منذ تشي غيفارا الذي مازال يلهب قلوب الثوَّار والأحرار والشرفاء في العالم الى أي جهةٍ انتموا، لم يعرف الزمن المعاصر شهيداً أكثر وسامةً وجمالاً وعزما وإرادةً وحُباً من مهدي ياغي الذي كان يحمل تقاسيم وجهٍ مثل قلب النهار وطلَّةٍ بهيَّة مثل ضوء الشمس. الشهيد ياغي الذي ظهر في شريط فيديو مصوَّر وهو يسرد فيه وصيته بوجه ضاحك باسم الثغر طلق المحيَّا وهو يمزح ويضحك، لم يمنعه حبُّه للحياة من ألَّا يأبه إنْ وقع على الموت أو وقع عليه الموت. كان يتحدَّث بلكنته البعلبكية المحبَّبَة الطيبة مثل أهل البقاع أصحاب النخوة والكرم، والتي أضفتْ على كامل المشهد عفويةً وبراءةً لا مزيد لهما. كان مهدي حين يتوقف عن الإبتسام لثوانٍ قليلة يتبدَّى جمال نظرته الجدية التي تجمع بين عزيمة مجاهد يؤمن بقضيته التي هو مستعدٌ أنْ يبذل روحه من أجلها من دون تردُّد أو وجَل. لم يوقفه شبابه المتدفِّق حيويةً وعافية من أنْ ينخرط في الدفاع عن الشعب والمقدَّسات ويحمل همَّ الكفاح بيديه وفكره وعقله مع أنَّه كان قادراًعلى التصرُّف مثل ملايين الشباب في العالم الذين يقضون الساعات والأيام في اللهو والعبَث وتصفح «الإنترنت» ومطالعة كل صفحات التواصل الاجتماعي فيها، لكنَّه اختار تصفُّح وجه ربِّه وناسه وقضيته ليكون مثلاً ساطعاً جميلاً ناصعاً على التضحية والعنفوان والنبل والإبتسام في وجه الموت الذي اصبح لشعبه عادة وكرامته من الله الشهادة.
لقد أحسَّ كل الذين شاهدوا الفيديو أنَّ مهدي هو فردٌ من أفراد العائلة وأسطورة فعلية في زمن «الفيسبوك» حيث تكاد الحياة البشرية تقتصرعلى «اللايك» فقط، الاَّ جريدة «النهار» الذي بدأ ديكها منذ زمن لا يصيح بل ينعق كالغراب بعد أنْ تحوَّل فيزيائيا الى شكلٍ عجيبٍ غريب مثل “الوطن الفينيقي” الذي ما فتأت الجريدة تروِّج له منذ تحويرها عن مسار المؤسس الجد جبران تويني.
«النهار» نشرتْ تعليقاً على موضوع الشهيد مهدي ياغي ينضح تهكُّماً وخُبثاً مع حقدٍ دفين ومسموم، تهزأ فيه من جعل الشهيد أسطورة على يد «حزب الله». والمعروف أن مهدي استشهد وهو في سوريا يدافع عن المقامات الدينية وما تبقَّى من كرامة ضد الإرهاب التكفيري القاعدي المجرم الذي يعيث فساداً وقتلاً وتنكيلاً وذبحاً وتدنيساً للأديان والإنسانية والبشرية جمعاء تحت ستارالاسلام والإصلاح والثورة وهم من كل ذلك براء.
«النهار» لم تذكر أنَّ المقاومة لم تصدر في زمانها وصايا مقاتليها وهذا الفيديو للشهيد ياغي ليس تعبيراً عن تغيير في نهجها وهي ليست بحاجةٍ الى مسخرة صحيفة صفراء فاقعٌ لونها تضرُّ الناظرين. إن مرحلة الجريدة التي تحتضر حالياً وتلفظ أنفاسها الاخيرة هي مرحلة الموت السريري للصحف الورقية في لبنان التي كانت في السابق تعبِّر عن مصالح الخارج بحكم التمويل الأجنبي، باستثناء صحف وطنية وحربية نادرة الوجود. حتى بعض الصحف الوطنية لم تزمط، في بداياتها على الأقل، من التمويل الخارجي. كان هذا قبل عصر الشبكة العنكبوتية والتكنولوجيا الرقمية والمدونات الالكترونية والمواقع الإخبارية على الإنترنت التي تنقل الحدث بنفس الثانية الى درجة المضاربة على التلفزيونات والشبكات الإخبارية التي تبث على مدار الساعة مثل «سي أن أن» أو «الجزيرة». وهكذا، فقدت الصحف من بريقها الإخباري الحدثي وأضحت تقتصر على الرأي فقط لان السبق الصحفي مر قطاره بالنسبة للصحف التي أصبحت عانساً في سن اليأس وتقلَّص دورها الى مجرد «حكي جرايد»!
«النهار» أُصيبت إصابة مباشرة عندما انحازت الى تيار «قرطة حنيكر» المروِّجة «لبندر أولاً» متنكِّرةً لبعض تاريخها المهني الذي لمع أيام معارضة «المكتب الثاني» الفاشي والذي كان يتزعمه أحد حلفائها اليوم جوني عبدو. وبالتالي لم يعد هناك فرق بينها وبين نشرة «المستقبل». وقد اعتورت الجريدة في مراحل عديدة عدوى اليمينية والفينيقية اللبنانية والعنصرية الطائفية لكنها لسبب مجهول تماماً ظلتْ تُعتبر الجريدة الاولى في لبنان. حتى اليوم حيث عندما تريد المحطَّات التلفزيونية إستعراض عناوين الصحف الصادرة ذلك النهار، تبدأ بالجريدة ذاتها من حيث الأهمية رغم أفول نجمها وتقدُّم صحف أخرى عليها بأشواط بحكم تقادم الزمن الوطني والإنساني.
ولن يضير أهل وأصحاب وأقارب وجمهور وأحباء وشعب مهدي ياغي انْ تهزأ «النهار» من شهادته المتألقة كما لن تستطع أنْ تحجب الشمس بغربال كلماتها السوداء، لان الشمس ساطعة والنّاس لها عيون تبصروتميِّز. لقد أعطى مهدي كل ما يملك في هذه الدنيا وطلب من أمه الا تبكي ولا تشق عليه جيباً وافتدى زهرة شبابه طوعاً للقضية المقدسة تاثُّراً بالشهداء الذين سبقوه، فحريٌّ بجريدة لها تاريخ انْ تحترم حرمة الشهادة مهما بلغ حجم حقد مموليها وعقيدتهم وكرههم الأعمى.
مهدي ياغي هو ذروة الأسطورة في وسامة الشهادة وتألُّقها ولو كره المرجفون والمتهكمون من آل توت عنخ آمون.
Leave a Reply