي. ومن غير المؤكد الى حد بعيد أن يفوز اوباما باقتراع في الكونغرس المتحفظ بشان المسألة السورية خاصة مع فشل الإدارة الأميركية في توفير أدلة تؤكد تورط النظام السوري بالهجوم الكيمياوي الذي استهدف مدنيين بالغوطة الشرقية في ٢١ آب (أغسطس) الماضي. ومن شأن نتيجة سلبية في الكونغرس ان تسبب حرجا ضخما للرئيس الاميركي مع تصدع حزبه المنقسم حيال الضربة.
وقال أعضاء بمجلس الشيوخ الاميركي أن الرئيس أوباما طلب الثلاثاء الماضي من الكونغرس تأخير التصويت على التصريح بضربات عسكرية ضد سوريا لمنح فرصة للمبادرة الروسية.
وقال السناتور الديمقراطي عن ميشيغن، كارل ليفين، الذي يشغل منصب رئيس لجنة القوات المسلحة، للصحفيين «ما يريده (أوباما) هو التأكد من جدية السوريين ومن الرغبة الروسية في التخلص من تلك الاسلحة الكيماوية في سوريا. انه يريد وقتا للتأكد من ذلك». وأدلى ليفين بتصريحاته بعد اجتماع على الغداء في مبنى الكونغرس بحضور أوباما.
تراجع التأييد
وكان لافتاً من خلال الإستطلاعات التي أجريت مطلع الأسبوع الماضي أن جهود البيت الابيض لاقناع الكونغرس بتأييد الضربة لم تفشل فحسب بل زادت المعارضة صلابة وسط انطلاق مظاهرات في العديد من المدن الأميركية الكبرى بينها العاصمة واشنطن تندد بالحرب المحتملة. ومعظم الذين يعارضون الضربة العسكرية لا يشككون فقط في رأي الادارة ان الحكومة السورية استخدمت الغاز السام ضد شعبها بل يتركز قلقهم أيضاً حول فاعلية الضربة والتداعيات المحتملة غير المقصودة لرد الفعل ازاء عمل عسكري أميركي.
واصبح زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أول الزعماء الحزبيين الأربعة الكبار في مجلسي الكونغرس الذي يقول انه لن يدعم قرارا بشأن القوة العسكرية لأنه «لا يوجد خطر جسيم ماثل يهدد الأمن القومي (الأميركي)» فيما يتعلق بسوريا.
وبدوره قال رئيس مجلس النواب الأميركي جون باينر يوم الثلاثاء إن الشعب الأميركي لا يؤيد موقف الرئيس أوباما من سوريا وإنه يتعين عليه أن يقدم المزيد من المبررات. وقال بينر في مؤتمر صحفي «الشعب الأميركي لم يكن مؤيدا. لم يبيعوا الفكرة للشعب. لذلك أعتقد أن الليلة مهمة للغاية».
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأحد الماضي، أنه بعد أسبوع من التقارير الاستخبارية يبدو أن المزيد من الجمهوريين والديموقراطيين بدأوا يميلون للتصويت ضد التدخل العسكري. وبالرغم من أن المسؤولين كانوا متفائلين بشأن التصويت في مجلس الشيوخ على الأقل، إلا أن الضربات لا تتوقف، فعلى سبيل المثال، أعلن السيناتور الديموقراطي من أركنساس مارك برايور أنه يعارض الحرب. أما في مجلس النواب، بحسب الصحيفة، فإن عدد الأعضاء الذين أعلنوا معارضتهم للخطوة العسكرية ومن لم يتخذوا قرارهم حتى الآن بدأ يقترب من 218، وبالتالي فإن مهمة صعبة تقع على عاتق البيت الأبيض لإقناعهم.
لقاء بوتين.. وقمة العشرين
وقبل تراجعه، كان الرئيس الأميركي، قد جدد خلال مؤتمر صحفي على هامش قمة مجموعة الـ20، التي اختتمت أعمالها الجمعة الماضي، في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، اتهامه لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، بالمسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية.
وعن لقائه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي تعارض بلاده أي تدخل عسكري في سوريا، قال أوباما إنه «يتعين على روسيا، وكل الدول، نبذ الخلافات والسعي جدياً لحل سياسي دائم في سوريا»، مشيراً إلى أن لقاءه مع الرئيس الروسي لم يسفر عن جديد بشأن سوريا وهو ما تبين عدم دقته بعد بروز «المبادرة الروسية» وحديث بوتين عن تنسيق مع أوباما في هذا الخصوص.
وتابع الرئيس الأميركي بقوله خلال مؤتمره الصحفي المطول: «نظراً لأن مجلس الأمن الدولي يقف عاجزاً عن إصدار قرار يجيز التدخل العسكري في سوريا، بعد التأكد من استخدام الأسلحة الكيميائية، يتعين على الدول أن تبحث عن طريقة للتحرك دون تفويض من المجلس».
وكان الرئيس الروسي قد أعلن أنه التقى نظيره الأميركي، في وقت سابق الجمعة الماضي، ووصف الاجتماع، الذي استمر نحو 20 دقيقة، بأنه «بناء»، مشيراً إلى أنهما تباحثا في الخلاف القائم بينهما بشأن سوريا، وقال: «إنه لا يتفق معي، وأنا لم أتفق معه، ولكننا استمعنا إلى بعضنا البعض».
وجدد بوتين تأكيده على أن القيام بأي عمل عسكري ضد سوريا، بدون قرار من مجلس الأمن، «غير مقبول»، وقال إن قادة دول مجموعة العشرين منقسمون بنسبة تقترب إلى 50 بالمئة، حول ما إذا كانت هناك ضرورة للتدخل العسكري في سوريا.
ولكن أوباما عبر عن اعتقاده بأن معظم قادة دول المجموعة يتفقون معه على أن نظام الأسد هو من استخدم الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري، وهو ما اعتبر أنه «يشكل تهديداً للأمن العالمي»، وقال إن «الفشل في التعامل مع النظام السوري، يشجع الدول المارقة على استخدام الأسلحة الكيميائية».
Leave a Reply