يعتبر مجمع فيرلين التجاري، أو «فيرلين مول»، معلما اقتصاديا وحيويا من معالم مدينة ديربورن منذ انشائه عام 1976، ورغم تراجع نجمه في الآونة الأخيرة إلا أنه ما يزال يجذب يومياً آلاف الستهلكين الذين يتسوقون في مئات الأكشاك والمتاجر الموزعة على طوابق «المول» الثلاثة، وفي مقدمتها متاجر «جي سي بيني»، و«سيرز»، و«مايسيز».
ملكية المول تعود لشركة «توبمان»، التي تملك كذلك عشرات المولات الأخرى في العديد من الولايات الأميركية ومن ضمنها مول «توَلف أوكس» في مدينة نوفاي.
اليوم بات الكثيرون ينظرون الى «فيرلين» على أنه «مول شعبي»، لعدة أسباب سنأتي على ذكرها، ولكن لا بد من الإشارة الى أن المول الذي يمتد على مساحة ١٣٦ ألف متر مربع (باستثناء مواقف السيارات)، يحتوي على مئة وخمسين متجراً إضافة الى دار للسينما وناد رياضي والعديد من المطاعم المعروفة، مثل «برافو» للمأكولات الإيطالية و«بي أف تشانغ» للطعام الصيني.
يرتاد السوق التجاري الآلاف من الزبائن يوميا، ولكنه في السنوات الاخيرة صار المصدر الرئيسي للوظائف والتسوق لسكان ديترويت، ما أدى الى تراجع مستوى الخدمات فيه مع انسحاب بعض المتاجر، ومع مرور الوقت شعر العديد من الزبائن بهبوط الخدمات والامن والصيانة مما حدا بالكثيرين، وحتى سكان مدينة ديربورن التي تحتضن المجمع، أن يتخلوا عن سوقهم التجاري والتوجه شمالا إلى مدن نوفاي وتروي وأوبرن هيلز، حيث توجد مولات أكثر تميزاً.
أمل حمود بري، تقطن في ديربورن منذ سنوات عديدة، كانت في البداية من رواد «فيرلين» كسائر سكان المدينة، لكنها اليوم تقول إنها نادرا ما تزور السوق هذه الايام، بل إنها تمنع ابنتها المراهقة من الذهاب الى هناك. وأضافت «اتجنب هذا المكان قدر الامكان، الأجواء فيه هابطة، والأمن ليس كما كان سابقاً، والمحلات نادراً ما تقدم ما يرضي أذواق الناس وترضي فقط أذواق جيل الهيب هوب»، وتورد بري مثالاً على ذلك بأنه «يصعب إيجاد ثياب مناسبة للأمهات أو بضائع تلائم حاجات المتسوقين المتواضعة».
وتشير بري الى أنه يتناهى الى سمعها العديد من «قصص الرعب» التي تحدث في المول وحتى خارجه من سرقة السيارات أو محتوياتها، كما أن «فيرلين» بات يحظى بسمعة سيئة جداً لناحية سرقة البضائع من محلاته.
وتشير آخر احصائيات الجرائم أن ديربورن تعاني من مشكلة السرقات وفي العام 2011 تبين أن 66 بالمئة من الجرائم المبلغ عنها هي سرقة في المحلات، بينما بلغت نسبة جرائم سرقة السيارات 11 بالمئة من مجمل الجرائم، اما جرائم الاعتداء والقتل والسطو فهي الاقل من معدل الجريمة العام في اميركا، الا أن السرقة تحتل النصيب الاكبر في معدل الجريمة على مستوى المدينة.
وفي عام 2011، وقعت 2758 جريمة سرقة في ديربورن وهو معدل مرتفع جداً مقارنة بمعدل المدن الأميركية المشابهة (100 ألف نسمة) عند 1977 جريمة سرقة. ويعتبر لـ«فيرلين مول» دور أساسي في هذا الإرتفاع، حيث أن أغلب السرقات التي وقعت في ديربورن، ذلك العام، كانت إما سرقة بضائع من المحلات أو سرقة سيارات في محيط شارع أفرغرين، حيث يقع السوق التجاري.
ويذكر أن ثاني أكثر منطقة تشهد سرقات في المدينة هي المجمع التجاري المفتوح الواقع على شارع فورد بين شارعي غرينفيلد وساوثفيلد، حيث تتواجد متاجر عملاقة في مقدمتها «ولمارت» و«هوم ديبو».
موظفة سابقة كانت تعمل في «فيرلين مول»، كمساعدة مدير لأحد المتاجر التابعة لسلسلة معروفة من شركات الموضة، تقول إن «المول حصل على سمعة سيئة بين الشركات العملاقة لأنه يخسر كثيراً من البضائع بسبب السرقة، وأضافت أنها عملت لفترة أقل في «وستلاند مول» و«ساوثلاند مول» واكتشفت أن «فيرلين مختلف تماماً»، بعد أن مرت في العديد من المواقف «غير المريحة» منها دخول المتسولين ومشاهدة المعارك بين العصابات وملاحقة اللصوص.
واستطردت «لقد حاز المول على سمعة سيئة فهو الأول من حيث السرقات، ولكن اذا استطعت الصمود والعمل في «فيرلين» فتأكد أنه بإمكانك العمل في أي مكان».
وقالت «السرقة لا تقتصر على عرق أو عمر محدد، ففي إحدى المرات قامت إحدى الجدات بالسرقه مع حفيدتها، ومرة أخرى قامت امرأة بسرقة «جزدان» من نوع «لوبوتين»، إنك دائما تتفاجأ بالسارق الذي لا تتوقعه».
وفي العام 2012، واجه «فيرلن» انخفاضا في الميزانية عدة مرات مما أدى الى توظيف شركة امنية جديدة، قامت بدورها بخفض معايير كفاءات موظفيها المتقدمين ليكونوا حراسا أمنيين.
ولدى توجيه بعض الأسئلة من «صدى الوطن» للمدير العام لـ«فيرلن مول»، كاتي أومالي، ردت الأخيرة بأن ادارة المول لا تصرّح بمعلومات عن سرقة البضائع من المحلات، ولا يمكنها التعليق على أي أمر يتعلق بالموظفين أو بالسوق التجاري.
وقالت «لأننا شركة خاصة فاننا لا نعطي معلومات عن السرقات ولا نوزع معطيات حول هذا الموضوع بتاتاً من أجل حماية المستأجرين والمستهلكين، ومازال لدينا طاقم أمني كامل بالرغم من العملية الانتقالية، وقد كان هذا قراراً تجارياً باستئجار شركة أمنية، وكل موظفينا بقوا».
ولكن الذي رفضت أومالي تزويد «صدى الوطن» به كشف عنه قائد شرطة ديربورن الشهر الماضي رونالد حداد الذي قال انه في عام 2013 وتحديدا لغاية آب (اغسطس)، تم اعتقال 187 شخصا بتهمة السرقة من «فيرلين»، مشيراً الى أن هذا العدد أقل بوضوح من نفس الفترة في العام ٢٠١٢ حيث ضبط 242 سارقاً. وعزا حداد هذا التراجع الى السياسة الجديدة التي تتبعها الدائرة بفرض كفالة فورية ٤٠٠ دولار مقابل الإفراج عن المتهم، وإلا عليه البقاء في السجن بانتظار عرضه أمام قاض في اليوم التالي.
أحد الموظفين الذين يعملون في الطابق الثالث من «المول» اقترح على حراس الأمن ان يراقبوا عن كثب الزائرين الذين لا يأتون الى السوق من أجل التبضع بل من أجل قضاء الوقت، والتسكع برفقة الاصدقاء، سيما الذين يأتون بالباصات من ديترويت لقضاء النهار في السوق دون شراء أي شيء، وقال: «تشعر أحيانا بأنك في ناد ليلي وليس في سوق تجاري، موظفو الأمن رائعون الا أنهم يعلقون على كل فتاة تعمل هنا».
خلال العقد الماضي حاولت إدارة المول تحسين المجمع واستقطاب زبائن جدد عبر اضافة دار «أي أم سي» للسينما في العام 2001 وصالة للطعام ومطاعم شعبية وأخرى راقية مثل «بي أف تشانغ» و«برافو» عام 2008، إلا ان هذه الاغراءات قد خف بريقها مؤخراً.
إذ يقول نمر جعفر، أحد سكان ديربورن «اذا أردت ان اذهب الى السينما فاني ارتاد سينما وستلاند أو كانتون لأن خدمة الزبائن في «فيرلين» غير مقبولة.. الأرض قذرة وكذلك المقاعد قذرة وقديمة وهنالك الكثير من المراهقين والمراهقات يتسكعون في المول اضافة الى سرقة الاغراض من مواقف السيارات». وأكد جعفر أنه تقدم بشكوى الى ادارة السينما في «فيرلين» احتجاجاً على مستوى الخدمة.
سميرة حسن، لا تزال تزور «فيرلين» إذ تقول إنها ذهبت مع صديقاتها لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم المعروفة داخل «فيرلن» لكنها أحست بنفور حاد بسبب وقاحة النادل عندما سألها فيما إذا أرادت شراء الماريجوانا، وأضافت «إن الذي يحزن أكثر أن هذا يجري في حديقتنا الخلفية».
لكن هنا لا بد من الإشارة الى إدارة المول حيث أقدمت مؤخراً على بعض الخطوات الامنية، منها، على سبيل المثال، منع صغار السن من دخول المول والسينما بعد الخامسة مساء ما لم يرافقهم بالغون. جيهان ألماني، زبونة مخلصة لـ«فيرلن» تقول إن السوق يقدم خدمة جيدة وبات أكثر نظافة وأمناً بعد قرار الحظر (بعد الخامسة).
وبرغم المشاكل فإن «فيرلين» يشكل رافداً اقتصادياً مهماً بالنسبة لمدينة ديربورن حيث يجذب سنوياً مابين 12 الى 14 مليون مستهلك، 85 بالمئة منهم يأتون خلال الربع الاخير من العام من أجل التسوق في موسم الأعياد.
Leave a Reply