واشنطن – يواصل الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس الأميركي مباحثات شاقة أملا في الوصول إلى حل يؤمن تمرير الموازنة التكميلية للبلاد ويتفادى الإقفال الجزئي لمؤسسات الدولة الفدرالية في غضون مطلع الشهر المقبل. فمع اقتراب موعد الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الذي تبلغ معه الحكومة الأميركية سقف الدين المسموح به عند ١٦,٧ تريليون دولار، رمى الجمهوريون الذين يسيطرون على مجلس النواب الأميركي الكرة في ملعب إدارة الرئيس باراك أوباما بعد أن وافق مجلس النواب في جلسة عقدت يوم الجمعة الماضي، على مشروع قانون لتمويل الحكومة الفدرالية من أول تشرين الأول ولغاية 15 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، مقابل موافقة مجلس الشيوخ حيث يحظى الديمقراطيون بأغلبية، على تضمين بند يعرقل برنامج أوباما لإصلاح نظام الرعاية الصحية، والذي يعرف باسم «أوباما كير» وقد تم تبنيه في العام 2010 بأصوات الديمقراطيين فقط.
ووافق 230 عضوا على التشريع، بينما عارضه 189 عضوا. وأحال المجلس مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ، حيث من المتوقع حذف البند الخاص بمشروع «أوباما كير» بعد انتقاد الرئيس الأميركي له (التفاصيل ص ١١)، وإعادة مشروع الإنفاق إلى مجلس النواب للموافقة عليه بحلول 30 أيلول (سبتمبر)، للحيلولة دون توقف عمل الحكومة في اليوم التالي، لتحميل الجمهوريين تبعات إفلاس الحكومة الفدرالية.
وبحسب الدستور الأميركي ينبغي إقرار الموازنة من جانب المجلسين معا وعادة ما يقر مجلس الشيوخ نسخته الخاصة به ويقوم مجلس النواب بإقرار نسخته أيضا، ثم يتفق قادة المجلسين على نسخة موحدة يتم إقرارها من المجلسين معا قبل إرسالها إلى الرئيس لاعتمادها، والذي يمتلك بدوره استخدام حق النقض لتعطيلها وإعادتها مرة أخرى إلى الكونغرس بمجلسيه لتعديلها والتصويت عليها مجددا.
وتعليقا على التصويت قال رئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينر إن الشعب الأميركي لا يريد توقف الحكومة عن العمل ولا يريد قانون أوباما للرعاية الصحية.
وإذا أخفق المجلسان في تسوية خلافاتهما بحلول موعد بداية السنة المالية الجديدة في أول تشرين الأول، فإن وكالات الحكومة الفدرالية ستضطر للإغلاق إلى أن يحل النزاع التشريعي، ما لم يتبنَّ الكونغرس موازنة تغطي على الأقل نفقات الأسابيع الأولى من العام المالي الجديد.
عرقلة «أوباما كير»
ويرى معارضو نظام «أوباما كير» الصحي أن الدولة الفدرالية يجب الا تجبر أي مواطن على الانخراط في تغطية صحية. ودخلت عدة اجراءات اشتمل عليها القانون حيز التنفيذ حيث ان شركات التامين لم يعد بامكانها رفض التغطية الصحية للاطفال بسبب سوابقهم الطبية. وأصبح بامكان الشبان أن يتمتعوا بتغطية صحية مع والديهم حتى سن 26 عاماً. كما أصبحت تكاليف عمليات العلاج الوقائي تغطى بالكامل. لكن المعارضة للنظام الجديد تتركز ضد إرغام كل مواطن قانونا بالانخراط في نظام تغطية صحية بداية من الاول من كانون الثاني (يناير) 2014 والا تعرض لعقوبة مالية (رمزية في البداية وتبلغ قيمتها 95 دولارا تضاف الى الضرائب)، هو الذي يثير أكبر قدر من الجدل. ويبدا الاختبار الجدي لـ«أوباما كير» في الأول من تشرين الاول حين تبدأ مواقع الانترنت في قبول انخراط ملايين الاميركيين غير المؤمنين بالنظام الجديد. وهو موعد يسعى الجمهوريون، من خلال مشروع مجلس النوب، لدفعه الى منتصف كانون الأول كمرحلة أولى.
وأظهرت أربعة استطلاعات نشرت في أيلول الجاري أن الرأي العام ينظر بسلبية لنظام «أوباما كير». وتقر أغلبية بالتوازي مع ذلك أنها لا تملك معلومات كافية حول نظام الاصلاح الصحي المعقد.
وفي معرض الحملات الدعائية، يظهر شريط فيديو تم تداوله بكثرة على الانترنت والتلفزيون «العم سام» بمظهر المحتال وهو يستعد لاجراء تحليل سنوي لمريض وفحص لإمراة شابة. ويخلص الفيديو الى القول «لا تسمحوا للدولة بان تقوم بدور الطبيب». ويقول المعارضون إن هذا القانون تم فرضه بالقوة على الاميركيين ويجب الغاؤه قبل ان يتسبب في اضرار لا يمكن إصلاحها في البلاد.
وقال أريك كانتور، رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، بعد إقرار مشروع القانون «إن المجلس يكافح نظام أوباما الصحي منذ 2009 وقلنا مراراً ان هذا القانون سيزيد التكاليف على أسر الطبقة المتوسطة». وبحسب هؤلاء فإن الديمقراطيين بزعامة اوباما مسؤولون عن تزايد غير مسبوق لدور الدولة في الاقتصاد، كما يتهمها آخرون بالتحول الى دولة اشتراكية. ويتهم المحافظون أوباما بأنه يسعى عمدا الى إعادة بناء أميركا على «الطريقة الماركسية» وأن الإدارة الراهنة تعمل بشكل بطيء -ولكن بثبات- على افراغ دستور الولايات المتحدة من مضمونه.
تسريح موظفين فدراليين
وهكذا، فإن الوكالات الفدرالية غير الأساسية (متاحف وحدائق وبعض الخدمات الإدارية ومراكز الأبحاث …) قد تقفل أبوابها جزئيا ما سيؤدي إلى فقدان 800 ألف موظف فدرالي لوظائفهم حتى حل الأزمة، كما حدث في نهاية عام 1995 إبان فترة رئاسة الرئيس الديموقراطي الأسبق بيل كلينتون. وتلقت الوكالات الفدرالية أمراً، خلال الاسبوع الماضي، بالاستعداد للأسوأ. وكتبت سيلفيا بورويل المسؤولة عن الموازنة الفدرالية إنه «لا يزال هناك ما يكفي من الوقت امام الكونغرس لاستدراك المأزق ومنع التخلف عن السداد».
وقام «البنتاغون»، الإثنين الماضي، بإبلاغ الموظفين المدنيين بأنه قد يتعين عليهم ترك العمل. أما بالنسبة الى الجنود والعسكريين «فسيقبضون رواتبهم وانما ليس في الوقت المحدد ربما». وتستثنى من إجراءات الصرف المؤسسات الأمنية كالجيش ومكتب التحقيقات الفدرالية (أف بي آي)، والجهاز القضائي وووكالات الامن القومي والمراقبة جوية، لكن البرامج التي تعتبر غير اساسية ستقفل.
وعلى مستوى ميشيغن، حذر مدير الميزانية في الولاية، جون نيكسون، من احتمالية تعليق عمل الحكومة الفدرالية وقال إنه سيكون لذلك تأثير هائل على الطبقات الاكثر فقرا في ميشيغن، منوهاً الى أن هناك عدداً من برامج المساعدات الاجتماعية في الولاية تتلقى التمويل شهرياً من واشنطن «ما يعني أن مئات الملايين من الدولارات التي تأتينا كل شهر من الحكومة الأميركية سوف تتوقف».
وأضاف نيكسون إن الهبات الفدرالية «المتدفقة» لميشيغن ستنخفض بشكل ملفت، مشيراً الى انه في حال انهيار الحكومة الفدرالية فإن الولاية ستكون في مأزق كبير لتمويل برامج المساعدات الغذائية والميديكيد وبرامج الإعانات الأخرى للفقراء. وقال «حينها ستجد الولاية نفسها مضطرة للتصرف على وجه السرعة لانقاذ الموقف.. عندئذ علينا أن نجلس ونفكر ملياً كيف لنا التصرف ونحن لا نملك المال اللازم لضخه في الموازنة بشكل فوري».
Leave a Reply