عواصم – خارطة الطريق الى «جنيف-٢» بدأت بإلقاء ظلالها على جميع دول المنطقة، وفي مقدمتها المملكة السعودية التي لم تتوان عن إظهار عدم رضاها عن التطورات الدولية الأخيرة سيما التقارب الأميركي-الإيراني، أولاً عبر رفضها شغل مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن الدولي وثانياً عبر قول رئيس المخابرات السعودية إن المملكة ستجري «تغييرا كبيرا» في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
فبعدما تبدد خيار الحرب الأميركية على سوريا مع انتهاج واشنطن مسار الحل الدبلوماسي للأزمة تبدو السعودية اليوم وكأنها تدخل نفقاً سياسياً مظلماً قد يصعب الخروج منه، مع تخلي الحلفاء الغربيين تدريجياً عن فكرة إسقاط النظام السوري، في ظل تطورات كبرى في الملف النووي الإيراني الذي ينتظر جولة جديدة من مفاوضات ٥+١ في جنيف في ٢٩ و٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
غضب الرياض و«إحباطها» نقلته وكالة «رويترز» عن مصدر سعودي أكد أن الأمير بندر بن سلطان مدير الاستخبارات السعودية، يلوح بالحد من حجم صفقات السلاح مع الولايات المتحدة احتجاجا على الموقف الأميركي من ملفي سوريا وإيران.
وأوضح المصدر أن الأمير بندر اتهم واشنطن بالعجز عن التعامل بفاعلية مع الأزمة السورية، وكذلك قضية السلام الفلسطينية الإسرائيلية. كما انتقد بندر ما وصفه بالتقارب الأخير بين واشنطن وطهران.
وقال المصدر يوم الثلاثاء الماضي إن رئيس المخابرات السعودية أبلغ مبعوثين أوروبيين أن المملكة ستحد من تعاملاتها مع الولايات المتحدة احتجاجا على موقف واشنطن إزاء سوريا وإيران.
وقال المصدر إن هذا التغير في الموقف السعودي تجاه الولايات المتحدة يمثل تحولا كبيرا وإن المملكة لا تريد بعد الان أن تجد نفسها في وضع التبعية.
وأضاف «الامير بندر قال للدبلوماسيين انه يعتزم أن يحد التعامل مع الولايات المتحدة. بعد ان اخفقت في اتخاذ اي تحرك فعال في سوريا وفلسطين. لكنه لمح الى ان التغيير المقرر في العلاقات بين المملكة وأميركا حليفتها التقليدية سيكون له تأثير واسع النطاق بما في ذلك صفقات السلاح والنفط
في باريس سعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري الاثنين الماضي لتهدئة التوتر المتزايد مع السعودية التي رفضت مقعدا في مجلس الامن الدولي كموقفٍ من عجزه عن القيام بتحرك في الأزمة السورية.
وأقام وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل مأدبة غداء لكيري في مقر اقامته الخاص في باريس الاثنين الماضي. وقال مسؤولون أميركيون ان واشنطن والرياض تتفقان في هدف منع إيران من التسلح النووي وكذلك هدفي انهاء الحرب الاهلية في سوريا واستقرار الاوضاع في مصر لكنهما أقرّتا بأنهما تختلفان حول سبل تحقيق هذه الأهداف.
وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه إن كيري لن يحاول إقناع السعوديين بالعدول عن رفضهم شغل مقعد في مجلس الامن لكنه سيذكر لهم مزايا الانضمام للمجلس المؤلف من 15 عضوا والذي يستطيع إجازة العمل العسكري وفرض عقوبات وإقامة عمليات لحفظ السلام. وأضاف المسؤول «انه (المقعد) يمنحكم صوتا حتى في حالة شعوركم بالاحباط. القرار لهم»..
ولكن مسؤولاً أميركياً عاد وأكد أن العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية ما زالت قوية، ورداً على سؤال عما اذا كانت السعودية ابلغت الولايات المتحدة بمثل هذا التغيير في السياسة، أشار المسؤول الى أن هذه الرسالة لم ترسل.
من ناحيتها، اشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف، الى ان البلدين يعملان معاً على حل مشاكل مهمة وقالت: «نتقاسم معهم الاهداف نفسها سواء لناحية وضع حد للحرب في سوريا والعودة الى حكومة ديمقراطية في مصر أو لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي، وان مسألة معرفة كيفية تحقيق هذه الاهداف هي بالتحديد ما ندرسه في هذا الوقت مع السعوديين وكل شركائنا الدوليين».
وفي سياق آخر، قال رجال أعمال واقتصاديون ان إحباط السعودية إزاء السياسة الأميركية بالشرق الأوسط لن يضر بالعلاقات التجارية أو مبيعات النفط بين البلدين على الرغم من التوتر الأخير.
وارتبطت السعودية (أكبر مصدر للنفط في العالم) واميركا (أكبر مستهلك له) بعلاقات اقتصادية وثيقة على مدى عقود أسست خلالها شركات أميركية معظم البنية التحتية للدولة السعودية الحديثة بعد طفرتها النفطية في سبعينات القرن العشرين. وتلقى معظم الأمراء السعوديين الأصغر سنا تعليمهم بالولايات المتحدة وكذلك كثير من المديرين التنفيذيين وكبار المسؤولين والوزراء في السعودية بمن فيهم وزراء البترول والمالية والاقتصاد والتعليم ومحافظ البنك المركزي.
وضخت السعودية على مدى عقود معظم عائداتها من مبيعات الطاقة الى اقتصاد الولايات المتحدة مقابل شراء سلع وخدمات وسندات خزانة.
وذكرت وثائق نشرتها وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) على موقعها على الانترنت انها طلبت الأسبوع الماضي تصريحا لبيع أسلحة متقدمة بقيمة 10.8 مليار دولار للسعودية والامارات.
إسرائيل: موقفنا والسعودية واحد إزاء إيران
وفي السياق أكدت وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني، أن موقف السعودية وإسرائيل إزاء إيران واحد، لكن التعاون بينهما صعب نظراً لاستمرار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وقالت ليفني «عندما تسمع السعوديين يتحدثون عما ينبغي عمله لمنع إيران (من أن تتسلح نوويا) فإن ذلك يبدو مألوفاً»، مضيفة «أعتقد أن اللهجة العربية تبدو قريبة من اللهجة العبرية حين يتعلق الأمر بإيران». وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمة أمام الكنيست الأسبوع الماضي بالقواسم المشتركة النادرة بين المصالح الإسرائيلية والعربية وقال إنها قد تساعد في دفع مفاوضات السلام مع الفلسطينيين.
Leave a Reply