لم تشفع عودة ميشال سليمان «المظفَّرة» من نيويورك بعد حضورالدورة العادية للأمم المتحدة و«التبخير” لها من قِبَل الصحافي في «السفير» الزميل داوود رمَّال، الذي كاد يصف لنا أنَّ الإنجازات التي تمَّتْ على يد سليمان ليس لها أُخت في تاريخ الكيان الجهيض، في وقف الصفعة التي وجَّهتْها السعودية لسليمان بإلغاء زيارته إلى الرياض التي كانت مقرَّرة يوم الإثنين الماضي في ٣٠ أيلول (سبتمبر)، ثم تلَتْها صفعة ثانية من الإمارات في اليوم الثاني.
العذرالسعودي العلني للحلاقة الرئاسية كان متعلِّقاً بصحة حاكم السعودية عبدالله بن عبد العزيز المُتعَب أبو مُتعِب كما قال الراوي، رغم إنَّه في نفس يوم الإلغاء (الذي سُمِّيَ إرجاءاً للتلطيف) قام بنشاطٍ كامل شمل تلبية موعدين إثنين كاملين في مكتبه! أمَّا عذر الإمارات فكان من دون سبب وعلى عينك يا تاجر، أي إننا يا ميشال لسنا مضطرِّين لكي نختلق عذراً لنقول إنَّك غير مرغوب بك!
هاتان الضربتان الخليجيَّتَان تحت الحزام هما أكبر إهانة تُوجَّه إلى رئاسة الجمهورية وإلى «شبه الوطن» منذ نشأته ودليل على الإستهتار وعدم النظر إلى هكذا بلد تابع بكل المقاييس للخارج، في زحمة صراع الأُمم وتناقض وتضارُب مصالح الدول. فالسعودية تُعامِل ميشال سليمان كما عاملتْ وليد جنبلاط، ولا احد أفضل من احد!
إلا أنَّ الإهانة الكبرى هي للشعب اللبناني الذي يسمح لسياسيين مرتزقة أنْ يرهنوا مصير بلدهم الجميل، والذي حقَّق نوعاً مهماً من الحياة البرلمانية والأدبية، إلى من لا يعرف عن الديمقراطية والحقوق المدنية إلا إسميهما! فحتى تشكيل الحكومة أصبح مرهوناً بإرادة بندربن سلطان الذي لا يهمُّه إذا خرب البلد أو تهدَّم لأنَّ عينه على الجائزة الكبرى في سوريا. كان اللبنانيون في السابق، خصوصاً ثوَّاربولتون وبوش، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على عهد “الوصاية” السورية وعلى غازي كنعان ورستم غزالة مع أنهم كانوا ينبطحون أمامهما تنفيذاً للأوامر، أمَّا المُكلَّف بملف لبنان، عبد الحليم خدَّام، السيِّء الذكر فكانوا يزدرونه ويكرهونه الى أنْ أصبح حليفهم وحبيبهم اليوم بعد أنْ خان وطنه فصفحوا عن كل سيئاته، كما أضحوا اليوم يحبُّون الشعب السوري حبَّاً جمَّاً لكنهم في السابق لم يكونوا يسمعون به. لكن قياسا مع بندر، ما أحلى الكحل في عيني رستم غزالة أمام من يستلم قرار لبنان ويضعه في مهب الريح تحت سمع وبصرالسياسيين والنواب الُممدِّدِين لأنفسهم! وكأنه كُتب على هذااللبنان التعيس الفاقد للسيادة بنيوياً أنْ يكون مقاطعة سائبة بحاجةٍ دائمة الى «متصرِّف» لإدارة شؤونها لأن حكَّامها عاجزون عن تنظيم أمورهم بأنفسهم!
أبناء الأرز والبطيخ «المّسمر»، لا ينظرون الى أنَّ رهن تأليف الحكومة وشل البلد بإرادة وأمربندر وأسياده «وصايةً سعودية» ذلك لأن السعودية تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين!! حتى الحنفية المالية السعودية شحَّتْ عن «المقاصد» التي كانتْ تغدقها عليها في السابق فما سر هذا التعلُّق «الأرزوي» بآل سعود؟!
حتى المواطن، سعد الطائر، تفاجأ بقرار بلده الاول بعد أنْ كان يمنِّي نفسه بلقاء عرمْرَمي مع سليمان لكي يشجِّعه على مواقفه «الوطنية» المتطابقة من موقف «قرطة حنيكر».
لا شيء شخصيا ضد ميشال سليمان من قبل حاكم السعودية مع أنَّ توقيت الرفض غير مناسب للأول بسبب «شربه حليب سباع» التجديد في نيويورك خلال لقائه مع أوباما وكيري وتحمُّل الإهانات والمغالطات التي ساقها الرئيس الأميركي أمام ساكن قصربعبدا من دون أنْ يقول أو يرد بشيء، حسب رواية الأستاذ طلال سلمان في «السفير» والتي لا يمكن أنْ يقبلها أي رئيس لبلده! إلا أنَّ كل شيء في سبيل حب التجديد يهون. السعودية مستنفرة ومذعورة وغاضبة وحانقة ومستاءة وقلقة ومنزعجة، إلى أنْ ينقطع النفس، من التقارب ولواللفظي بين الولايات المتحدة وإيران وهي مذهولة كيف أنَّ العدوان العسكري الأميركي على سوريا كان قاب قوسين أو أدنى وكيف أنَّ قرقعة السلاح والبارجات وصواريخ «توماهوك» تحوَّلت إلى «رنين» هاتف بين أوباما والرئيس حسن روحاني وطغتْ عبارات الود على أصوات المدافع والرصاص وحصلتْ الكارثة عند السعودية وإسرائيل بوقوع أول إتصال على هذا المستوى العالي بين أميركا وإيران منذ ٣٤ عاماً، تاريخ إنطلاقة الجمهورية الاسلامية في إيران. لذا فالسعودية المشغولة بـ«خيانة» أوباما لها، لا وقت لديها لأمور لبنانية تافهة من قبيل تأليف حكومة أو حماية لبنان من المخاطر التي تحيط به!
ثم رأت السعودية مرأى العين فشل سياستها في سوريا بعد أنْ روَّجتْ للعدوان ومهَّد بندرللتغييرالجذري في سير المعارك لوقف إنتصارات الجيش السوري، عن طريق معركة الساحل السوري التي ارتُكبت فيها مجزرة قُتل فيها ٥٠٠ مواطن سوري أو معركة حلب الكبرى المزعومة أو فيلم «السلاح الكيميائي». الحنق والغيظ السعودي على عدم استشارة أوباما لعبد الله بوقف العدوان وإفساح المجال أمام التسوية السورية بالإتفاق مع روسيا ثم التهدئة مع إيران، ألغى حتى كلمة مندوب السعودية أمام الأُمم المتحدة لأنَّ ليس عنده ما يقوله من دون أنْ يحرج نفسه. لكن الذي لم يقله مندوب بني سعود، عبَّر عنه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل نيابة عنه عندما حذَّرأميركا من أنَّ الفرق بين الرئيس محمود أحمدي نجاد والرئيس حسن روحاني «أنَّ الأول ذئبٌ في ثياب ذئب أما الثاني فهو ذئبٌ في ثوب شاة»! السعودية وإسرائيل إتفقتا، ليس لأول مرة على كل حال، على معارضة التقارب الأميركي الإيراني معارضةً شديدة ومسألة حياة أو موت بالنسبة للحليفين! وقد ذكرت المصادر الصحفية لتوِّها إنَّ مسؤولين خليجيين يزورون تل أبيب سرَّاً للتنسيق ضد إيران ولكن لِما السرِّية في الموضوع؟! فكل الأوراق أصبحت مكشوفة وقد فضحت سوريا زيف الحكَّام وأشباه الرجال والأحقاد الضغينة والسموم التكفيرية والأدران المذهبية التي كانت تفتك وتنهش في لحم هذه الأُمَّة وهذا أمرٌ قد يكون إيجابياً في المستقبل من أجل التخلُّص وتطهير الأُمَّة من هذه القمامة الفكرية والسياسية.
ليس أمام السعودية اليوم إلا تعزيزالتحالف مع مصر من أجل درء التقارب بين القاهرة وطهران مستفيدةً من تراجع حكم «الإخوان المسلمين» وفشل مشروعهم في المنطقة وانكفاء مشيخة قطر، وكذلك لمواجهة التمدُّد التركي والنفوذ الإيراني معاً مما يفسِّرالتقاتل بين التكفيريين و«الجيش الحر» الذي يقوم بالاتصال سراً مع النظام من أجل حفظ رأسه وهذا ما يفسِّر إغلاق تركيا لحدودها مع سوريا وتهديد التكفيريين لأردوغان وطابخ السُّم آكله، ومما يعني أيضاً تصلُّباً أكبر في الموقف السعودي في لبنان والوصول إلى حافة الهاوية مع المقاومة وجمهورها وتوريط لبنان في صراعاتٍ مذهبية وأمنية جديدة بدأت ملامحها تظهر في «معركة عرسال» خصوصاً بعد ورود أنباءٍ عن وصول مقاتلين من منظمة «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) الارهابيَّة، الأمرالذي يحيِّر فعلاً كيف أنَّ بني سعود أشدَّاء على «الإخوان» ورحماء على التكفيريين مع أنهم من نفس الطينة.
لم يثأر لبنان لكرامته الُمستباحة والمسفوكة على التراب السعودي-الإماراتي ولم يفتح جماعة السيادة والاستقلال أفواههم ولو رفعاً للعتب، ذلك أنَّ آخرمرة تجرَّأ فيها شخصٌ «زرقاوي» مثل مصطفى علوش على انتقاد منع النساء في مملكة بني سعود من قيادة السيارات عوقب على فعلته الشنيعة وكاد أنْ يُنفى إلى القطب المتجمد السياسي.
الذي يهم في لبنان اليوم هو التصدِّي للمرحلة الخطرة الجديدة والرهان على قدرة المقاومة في التصدي للمشاريع التآٓمرية الكبيرة بعد أنْ تحررتْ من الأعباء الأمنيَّة وإقامة الحواجز في الضاحية وبعلبك التي جرت فيها مؤخراً إشتباكات خطيرة كان يجب ألا تمرَّ مرورالكرام بسبب بُعدها الطائفي المقيت الذي يريدون تلبيسه بأكثر مناطق لبنان تعايشاً بين الطوائف حتى في عز دين الحرب الأهلية حيث بقيتْ المناطق التي يسكنها جمهورالمقاومة في الجنوب والبقاع تحمي التعايش مع المسيحيين وكل الطوائف، وموقف الامام السيد موسى الصدر معروف بحماية المسيحيين خصوصاً في القاع ودير الأحمر. والآن يريدون زعزعة إستقرار العمود الفقري والخزان الإستراتيجي للمقاومة في بعلبك بعد أنْ فشلت التفجيرات والحروب والسيارات المفخَّخة، ولم يبق شيءٌ إلا وجرَّبوه لكنهم خبروا عزم المقاومة وإرادة شعبها الفولاذية.
Leave a Reply