واشنطن – قبل أسبوع فقط على موعد تخلف الحكومة الأميركية عن سداد المستحقات المالية، ظهرت بوادر انفراجات لحل أزمة الإغلاق الفدرالي، إلا أن الأمور ما زالت بانتظار موافقة الرئيس باراك أوباما على طرح الجمهوريين، برفع سقف الدين «لأجل قصير» مقابل التفاوض على الميزانية وتحييد المطالبة بتعليق نظام «أوباماكير» الصحي. ولا يبدو أن أمام الرئيس الكثير من الخيارات، فبعد حملة شنها على خصومه الجمهوريين متهماً إياهم بتعطيل البلاد وتهديد سمعتها المالية وأخذ الأميركيين «رهينة»، أصبح هو -بفعل مبادرة «التراجع» الجمهورية- في موقع المعطل، وبات عليه الموافقة على «العرض الجمهوري» والجلوس الى طاولة المفاوضات معهم لإقرار ميزانية الحكومة.
وقد تلقى أوباما مساء الخميس الماضي، عرضاً جديداً من الجمهوريين حول رفع سقف الديون الأميركية قبل استنفاد سيولة الحكومة في 17 من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. وفي عرضه، قال رئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينر إنه يمكن القيام بذلك في مقابل توسيع نطاق المفاوضات مع البيت الأبيض في سبيل إعادة فتح الدوائر الحكومية. وأضاف باينر «ما نريده هو أن نعرض على الرئيس القدرة على تحريك سقف الدين في مقابل عقد مؤتمر لمناقشة الميزانية وطرق التحرّك قدماً في سبيل فتح الدوائر الحكومية المغلقة».
صحافيون أمام مدخل البيت الأبيض خلال اجتماع أوباما مع باينر الخميس الماضي. (رويترز) |
إلا أن العرض الجمهوري بتمديد صلاحيات الاقتراض ستة أسابيع أخرى أي حتى 22 تشرين الثاني المقبل، لن ينهي الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية إلا بعد أن يبدأ أوباما محادثات حول اتفاق الميزانية الطويلة الأجل، وهي الخطوة التي رفض البيت الابيض القيام بها حتى الآن.
وقال المتحدث باسم باينر، عقب اجتماع مع الحزب قبل عقد اجتماع مع أوباما في البيت الأبيض، «لقد ناقشنا تمديداً مؤقتاً لسقف الدين، في مقابل التزام حقيقي من الرئيس وزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ للجلوس والتحدث عن المشاكل الملحة التي تواجه جميع الأميركيين».
وردّ البيت الأبيض على هذا الطرح، حيث أعلن الرئيس الأميركي أنه سيدرس الموافقة على عرض الجمهوريين برفع سقف الدين أسابيع عدة، ولكن ذلك يعتمد على تفاصيل العرض. وفي رد أولي، قال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني إن «الرئيس أوباما سعيد، لأن الحكمة يبدو أنها تسود على مجلس النواب في النهاية، وأنه يبدو على الاقل أن هناك اعترافاً بأن العجز عن السداد ليس خياراً مقبولاً»، إلا أنه أضاف أنه لا توجد ضمانة بأن يصادق أوباما على عرض الجمهوريين، مؤكداً أن البيت الأبيض يحتاج إلى دراسة التفاصيل. وأوضح كارني «سنرى ما يقترحه الجمهوريون من مجلس النواب، وما يمكن أن يوافقوا عليه، وندرسه»، مشيراً إلى أن «الرئيس قال دائماً إنه سيوقع على اتفاق نظيف لزيادة سقف الدين».
وكان وزير الخزانة الأميركي، جاك لو، حذر مراراً خلال الأسبوع الماضي من أن عجز الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها المالية، سيتسبب في تداعيات اقتصادية خطيرة من بينها إلحاق «ضرر كبير» بالأسواق المالية. وقال لو، أمام لجنة المالية في مجلس الشيوخ، إنه «إذا لم يتمكّن الكونغرس من القيام بمسؤولياته، فإن ذلك يمكن أن يلحق أضراراً كبيرة بالأسواق المالية وبالانتعاش الاقتصادي الحالي، وبوظائف ومدخرات ملايين الأميركيين»، مضيفاً أنه «إذا لم يتحرك الكونغرس وأصبحت الولايات المتحدة غير قادرة فجأة على سداد فواتيرها، فإن ذلك سيكون له تداعيات خطيرة».
وحذر وزير الخزانة الأميركي أنه «من الخطأ الفادح» عدم منح وزارة الخزانة صلاحيات جديدة للاقتراض تسمح لها بدفع جميع فواتيرها. وقال «من المهم أن يعيد الكونغرس فتح الحكومة وأن يرفع سقف الدين، وبعد ذلك أن يعمل مع الرئيس على معالجة المشاكل المالية».
ونبّه لو من «تأثيرات يمكن أن تكون كارثية بسبب العجز عن السداد، بما في ذلك اضطرابات في أسواق الائتمان، وخسارة كبيرة في قيمة الدولار، وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية بشكل كبير، وتأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي، وخطر حقيقي من حدوث أزمة مالية وركود يشبه ما حدث في العام 2008 أو أسوأ».
وأضاف الوزير أن الأزمة المالية «بدأت في توجيه ضربة غير ضرورية لاقتصادنا» على شكل ارتفاع معدلات الفائدة، وتقلبات الأسواق تصل إلى «أعلى المستويات هذا العام».
وكان الرئيس الأميركي باراك قد أكد دعوته الجمهوريين إلى وقف تهديداتهم وتمرير مشروع الموازنة بهدف إعادة المصالح الحكومية إلى العمل مجدداً، في ظل الشلل الذي دخل يومه العاشر مع صدور هذا العدد.
وقال أوباما في مؤتمر صحافي إن «أعضاء الكونغرس والجمهوريين في مجلس النواب بشكل خاص، لا يمكنهم أن يطالبوا بفدية في مقابل القيام بعملهم. واثنتان من مهماتهم المصادقة على الميزانية وضمان سداد الولايات المتحدة لفواتيرها». واتهم أوباما النواب الجمهوريين في الكونغرس بالمماطلة في تمرير الموازنة. وقال «لم نتلق أي مقترحات جدية من الجمهوريين»، مشيراً إلى أنهم رفضوا 19 مقترحاً حول الموازنة في الأيام القليلة الماضية.
ويتهم أوباما من سماه «الجناح اليميني في الحزب الجمهوري» بإعاقة التصويت على الميزانية في مجلس النواب الذي قال إن أغلبية أعضائه من الحزبين مستعدون للتصويت. وكان الجمهوريون الأميركيون أعلنوا في وقت سابق، نيتهم طلب تشكيل «لجنة عليا» بغرفتين للتفاوض مع الديمقراطيين على اتفاق واسع النطاق حول سقف الدين والميزانية وإصلاح البرامج الاجتماعية الأميركية.
وستكلف هذه «اللجنة العليا» وضع الخطوط العريضة لتسوية واسعة النطاق حول الميزانية والضرائب للعام المالي 2014، على غرار لجنة عليا أنشئت في ظروف مماثلة في صيف العام 2011.
وكان مجلس النواب قد صوت السبت بالإجماع على مشروع قانون يقضي بدفع رواتب 800 ألف موظف فدرالي بأثر رجعي فور إعادة العمل في الدوائر الحكومية المغلقة منذ الثلاثاء الماضي. وكشفت وزارة الدفاع أنها ستستدعي معظم الموظفين المدنيين في الوزارة الذين يقدر عددهم بنحو 400 ألف موظف منحتهم إجازة غير مدفوعة الأجر بسبب الوقف الجزئي لعمل الدوائر الحكومية.
وقد دخل إغلاق مؤسسات الحكومة الأميركية أسبوعه الثاني ليشمل تأثيره الأميركيين بدرجات متفاوتة سواء ما يتعلق بخدمات صحية أو العاملين في مراكز الاتصال أو هيئات جباية الضرائب وغيرها، وكلها مصالح تعرضت للاضطراب في سيرها نتيجة غياب الموظفين غير الأساسيين والتمويل الضروري لتسييرها.
وفي انتصار معنوي لأوباما، كشف استطلاع جديد للرأى عن قناعة الأميركيين بمسؤولية الجمهوريين عن الإغلاق الحكومي. ويرى المسح الذي نشرته وكالة «اسوشيتد برس» أن الحزب الجمهوري قد يكون المتضرر الأكبر بين أوساط الرأى العالم الأميركي نتيجة شلل الحكومة الراهن. وبحسب النتائج فإن 62 بالمئة ممن شملهم الإستطلاع يلقون باللوم على الجمهوريين في ايقاف عمل الحكومة، بينما يرى النصف أن أوباما أو الديمقراطيين يتحملون قدرا كبيرا من المسؤولية عن ذلك. لكن في المقابل فإن معظم الأميركيين غير راضين عن أداء أوباما في موقعه كرئيس للولايات المتحدة، حيث أعرب 53 بالمئة عن سخطهم من طريقته، ووافق عليه 37 بالمئة.
وتشير تقديرات إلى أن من شأن إغلاق المؤسسات الحكومية تقليص نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنحو 0.2 بالمئة وذلك كل أسبوع، وقد تنتقل آثار هذا الإغلاق إذا استمر طويلاً لتقوض ثقة المستهلكين والشركات على حد سواء. ومن المتوقع أن تبلغ أميركا سقف الاستدانة المحدد حاليا بـ ١٦.٧ مليار دولار في 17 من الشهر الجاري. وقبل هذا الموعد يتعين على الكونغرس الموافقة على رفع هذا السقف لتفادي تخلف البلاد عن سداد مستحقات عليها ما قد يحمل تبعات كارثية.
Leave a Reply