حسب بيان مهمة «اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي) تعرّف اللجنة نفسها بأنها «منظمة حقوق مدنية ملتزمة بالدفاع عن حقوق الناس أصحاب الأصول العربية ونشر تراثهم الثقافي الغني». إلا أن القيادة الحالية لهذه المنظمة الحقوقية قد أدارت ظهرها للعديد من النساء العربيات الأميركيات اللواتي ادعين أن واحداً من زعماء هذه اللجنة قد خرق حقوقهن كنساء.
فبعد أربعة أشهر من التحقيقات في قضية التحرش الجنسي الموجهة ضد عماد حمد، مدير «أي دي سي» الإقليمي في ميشيغن، قررت «اللجنة الوطنية» أنه لا توجد أدلة كافية لإدانته، وبذلك لم تتجاهل «أي دي سي» شكاوى النساء الضحايا فحسب، بل إنها أطلقت الأكاذيب في سياق العملية حيث ادعت اللجنة أن قرار عدم كفاية الأدلة قد إتخذته المحققة في القضية، المحامية تيريزا غورمان، لكن الأخيرة نفت ذلك بشدة عندما أكدت أن القرار اتخذ من قبل مجلس أمناء اللجنة في واشنطن، واقتصر دورها على جمع الحقائق والبيانات من الضحايا ومن حمد، دون السماح لها بتقديم استنتاجاتها إستناداً إلى معطيات التحقيق.
وبسبب الكذب على الناس فإن «أي دي سي» تضع مصداقيتها على المحك وتزعزع الثقة بقدرتها على النضال من أجل المبادئ التي أرساها المؤسسون الأوائل. فكيف يمكن لمنظمة أصدرت بيانات متضاربة وكاذبة حول قضية بهذه الحساسية أن تثبت مصداقيتها في مكافحة التمييز العنصري ضد العرب الأميركيين في المستقبل؟
تحقيق من أجل التحقيق
لقد بات معروفاً تماماً أن المحققة لم يُطلب منها الحكم على القرائن، بل كانت مهمتها فقط تجميع البيانات الشخصية والوثائق من النساء اللواتي يتهمن حمد بالتحرش الجنسي بهن.
وهنا يتساءل المرء لماذا لم يمنح مجلس أمناء «أي دي سي»، المحققة المستقلة التي إنتدبها لهذه المهمة والتي تعتبر، ذات كفاءة عالية، حسب تعبيره، سلطة إعطاء الرأي وإستخلاص النتائج؟
كذلك ترفض «اللجنة» إعلام الرأي العام بنتائج التقرير تاركة الجالية والمجتمع الأميركي في الظلام حول طبيعة الدلائل التي يفترض من خلالها أن أعضاء مجلس الأمناء إستندوا إليها في قرارهم بـ«عدم كفاية الأدلة»، بل يتذرع هؤلاء بأن عدم نشر التقرير يعود إلى خصوصية العلاقة بين المحامي والزبون، وهذه حجة لا معنى لها، فيمكن إخفاء الأسماء الواردة في التقرير بسهولة، وبذلك يمكن حماية هوية الأشخاص.
لا يمكن لـ«أي دي سي» أن تنكر على الناس حقهم في معرفة الحقيقة لأن «أي دي سي» ليست مؤسسة خاصة بل إنها منظمة غير ربحية ومثلها مثل أي منظمة تدافع عن حقوق الناس تمولها التبرعات من أجل خدمة وحماية الحقوق المدنية للأفراد، وبالتالي فإن واجبها الأخلاقي أن تكون شفافة وصادقة إزاء مساءلة الجالية لعملها.
عضو مجلس أمناء «أي دي سي» الدكتور سهيل إيليا ادعى في تصريح لـ«صدى الوطن» أن اللجنة «ليست محكَمة ولا تعرف من يقول الحقيقة». لكن الحقيقة هي أن المجلس بقراره (عدم كفاية الأدلة)، قد أصدر فعلاً حكم إدانة من حيث لا يدري. لكن عضو مجلس النواب في ولاية ميشيغن رشيدة طليب والزميلة رنا عباس خرقتا حاجز الصمت وشاركتا الرأي العام في قصص مخزية حول التحرش الجنسي والهجوم غير المبرر الذي خبرتاه شخصياً -كما تدعيان- والذي خبرته أيضاً نساء أخريات وضعن في نفس الموقف أثناء عملهن في مكتب «أي دي سي».
هؤلاء السيدات ذوات مصداقية ومعروفات داخل الجالية ولا دوافع لهن لإيذاء «اللجنة» لكن في المقابل، جاء حُكم «أي دي سي» بعدم كفاية الأدلة ليلطخ سمعتهن ويتهمهن، بشكل غير مباشر، بالكذب، دون أن يبرئ ساحة حمد.
ولا يخفى على أحد أن ضحايا التحرش الجنسي من النساء العربيات يفكرن ألف مرة قبل البوح بما تعرضن له من اعتداء خوفاً من «الفضيحة»، بحسب التقاليد العربية. ولذلك لا بد من الشد على أيادي النساء اللواتي تقدمن بالإدعاء متعاليات عن وصمات العار والعيب التي تلازم ضحايا التحرش الجنسي عندما يقررن كسر حاجز الخوف.
المخزي أن دعواتهن من أجل العدالة وقعت على أذن «أي دي سي» الصماء وهاهي اللجنة الحقوقية تختط سابقة خطيرة للضحايا الحاليين والمستقبليين في جاليتنا وتبعث برسالة إلى النساء والفتيات العربيات الأميركيات بأن شكاواهن لن يؤخذ بها مما قد يؤدي إلى إحباطهن ومنعهن من التقدم بأي شكوى مماثلة في المستقبل.
تعزيز الصورة النمطية
تقول «أي دي سي» على موقعها الإلكتروني إنها تحارب «الصورة النمطية والتمييز العنصري الموجه ضد الجالية العربية الأميركية في الولايات المتحدة»، لكن أكبر منظمة لحقوق الإنسان العربي في أميركا تفاعلت بشكل متناقض إلى حد كبير مع مهمتها المعلنة، عبر نفي وقوع تحرش جنسي في مكتبها رغم الإفادات الكثيرة من نساء يتمتعن بسمعة نظيفة.
محامي حمد، شريف عقيل أبلغ صحيفتنا أن القضية آذت الجميع من ضمنهم «أي دي سي» وحمد وعائلته والجالية، وهذا بلا شك صحيح، إلا أن الطريقة التي تعاملت بها اللجنة حول الإدعاءات عمقت الجراح بدلاً من علاجها. وبسبب القرار العشوائي الغامض لمجلس أمناء «اللجنة» فإن إستقامة وسمعة وصدقية الضحايا أصبحت موضع شك وتساؤل، كما أن «أي دي سي» خسرت مصداقيتها وبات على الجالية أن تتحمل الإنتقاد الإعلامي السلبي اللاذع. والحقيقة أن لا أحد ينفي أن عماد حمد خدم الجالية و«أي دي سي» طويلاً، لكن قرار «أي دي سي» لم يساعده أو يساعد سجله وسيبقى إسمه -لدى الرأي العام- مقروناً بهذه الفضيحة وبالتالي يسيء إليه وإلى عائلته والى الجالية عموماً.
تغطيتنا
كالعادة فإن «صدى الوطن» ملتزمة إعتماد أعلى أساليب الموضوعية والإتزان والمهنية عند تغطية مثل هذه القضايا الحساسة. فكتابنا لم يستعملوا صفة واحدة غير حقيقية وحاول صحفيونا الوصول إلى الجميع من دون إستثناء ليتيحوا لهم مجال الكلام وعرض قضاياهم. وفي حالات عديدة، رفض قادة «أي دي سي» طلباتنا بإجراء مقابلات إعلامية معهم إلا أننا جهدنا دوماً على إستصدار تعليقات منهم لكي نقدم لقرائنا تقارير متوازنة.
ومثل الجالية فإن الصحيفة أصيبت بالأذى بعد شيوع القضية لكننا في النهاية نبقى وسيلة إعلامية تتبع متطلبات قرائها وحاجاتهم للمعرفة والحقيقة. بعض الأصوات الشاذة في جاليتنا حاولت اللعب على وتر طائفي خبيث وخطر بقولها أن الصحيفة وقفت ضد حمد لأسباب مذهبية. والحقيقة أن الجريدة تسعى دائماً إلى الحقيقة وملتزمة بالقضايا العربية التي تجمع جاليتنا هنا، في المقلب الآخر من الكرة الأرضية، وبمبدأ العلمانية التي تحترم التنوع وتنبذ أي تفريق على أساس ديني أو عرقي، وهذا ما يعكسه تنوع العاملين في صحيفتنا. ومن المعيب أن يستخدم البعض «ورقة المذهبية» لتحقيق غايات شخصية، في وقت نشهد فيه نتائج هذه اللعبة الدموية الجهنمية في شوارع ومساجد وبيوت العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها من البلدان العربية.
لقد وقفنا بقوة ودائماً مع «أي دي سي» ومع مهمتها النبيلة وسجلنا خير شاهد على ذلك، والذين يتهموننا بالتآمر على اللجنة، نحيلهم إلى أرشيفنا الحافل بالتغطية الإيجابية لنشاطات وإنجازات «اللجنة» على مدار السنوات الماضية. فنحن نشارك «اللجنة» في مبدأ حماية حقوق الإنسان وخصوصاً العرب الأميركيين. كما أننا نؤكد أن ظاهرة التحرش الجنسي ليست حكراً على الجالية العربية بل هي آفة تعاني منها كافة المجتمعات، وهناك العديد من المؤسسات التي تشهد حالات مماثلة تتم «ضبضبتها» بشكل أو بآخر، ومنها مؤسسات عربية، ولذلك تدعو «صدى الوطن» كافة النساء اللواتي يتعرضن للتحرش الى الإقتداء بطليب وعباس وكسر حاجز الخوف والتصدي لهذه الإعتداءات.
«صدى الوطن»
Leave a Reply