لم تتأخر ثمار الإنفتاح بين موسكو وواشنطن طويلاً، فللمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة يتجه مجلس الأمن (مع صدور هذا العدد) إلى التصويت على مشروع قرار يضع إطارا لتدمير الترسانة الكيميائية السورية، لكن في المقابل تتجه موسكو إلى استصدار إعلان دولي بعقد مؤتمر «جنيف ٢» قبل نهاية تشرين الأول (أكتوبر)، بمباركة وزراء خارجية الخمس الكبار في مجلس الأمن، ما يعني أن الأزمة السورية ستسير في طريق الحل السلمي، وهذا ما أكده وزير خارجية أميركا جون كيري أمام مؤتمر «أصدقاء سوريا» في نيويورك، الخميس الماضي، حيث قال إن سوريا «ستنهار قبل ان يمكن لأي طرف ان يزعم تحقيق نصر عسكري»، وأن هناك حاجة الى أن تتحرك جميع الاطراف بسرعة للتوصل لحل سياسي لانهاء الصراع.
الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال حضوره ندوة حول العلاقات الدولية على هامش انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. (رويترز) |
وقد أعلنت مجموعة أصدقاء سوريا في اجتماعها بنيويورك أنها مصممة على زيادة المساعدة لكل مكونات الائتلاف الوطني السوري المعارض الذي يواجه صعوبات مع تزايد الاقتتال بين المسلحين في مناطق سيطرتهم، لاسيما في شمالي البلاد.
ورغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أبقى على التهديدات الأميركية بضرب سوريا مؤكدا أنه جاهز في أي وقت «لتأديب» النظام السوري بضربة عسكرية ومتمسكاً بمطلب تنحي الرئيس بشار الأسد، إلا أن التقارب المستجد مع إيران بشأن الملف النووي يشير الى أن واشنطن منفتحة أكثر على الحل الدبلوماسي للأزمة السورية والسير بمؤتمر «جنيف ٢».
أما روسيا فقد خاضت سجالا متواصلاً مع الغرب قبل إعلان الاتفاق على مشروع قرار أممي، حيث أعربت عن خشيتها من محاولات استخدام الملف الكيميائي من اجل استدراج تدخل عسكري ضد دمشق من خلال «الفصل السابع»، مشيرة الى انها استوعبت «الدرس الليبي» تماما ولن تسمح بتكراره، مشددة على ان نظام الرئيس بشار الاسد «هو واقع» يجب التعامل معه في اطار تطبيق التفاهمات حول نزع السلاح الكيميائي.
واستبق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحد، بشن هجوم حاد على الدول الغربية التي تطالب بإصدار قرار تحت «الفصل السابع» لضمان تطبيق دمشق التزامها بإزالة ترسانتها الكيميائية.
ولكن بعد يومين كشف لافروف، عقب لقائه لمرتين نظيره الأميركي جون كيري، الخميس الماضي، أنهما اتفقا على نص مشروع قرار لمنظمة حظر السلاح الكيميائي حول سوريا، وعلى نص مشروع قرار لمجلس الأمن يدعم القرار الأول. وأشار إلى أن الوثيقة الأخيرة ستعرض على أعضاء مجلس الأمن الدولي خلال ساعات، وأنها لا تتضمن الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ويلحظ مشروع القرار إمكان أن يفرض مجلس الأمن في اجتماع لاحق عقوبات بحق دمشق إذا لم يتم احترام خطة نزع السلاح الكيميائي، وفقاً لمصادر ديبلوماسية.
كما أعلن لافروف في وقت سابق، أنه سلم كيري معلومات تؤكد تورط المعارضة السورية في الهجوم الكيميائي قرب دمشق. وقال لافروف في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية «نعتقد أن هناك أدلة مقنعة جدا» بعد أن قدم مجموعة من هذه الأدلة لكيري مشيراً الى أن هذه المعلومات «ليست شيئا ثوريا، بل يمكن الإطلاع عليها في شبكة الانترنت». وأوضح لافروف أن هذه الأدلة تتضمن شهادات صحفيين زاروا مكان الحادث وتحدثوا إلى مقاتلين أكدوا لهم أنهم تلقوا صواريخ وذخائر غير عادية من دولة أجنبية ولا يعرفون طريقة استعمالها، وأن هناك أيضا شهادات لراهبات من أحد الأديرة القريبة كن قد زرن الموقع قرب دمشق.
الأسد: خطاب أميركا مبني على الأكاذيب والتزوير
من جانبه، أكد الاسد أن الحديث عن اتخاذ قرار دولي تحت الفصل السابع لا يقلقه، مشدداً على أنه لا خيار لدى سوريا سوى أن تصمد، لأن مستقبل هذه المنطقة سياسياً يتعلق بما سيحصل فيها. وأوضح الاسد، في مقابلة مع القناة الفنزويلية «تيلي سور»، أن القرار تحت الفصل السابع «لا يقلقنا في سوريا، لأن سوريا ملتزمة بكل الاتفاقيات التي توقعها، ولأن هناك توازنا في مجلس الأمن لم يعد يسمح للولايات المتحدة كما كان الوضع سابقاً باستخدام مجلس الأمن كمطية أو كأداة من أجل تحقيق أجندتها الخاصة». واعتبر الأسد أن معظم تصريحات المسؤولين الأميركيين في معظم الإدارات لا تحمل الحد الأدنى من المصداقية، مشيراً إلى أن «سياسة واشنطن منذ بداية الأزمة بنيت على الأكاذيب وازدادت كثافة التزوير بعد طرح موضوع الكيميائي في سوريا ولم تقدم هذه الإدارة أي أدلة على ادعاءاتها»، ولافتاً إلى أن خطاب أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة مشابه لكل خطاباته السابقة «ملأى بالادعاءات ومبنية على التزوير وتحمل الكثير من الأكاذيب».
ورأى الأسد أن السياسة الأميركية «تنتقل من عدوان إلى آخر، السياسة الأميركية التي نراها حالياً لم تتغير. هذا يعني أن احتمالات العدوان دائما قائمة. مرة تكون الحجة الكيميائي، وفي المرة الأخرى تكون هناك حجج مختلفة. فربما علينا دائماً أن نضع هذا الاحتمال نصب أعيننا».
ورأى الرئيس السوري أن «ما قامت به الولايات المتحدة عبر هذه العقود يناقض مصلحتها قطعاً، فهي دولة عظمى تستطيع أن تحقق هذه المصالح بالاحترام المتبادل وبالعلاقة الجيدة، بدلاً من نشر الإرهاب والدمار والخوف»، مشدداً على أن «سوريا مستقلة ولا يمكن للولايات المتحدة أن تفترض أنها قادرة على أن تحدد للشعب السوري من يأتي ومن يطرد من الحكم. هذا الموضوع خاضع لرغبات الشعب السوري، حتى الدول الصديقة ليس لها دور في هذا الموضوع». وأضاف الأسد «أنا أقول إن الأفضل ألا تقوم الولايات المتحدة بحلّ مشاكل العالم، في كل مكان أرادت أن تقوم بعمل تحوّل من خلاله الوضع في تلك المنطقة من سيئ إلى أسوأ. ما نريده من الولايات المتحدة هو ألا تتدخل في شؤون دول العالم وعندها سيكون العالم بكل تأكيد أفضل».
وعن دور السعودية وقطر في إيصال الأسلحة الكيميائية إلى المجموعات المسلحة، أوضح الأسد «لا يوجد لدينا دليل بأنهم نقلوا سلاحاً كيميائياً إلى هذه المجموعات، ولكن من المعروف أن هذه الدول هي من قامت بدعم الإرهابيين منذ بداية الأزمة في سورية، نقلت إليهم كل أنواع الأسلحة المتطورة دون استثناء، وهذا الشيء مؤكد وموثق». كما أشار إلى أن إسرائيل تقوم هي الأخرى بدعم «الإرهابيين بشكل مباشر في المناطق المحاذية للجبهة السورية حيث تقدم الدعم اللوجستي والطبي والمعلومات وأيضاً السلاح والذخيرة للإرهابيين».
وشدد الأسد في مقابلة أخرى مع التلفزيون الصيني على أن العمل السياسي يتطلب إيقاف الإرهاب وتسلل المسلحين من دول الجوار «بنفس الوقت لا بد من حوار بين السوريين حول النظام السياسي في البلد لعرضها على الشعب السوري للموافقة عليها من خلال استفتاء شعبي»، مؤكداً أن «مؤتمر «جنيف 2» هو واحد من المحاور السياسية المهمة ويحقق فرصة للحوار بين مختلف المكونات السورية.. ولكن مؤتمر جنيف لا يحل محل الحوار الداخلي في سوريا».
«داعش» و«الحر»
وفي الوقت الذي تسير فيه الأمور بسلاسة على المستوى الخارجي لم يكن المشهد السوري الداخلي الاسبوع الماضي أقل سخونة من الأسابيع التي سبقته، لكنه شهد اتساع رقعة الأماكن الساخنة في مختلف أنحاء البلاد والتي طغت عليها صراعات «داعش» مع «الجيش الحر» في شمالي البلاد والتي تظهر تقدماً للقوى المتطرفة في المعارضة المسلحة، خاصة بعد اعلان انضمام ثلاث عشرة مجموعة من كتائب «الحر» الى «داعش»، الامر الذي اطلق رصاصة الرحمة على ما يسمى بالائتلاف السوري المعارض. أما الجيش النظامي فيواصل عمليات التطهير بمحيط دمشق معيدا السيطرة على جسر زملكا الذي يؤمن فصل جوبر عن الغوطة الشرقية ويفجر الانفاق بمن فيها في برزة والقابون.
وقد طرح القرار المفاجئ لعدد من المجموعات البارزة المقاتلة ضد نظام الاسد، برفض الاعتراف بالائتلاف الوطني المعارض وتشكيل إطار جديد يضم جبهة النصرة «داعش» المرتبطة «بالقاعدة»، كما طرح شكوكا حول القدرة التمثيلية للإئتلاف المعارض.
ويضم التشكيل الجديد كتائب كانت منضوية تحت لواء هيئة الاركان العامة (للجيش السوري الحر) برئاسة اللواء سليم ادريس الذي تعده الدول الغربية صلة وصل مباشرة لها مع فصائل المعارضة السورية المسلحة، علما ان هيئة الأركان ترتبط مباشرة بالائتلاف المعارض.
وأعلنت 13 مجموعة ليل الثلاثاء الماضي، بينها «جبهة النصرة» وحركة «أحرار الشام» الاسلامية و«لواء التوحيد» القريب من الاخوان المسلمين و«لواء الإسلام» المقرب من السعودية، عدم اعترافها بالائتلاف وحكومته المؤقتة، داعية الى التوحد ضمن إطار اسلامي يحتكم للشريعة.
وقالت هذه المجموعات في بيان «كل ما يتم من التشكيلات في الخارج دون الرجوع الى الداخل، لا يمثلها ولا تعترف به، وبالتالي فإن الائتلاف والحكومة المفترضة برئاسة أحمد طعمة لا تمثلها ولا تعترف بها».
إعلان هذه الفصائل المسلحة جاء في وقت كان خلاله وفد من الإئتلاف الوطني المعارض يزور نيويورك لعقد سلسلة لقاءات سياسية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهو ما شكل ضربة لحراكه السياسي حيث بدا الائتلاف ومن خلفه الجيش الحر وقد انتزعت منه سلطة القرار الميدانية مما جعل ادعاءه بتمثيل أطياف المعارضة السورية غير واقعي.
الجربا وجد أمامه العديد من الأسئلة في نيويورك لم تكن لديه الإجابة عنها لا سيما عن موقف الائتلاف من الجماعات الإسلامية المسلحة.. ما علاقتها بالجيش الحر؟ ولماذا اندلعت فجأة المعارك بين الطرفين ومن هي مرجعيتها؟ كما أن الجربا والوفد المرافق له وجد مقابل المطالب التي حملوها إلى الجانب الأميركي والمتعلقة بتسليح «الجيش الحر» أسئلة عن قلقه من أن المجموعات المسلحة هي التي تسيطر عملياً على الأرض وأن موقف المجموعات المسلحة الـ13 التي انشقت عن «الجيش الحر» تعتبر مؤشراً جديداً على أن الأسلحة قد لا تستطيع هيئة رئاسة الأركان في «الحر» ضبطها وبالتالي قد تصل بسهولة إلى الجماعات المتشددة.
Leave a Reply