المناخ الدولي يتغيَّر ويتبدَّل تماماً لغير صالح التكفيريين بعد أنْ فاعوا كالأفاعي مع حلول «الربيع العربي» الذي إستبشرنا به خيراً وصلاحاً لهذه الأُمَّة التي تأخَّرتْ ثورتها وسَكَنَ شارعها لعقود طويلة من دون حراك منذ وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، لكنَّ «الربيع» تحوَّل من نعمة إلى نقمة وكارثةً ونكبة ونكسة وفاجعة. صامتْ الشعوب العربية دهراً لكنَّها فطرَتْ على «قشرة بصلة» السلفية و«الإخوان المسلمين»، فسرق التكفيريون الثورة بسبب تنظيماتهم السرية ولجانهم ومساعداتهم وتحضيرهم لهذه اللحظة منذ سنين طويلة بصبرٍ وتخطيط ودرس واستغلال الفرصة التاريخية السانحة التي قُدِّمتْ لهم على طبقٍ من ذهب بعد أنْ غشُّوا الناس بشعاراتهم الجوفاء وجهادهم المزعوم ضدَّ العدو التاريخي وحرصهم المزيَّف على القضية الفلسطينية والمقدَّسات وترشّْحوا للإنتخابات رغم عدم إيمانهم بالديمقراطية والعملية السياسية أو القومية أوالعروبة أو التعدٌُدية حتَّى حقَّقوا مرادهم بالفوز بالأغلبية النيابية وأهدروا في سبيلها كل موقف غالٍ ومبدأ نفيس بدءاً من تلقي مساعدة من «الناتو» إلى محاباة ومهادنة العدو الإسرائيلي إلى بناء دولة أوتوقراطية مقنَّعة تكفل لهم السلطة والحكم إلى الأبد فأخفقوا وتعثَّروا وفشلوا منذ البداية إلى أنْ سقطوا سقوطاً مريعاً في مصر وفي طريقهم إلى الإنهيار في تونس وليبيا واليمن وسوريا.
ومن علائم إنتصار سوريا ومحور المقاومة هو التقدُّم العسكري للجيش العربي السوري على الارض في ريفي دمشق وحلب وإستعادة المدينة الإستراتيجية «السفيرة» التي تسيطر على خطوط الإمداد ثم مقتل القائد الميداني لجيش «لحد الحر» أحمد القادري في ريف دمشق الغربي، مما حدا بالمدعو عبد الجبار العكيدي، المنشق عن الجيش السوري ورئيس ما يُسمَّى «المجلس الثوري» في محافظة حلب، لكي ينشق ثانيةً عن «الجيش الحر» بذريعة تآمر المجتمع الدولي وتواطوء معارضي الفنادق الفخمة في الخارج، لكن هذه الحجَّة ناجمة عن فلسفة «الهريبة ثلثي المراجل» بعد أنْ قضتْ «داعش» على جيشه المزعوم، وحسب الراوي بعد أنْ شفط ميزانية مرتزقته، على طريقة فؤاد السنيورة في لبنان، وهرب إلى تركيا. معركة «السفيرة» تضاهي «القُصير» في أهميتها ومعركة «القلمون» مشرفة على الإنتهاء بنصر جديد للجيش السوري مما يعني إنكشاف الساحة اللبنانية القريبة أكثر من النيران السورية. لقد تحوَّلت مهمة الجيش السوري إلى تنظيف الجيوب الإرهابية المتبقية وهذا قد يستغرق بعض الوقت. هذه الثقة السورية الزائدة هي التي جعلت دمشق تردُّ على وزير الخارجية الأميركية كيري عشية زيارته لترطيب الجو مع السعودية المكسورة الخاطر بسبب توقُّف أميركا عن تدمير بلد عربي ذي حضارة وشعب عظيمين! والثقة نفسها جعلت دمشق تهزُّ العصا للأخضر الإبراهيمي بسبب عدم تطرُّقه للإرهاب خلال زيارته لدمشق، ولسعود الفيصل على سياسته الخائبة. وبعد أنْ كان كل أفَّاك «يستوطي حيط» سوريا، بدأت دمشق ترد الصاع صاعين وتنذر المتآمرين في حين تتخبَّط السياسة السعودية ما بين أمر «الإتلاف السوري» بالموافقة على مؤتمر جنيف ثم التراجع عنه ونهي مواطنها المغترب عن قبول المشاركة في الحكومة اللبنانية بأي صيغة رقمية طالما لم ينسحب «حزب الله» من سوريا! هذه الخيبة السعودية عبَّر عنها أفضل تعبير شيخ المرتزقة الإعلاميين الليبراليين الجدد حازم صاغية عندما كتب في «الحياة» مقالاً بعنوان «فلنهيء أنفسنا لاحباطٍ عظيم»!
ونتيجة هذا التحوُّل أخذت الدول القوية تتموضع وتتأقلم لحماية مصالحها فقامت تركيا بإغلاق حدودها لتمنع تسرُّب «داعش» إليها وبدأت بالتقرُّب من إيران. حتى قطر تريد الآن «الصرفة» إلا لبنان الساحة الفالتة والمستباحة كونياً من خلال عبقرية «النأي بالنفس» التي أدخلت الارهابيين التكفيريين إلى لبنان وجعلت منه منصة عدائية ضد سوريا. وحتى وليد جنبلاط ذاته، الذي نفى صفة الخرف عن نفسه، قال إنَّه ضد الوحش التكفيري. والأنكى أنَّ رئيس الجمهورية يريد التجديد لنفسه لأن الأمن مستتب مئة بالمئة حسب وزيره الذي يسوِّق له، ولأنَّ الإنجازات الخارقة التي قام لها خلال أسفاره الكثيرة لا تقدَّر بثمن. كيف يمكن لشربل أنْ يقول هذا عن الأمن وهو مفقود وطرابلس مشتعلة يومياً بعد ١٨ جولة من المعارك الطاحنة بين «باب التبَّانة» وزعران أحيائها وجبل محسن؟ وحيث تمكَّنتْ ميليشيا «فرع المعلومات» من تأجيج الفتنة و«ملزِّمة» جريمة تفجيري طرابلس للعلويين في جبل محسن، متجاهلةً تماماً متفجرتي الضاحية رغم معرفة هوية المجرمين التكفيريين المتواجدين في عرسال! وهكذا سارع القاضي صقر صفر، الذي وصفه الإرهابي المجرم الفار أحمد الأسير بالدجاجة (لكن ثبت أنه دجاجة قضائية تبيض ذهباً لآل الحريري) إلى استدعاء النائب السابق علي عيد إلى التحقيق مما جعل بعض الموتورين يوقفون عشرة عمال علويين في حادثة «بوسطة ملولة» وإطلاق النار عليهم وسط تهليل المتفرجين. ولكن يا ترى لو انعكست المعادلة وقام علويون بالإعتداء ذاته على أبناء «التبَّانة» فماذا كان سيفعل كبارة والضاهر وفتفت والمرعبي والرافعي وغيرهم من «الصقور» الذين يستنجدون اليوم بـ«داعش» المجرمة لتأتي إلى عاصمة الشمال؟!
إنَّ ميليشيا المعلومات تتصرَّف كالحاكم بأمرها من دون حسيب ورقيب ومن دون اعتبار لسليمان أو نجيب! الأول زار «قصر العدل» دعماً للقضاء لكن كان حريَّاً به محاسبة القضاة الطائفيين الذين يحكمون حسب هويات معلميهم السياسية لأنهم هم جاؤوا بهم، من سعيد ميرزا المتواطيء حتى أذنيه في تنفيذ الأوامر إلى أصغر موظَّف في الدولة المتروكة لعبد المنعم يوسف مدير «أوجيرو» ولسهيل البوجي أمين عام مجلس الوزراء «الآيل الطايل» الذي فاقت صلاحياته صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المستحي من الحكم والمتخاذل والساعي إلى تصريف الأعمال حسب المعنى «البوجي» الضيِّق جداً. أمَّا خليفة بروس لي في «فرع المعلومات» فلا حسَّ له ولا خبر وينشط فقط على خط التآمر ضد حلفاء سوريا في لبنان. فلا تعنيه قضية التجسُّس الإسرائيلية الخطيرة والتنصُّت على لبنان ولا السيارات المفخَّخة التكفيرية التي يعدُّها المجرمون الإرهابيون لتفجيرها في المناطق الشعبية الوطنية، بل يهمُّه تلقي الأوامر والمعلومات من أمير الحرب ورئيس «زعران الأحياء» الطرابلسية أشرف ريفي الذي كشَفَ عن وجهه الحقيقي، وكأنَّه كان يخفي هويته السياسية البندرية الحريرية. ولو كانت هناك دولة لقامت بمراجعة وإلغاء كل قرارات ريفي عندما كان مديراً لقوى الأمن الداخلي وأوَّلها دوره مع رفيق عمره في عملية شهود الزور و«المحكمة الدولية» وتدبير مكيدة ضد النائب السابق ميشال سماحة وتمرُّده على رئاسة الجمهورية من دون محاسبة وحتى طرحه إسم علي عيد كمتَّهم من أجل إحداث فتنة خطيرة في طرابلس. لكن الذي أكبر من ريفي وهو فؤاد السنيورة كان يتزعم حكومة باطلة غير شرعية اتَّخذتْ قرارات تشبهها ولم تتم محاسبته وإبطال مفاعيل وتداعيات حكومته المارقة ففي لبنان دولة لا تؤمن بالمراجعة والإصلاح.
إنَّ كل ما يصدر عن هذا «الفرع» هو باطلٌ حتماً خصوصاً أي قرار صادرٌ عن رجال الحريري في السلطة، ولا ننسى كيف استفاق هذا «الفرخ» من نومه لكي يصحو على اعتقال أقارب الحجَّاج اللبنانيين المخطوفين في «أعزاز» بالنيابة عن تركيا وربَّما عقابها. ميشال سليمان لا يرى كل هذا ويترك حبل الفلتان الأمني على غاربه بل قام في السابق بتهنئة أشرف ريفي المتمرِّد على السلطة، ولم ينظر إلى إعتداءات السلفيين التكفيريين اليومية على الجيش بل كان همُّه «خروقات» الجيش السوري لا القصف التكفيري المتواصل على بلدة الهرمل الأبية، ولكل هذا لا يرى ضيراً في التمديد لنفسه بعد أنْ تفتَّقتْ عبقرية «الملطوش» رئيس فرنسا الاشتراكي عن هذا التمديد لأنَّ سليمان يشكِِّّل «ضمانة الأمن والإستقرار» الآن في لبنان، وطبعاً تفكير هولاند «السليم» هذا دفعه الى إبقاء «الأسير» اللبناني البطل جورج إبراهيم عبدالله في أقبية السجون الفرنسية بعد زمن طويل من إنتهاء مدة محكوميته! لقد تجاهلتْ «الغيرفريند» بتاعة هولاند تماماً قضية عبدالله وتظاهرة التأييد له أمامها بينما تدَّعي فرنسا إنَّها بلد الحرية ويقوم رئيسها «الحيران» بلفلفة قضية التجسس على بلده، ويتصلَّب ضد سوريا ويتطرَّف أكثر من أميركا التي يهمها الآن إنجاح التفاهم مع روسيا قبل اي شيءٍ آخر.
إنَّ كل الكلام الاسترضائي الأميركي للسعودية هو مجرد «حكي جرائد» ولن يضرب التسوية المعدَّة في المنطقة أو يضر بالمعادلة الدولية الجديدة حيث تسعى الدول لحفظ رؤوسها وفق مصالحها إلا لبنان التائه بين نظام بائد ومسؤولين فاسدين وحكومة تصريف تصرُف من عمر اللبنانيين وحياتهم ومصالحهم لأنَّ إرادة الخارج تقتضي ذلك وكأن لبنان لم يُخلق إلا فاقداً للسيادة!
Leave a Reply