في شهر أيار (مايو) الماضي، طغت مزاعم بالتحرش الجنسي سيقت ضد عماد حمد، المدير الإقليمي للجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز العنصري (أي دي سي) في ميشيغن، مما أدى وقتها إلى زعزعة أركان اللجنة وإثارة كثير من البلبلة في أوساط الجالية العربية. غير أن شهوراً أربعة مرت مرور الكرام ولا تزال الأمور على حالها، أما «أي دي سي-ميشيغن» التي عادةً ما تكون في مثل هذه الأيام من كل عام مشغولة في التحضيرات لإستضافة أهم وأكبر مناسبتين سنويتين لها في الولاية (ليلة القضاة وعشاؤها السنوي)، تجد نفسها اليوم أمام مصير مجهول.
القضية حركتها النائب في كونغرس ولاية ميشيغن العربية الأميركية، رشيدة طليب، التي بعثت برسالة مفتوحة إلى الرئيس الوطني لـ«أي دي سي»، وورن ديفيد، تتهم فيها حمد بالتحرش بها جنسياً في مناسبات عديدة خلال فترة عملها القصيرة في مكتب ميشيغن، قبل 15 عاماً مضت. وقد دفعت اتهامات طليب الى فتح تحقيق داخل اللجنة حيث قالت العضو المسلمة الوحيدة في كونغرس ميشيغن، في الرسالة إنها قامت بعدة محاولات سابقة لإبلاغ «أي دي سي» حول ضحايا أخريات تعرضن لنفس المعاملة خلال السنوات الماضية، إلا أن إدعاءاتها المتكررة في السابق لم يُنظر إليها على أنها جدية بشكل كاف لإعادة فتح تحقيق كان قد أجري في مزاعم مماثلة صدرت في العام 2007.
وبعد «ظهور» عدة نساء أخريات بنفس المزاعم حازت هذه الإتهامات الموجهة الى حمد على إنتباه الإعلام المحلي والوطني فقامت إدارة «أي دي سي» بإيقاف مدير فرعها الإقليمي مؤقتاً عن ممارسة وظيفته ومنحته إجازة مدفوعة ابتداءً من شهر حزيران (يونيو) الماضي وحتى صدور نتائج التحقيق. وخلال فترة فصل الصيف قام المكتب الوطني لـ«أي دي سي» بتوظيف محقق مستقل قام بمقابلة عدة نساء يتهمن حمد بالتحرش الجنسي بهن، كما ذكرت مصادر مطلعة أكدت لـ«صدى الوطن» أن حمد تعاون بشكل كامل مع التحقيق.
وفي شهر آب (أغسطس) الماضي قامت «صدى الوطن» بعدة محاولات للإتصال بالمقر الرئيسي «أي دي سي» في واشنطن العاصمة، طارحة أسئلة محددة تتعلق بمستقبل اللجنة ومكتبها في ميشيغن بالإضافة إلى آخر مستجدات التحقيق حول مزاعم التحرش الجنسي ومستقبل عماد حمد مع اللجنة. وفي كل مرة كانت «صدى الوطن» تسمع نفس الجواب بأن «أي دي سي» لن تعلق على أي موضوع يخص مستقبل فرعها في ميشيغن أو عماد حمد إلى أن ينتهي التحقيق في القضية.
وفي الأسبوع الماضي نشرت صحيفة «ديترويت فري برس» تقريراً يدعي أن التحقيق مازال جارياً، إلا أن مصادر مطلعة على مجرى التحقيق، قالت لـ«صدى الوطن» إن المحقق في القضية قد قدم تقريره وخلاصة إستنتاجاته إلى مجلس إدارة اللجنة في الشهر الماضي، لكن اللجنة بإنتظار إصدار قرار لم يصدر بعد إستناداً إلى خلاصة التحقيق. ومهما نجم عن التحقيقات فإن المكتب الرئيسي لـ«أي دي سي» لم يصدر بعد أي موقف علني ولم يناقش وضع خطة عمل مع الجالية حول مستقبل «أي دي سي-ميشيغن» من أجل أن يمضي إلى الأمام. وحسب تحقيق أجرته «صدى الوطن» يبدو انه حتى اعضاء مجلس إدارة اللجنة لا يعرفون شيئا عن القضية.
سهام عواضة-جعفر التي كانت وثيقة الصلة بمكتب ميشيغن كمستشارة في مجلس أمناء اللجنة لمدة 12 عاما، قدمت مؤخرا استقالتها من المنظمة الحقوقية وابلغت «صدى الوطن» ان عدم وجود شفافية في التعاطي مع الموضوع كان السبب الرئيسي خلف قرارها بالانسحاب. وأضافت: «لا أعتقد بوجود آلية لاتخاد قرارات حازمة لكي تربط المكتب الوطني بالمحلي وهناك نقص في الشفافية والمحاسبة داخل مؤسسة يفترض ان تخدم الجالية» وأردفت: «عندما لا يكون هناك اهتمام للابقاء على سمعة وسيرة اللجنة وعندما تحدث أزمة ما وتظهر تحت الضوء ثم يجري تعتيمها لا يصبح هناك أمل ولو بصيص من اجل التقدم».
ولم تكن جعفر أول عضر في مجلس الادارة تقدم استقالتها بسبب هذه القضية. فقد سبقها مايكل بشارة في حزيران الماضي والذي صرّح لـ«صدى الوطن» أنه مغتاظ جدا من رد فعل مكتب واشنطن عند صدور ادعاءات التحرش الجنسي، وقال: «ان الوضع برمته ليس جيدا وانه محزن بالنسبة لي، لأن المؤسسة قد أضرت بنفسها على المستويين الوطني والمحلي، رغم دورها المهم جداً في مكافحة التمييز».
والجدير بالذكر بأن المحامي علي حمود، نائب رئيس مجلس المستشارين لـ«أي دي سي-ميشيغن»، قد قدم استقالته في الايام القليلة الماضية.
وهذا الأسبوع عاودت «صدى الوطن» الاتصال بمكتب اللجنة الرئيسي وتركت رسالتين صوتيتين على هاتف نائب الرئيس فيها نبيل محمد لكن لم تتلق اي جواب.
المشايخ يسعون للمصالحة
في هذه الاثناء يبدو ان بعض القيادات الدينية أخذوا الأمور على عاتقهم، ففي أوائل هذا الشهر قام أربعة رجال دين بتحرير رسالة موجهة إلى المجلس التنفيذي للجنة الوطنية تتضمن مبادرة مصالحة وتسوية تعيد حمد الى منصبه شرط أن يقوم بإصدار «بيان يعتذر فيه علناً من كل الأفراد المعنيين الذين قد يكون أساء إليهم».
وتصر الرسالة أيضاً على أن تقوم «أي دي سي» بتشكيل لجنة قيادية ولجنة أخلاقية متضمنة قادة روحيين ونشطاء في الجالية يراقبون سلوك حمد. وتخلص الرسالة إلى الطلب من اللجنة بمراقبة حمد خلال فترة عمله عبر كاميرات مراقبة في مكتبه من أجل التأكد من التزامه بما يتفق عليه.
وتختم الرسالة بالقول «انطلاقا من الايمان الحقيقي والارادة الطيبة نتمنى ان تحصل المصالحة بين كل الاطراف المعنية والأفراد وان توضع هذه الفترة الاليمة لكل الاطراف في الجالية وراءنا. اننا بحاجة الى الخروج من هذه المحنة وان نتقدم الى الامام ودعونا نجابه معا ونركز على التحديات الجديدة ونستغل الفرص التي تساعدنا على العودة أقوى وأكثر فاعلية من ذي قبل».
وقد وقّع على الرسالة المشايخ: محمد مارديني، محمد علي إلهي، مصطفى الترك ومحمد موسى، وسردت الرسالة اسم 24 ناشطاً في الجالية على اساس انهم يدعمون ما ورد فيها. الا ان بعض الذين وردت اسماؤهم نفوا أن يكونوا قد اطلعوا على الرسالة أصلاً، ومن هؤلاء الاب راني عبد المسيح والأب جورج شلهوب اللذان أبلغا «صدى الوطن» أن كنيستيهما ليستا في موقع التدخل في هكذا مسائل. وأشار الأب شلهوب «لقد أوضحت موقفنا وهو ان الكنيسة لن تدعم اي شخص متهم بالتحرش الجنسي. لقد طلبنا إزالة إسمنا وكان الطلب خطيا وليس لدينا اي شيء ضد عماد حمد أو «أي دي سي» لكن هناك متهم بجريمة ونحن نرفض دعم أحد حتى تتحقق العدالة، وكنيستنا لا تسمح بذلك بسبب الضرر المحتمل علينا، لذا تمنّعنا عن دعم «الرسالة» ونتمنى لهم حظا سعيدا».
أما الأب عبد المسيح فأعرب عن نفس مشاعر الأب شلهوب مؤكداً أن اسمه كان يجب ألا يوضع منذ البداية على الرسالة لكنه يحترم محاولة المشايخ.
أما الشيخ الترك فقال لـ«صدى الوطن» ان تضمين اسمي شلهوب وعبد المسيح كداعمين حصل بسبب خطأ في التواصل من قبله وأكد أنه أزال اسميهما من لائحة الداعمين وتم تصحيح الرسالة وقال «انها محاولة من قبل قادة الجالية الروحيين والزمنيين من أجل اقفال هذه القضية والاستمرار في العمل معا بتأثير أكبر. لا نريد من القضية أن يتناولها الاعلام والرأي العام أكثر لأنها سوف تسيء الى صورة الجالية». وأضاف الشيخ الترك أنه تحدث باختصار مع طليب حول المصالحة مع حمد لكنها لم تكن متجاوبة مع الطروحات المقدمة وإنه يتفهم اسبابها كما ان على الجالية ان تحمل مزاعم التحرش الجنسي دائما على محمل الجد. وأردف: «ولكن كقانون اسلامي او عالمي فان المتهم بريء حتى تثبت إدانته لذا علينا انتظار التحقيق لنبني على الشيء مقتضاه».
بعض نشطاء الجالية الذين قرأوا الرسالة انتقدوا محتواها ونياتها مدعين انها مسيئة للنساء اللواتي تقدمن بالمزاعم إضافة إلى أن وضع كاميرات مراقبة في المكتب هو تعد على خصوصية الشخص أيا كان هذا الشخص الذي سيعمل داخل المكتب وإهانة سافرة لموقع ومهمة الـ«أي دي سي». إلا أن الترك أشار الى ان «نيتنا هي مصلحة الجميع والتساهل معا لأجل إسعاد الجميع»، وأردف: «لقد اتصل به مكتب «أي دي سي» الرئيسي وشكر المشايخ على مساعيهم لكنه أكد أنه لم يتخذ أي قرار بالمسألة بانتظار انتهاء التحقيق».
نشاطات «أي دي سي-ميشيغن»
الكلام قليل حول مستقبل اللجنة في ميشيغن. فحسب موقعها الإلكتروني فإن «ليلة القضاة» التي من المفترض أن تُقام يوم الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) قد تأجلت. وفي آب (أغسطس) الماضي كان مكتب «أي دي سي ميشيغن» قد أرسل نشرة يذكّر فيها أن مجلس الإدارة يستقبل أسماء المرشحين للتكريم في «ليلة القضاة». إلا أن القاضي دايفيد ألن، رئيس المجلس الإستشاري للجنة في ميشيغن، والمعني بتنظيم الإحتفال، أبلغ «صدى الوطن» أن موعد 10 تشرين الأول (أكتوبر) قد أُلغي ولم يتم تحديد موعد آخر الى الآن.
وفي 19 أيلول (سبتمبر) الماضي أرسلت اللجنة في ميشيغن نشرة أخرى أعلنت فيها أن مكتبها في ديربورن الواقع على 13530 ميشيغن أفنيو سوف يبدأ ورشة إصلاحات مما قد يؤثر على ساعات الدوام. ويدير المكتب حالياً المحامي عبد أيوب الذي حل مكان حمد بالوكالة، ويساعده بعض المتطوعين كما أشارت المصادر المتطلعة.
Leave a Reply