في الوقت الذي سلم فيه بعض العرب الأميركيين بأنهم مذنبون بنظر المجتمع الأميركي بسبب أحداث «١١ أيلول»، وبأن كل ما بُذل من جهود لنزع صفة الإرهاب عنهم قد باء بالفشل، يقدم إلينا المخرج العربي الأميركي سام قاضي فيلمه الجديد «المواطن» The Citizen ليشكل جبهةً فنية صامدة في وجه الظلم والتمييز الذي يتعرض له العديد من العرب الأميركيين ويعرض بموضوعية ما وراء جدار «الإرهاب العربي» من عادات وتقاليد وأخلاق دينية واجتماعية بناءة وهادفة.
تدور أحداث الفيلم حول «الحلم الأميركي» الذي يطمح اليه كل مهاجر إلى الولايات المتحدة، وليس فقط من هم من أصول عربية. حلم العيش الكريم والاستقرار وتكافؤ الفرص هو التحدي الذي حمله الشاب إبراهيم الجراح (خالد النبوي) الى الولايات المتحدة لتبدأ الصعوبات تواجهه منذ لحظة وصوله إلى نيويورك، قبل يوم واحد من اعتدءات «١١ أيلول»، حيث وجد نفسه وهو يواجه تهمة الإرهاب امام القضاء الأميركي.
هذه الدراما المؤثرة اقتُبست عن قصص حقيقية واجهها شباب عربي حالمٌ بأميركا. وتتسلسل أحداث الفيلم بشكل ممتع ومشوق تجعل من الصعب على المشاهد أن يغمض عينيه. الفيلم مليء بالإثارة والتشويق وترابط الأحداث بشكل متقن وغير مُتوقع. كما يقدم فيلم «المواطن» عينة عن حياة الشباب العربي في المجتمع الغربي وقدرتهم على التأقلم والانفتاح نحو الآخرين باختلاف حضارتهم ودينهم وانتماءاتهم ومراتبهم الاجتماعية بشكل حضاري ومنطقي، مع الحفاظ على عادات وتقاليد عربية أصيلة.
كل ذلك وأكثر جعل من فيلم «المواطن» محط أنظار العديد من المهتمين بالشأن السينمائي وعُرض الفيلم في مهرجانات عالمية كبيرة كمهرجان «بوسطن» و«شنغهاي» ومهرجان «أبو ظبي». ونال الفيلم جوائز عديدة كجائزة افضل عمل درامي وجائزة التأثير الشامل وأفضل ممثلة وأفضل طاقم وغيرهم.
هذا ويعتبر فيلم «المواطن» أول فيلم أميركي يطرح قضية شاب عربي ببطولة ممثل عربي ويتطرق إلى قضايا التعسف والاضطهاد، الذي تعرض له العرب الأميركيون. وبالرغم من أن بطل الفيلم مهاجر عربي، يقوم بدوره الممثل المصري المتميز خالد النبوي، إلا أن موضوع الفيلم وأهميته دفع بكبار الممثلين الأميركيين في هوليوود الى أخذ أدوار مساعدة كالممثلين كاري أليس وريزوان مانجي ووليم آثرتون وآغنس بروكنر.
هؤلاء آمنوا بأن موضوع الفيلم مهم للغاية ويجب أن يطرح أمام جميع الأميركيين والعالم رغم حساسية القصة، أميركياً وعالمياً، وما قد يواجهونه من ردات فعل إعلامية وإنتاجية مستقبلاً.
لكن ذلك لم يحل دون وجود معوقات وعراقيل اعترضت طريق الفيلم الى دور السينما. فبعد أن شق المخرج سامر قاضي الطريق إلى هوليوود محملاً بأعباء ما يقارب الخمس سنوات من عمل دؤوب على كتابة القصة والسيناريو والتعاقد مع منتجين محليين من رجال الأعمال العرب الأميركيين المؤمنين بأهمية القضية، لم يجد القاضي أبواب هوليوود مفتوحة على مصاريعها. وبكل حكمة ودقة وتأنٍ استطاع القاضي أن يشق الباب الفولاذي لهوليوود بعد أن تبنت شركة «مونوتراي» السينمائية الفيلم ووضعت فيلم «المواطن» في صالات العرض الأميركية حيث سيتم العرض الأول امام الجمهور في ٢٧ أيلول الجاري في صالات عرض في اميركا بينها ولاية ميشيغن حيث يعرض الفيلم في ابتداء ومن ٢٩ الجاري في صالات Imagine Theater في نوفاي وكانتون إضافة الى صالة برمنغهام Uptown 8.
لم يكن فيلم «المواطن» ليبصر النور لو لم يكن هناك رجال أعمال عرب أميركيين واثقين ومؤمنين بأهمية الفن في إيصال الأفكار، بل وأن الفن هو الوسيلة الأسرع والأكثر تأثيرا من دفاعات السياسيين العقيمة. فوضع هؤلاء شقاء سنين من أموالهم غير آبهين للعواقب أو النتائج بل مثابرين على حمل قضيتهم بشتى الوسائل والسبل إلى منبر الحرية.
وهنا لا بد أن نشد على أيدي كل المبدعين والمفكرين العرب الأميركيين وندعوهم الى التكاتف والمثابرة على إنتاج أعمال سينمائية أو تلفزيونية هادفة..
ويبقى أن نشير الى أن فيلم «المواطن» لم يحقق الحلم الأميركي فقط، بل وحقق حلم الجالية العربية، فهو أول فيلم أميركي يعرض في صالات السينما يروي قضية شاب عربي في الولايات المتحدة.
Leave a Reply