النفس الشبعانة تدوس العسل… والنفس الجوعانة تجد كل مرٍ حلو.
المسيح (ع)
نعم أنا أقولها ومسؤولة عن كلماتي ورأيي قد يفسد الود والقضية مع الكثيرين ولكن لا بأس.. أنا أحترم القارئ مهما كان رأيه.
راقب مثلاً إذا كنت مدعواً إلى غداء أو عشاء مع «الخواجات». إذا كان المكان يقدم العشاء مباشرة لك وأنت على الطاولة فيكون عبارة عن صحن فيه قليل من الخضر المسلوقة، مثل البازيلا أو البروكلي مع شريحة لحم أو قطعة بيتزا أو معكرونة- هذا إذا إدعيت أنك نباتي ولا تتناول اللحم «الحرام» الطري النظيف، إلى جانب «شوّية» بطاطا مهروسة أو أرز، مع كوب ماء أو عصير، ثم تأتيك صينية تحتوي بعض الحلوى، فتختار قطعة صغيرة تأكلها وتحمد الله.
حتى إذا كانت الدعوة للأكل في مكان «هات إيدك والحقني»، فهناك بوفيه تختار منه ما تريد أن تأكله وأن تشربه، وبعد إنتهاء الجلسة تضع الصحن الذي استخدمته في مكان مخصص ثم تحمد الله أيضاً وتشكره وكان الله يحب الآكلين الشاكرين.
لكن في المقابل، راقِب سلوكيات الأفراد والجماعات في ربوعنا وفي مناسباتنا، تجد التوجه الكبير لدينا نحو الإسراف والمبالغة على كل المستويات، وبخاصة في مناسبات الأفراح والأعياد ومواسم التخرج أو الحصول على الجنسية الأميركية أو قدوم زائر -عليه القيمة- من «أوفرسيس». حينها تقام المآدب وتهدر الأموال الباهظة على المظاهر العابرة بإقامة الإحتفالات في القاعات والفنادق المكلفة، وتجد أيضاً، أن كميات كبيرة من الطعام ترمى في حاويات القمامة، بينما ألوف العائلات، والكثير من المشردين والمعوزين يتضورون جوعاً في مدينة ديترويت القريبة مثلاً.
قبل فترة قصيرة، حضرتُ فطوراً نسائياً يذهب ريعه لصالح إحدى الجمعيات الخيرية تحمل إسم رجل دين أجلُّه وأحترمه. كان الفطور يشمل إلى جانب «جاط» الفواكه والخضار كـ«أنتريه» ما قبل الترويقة، «جاط» فول وصحن من الحجم الكبير فيه بيض مقلي وآخر فيه لبنة وآخر فيه تشكيلة من الجبنة الفاخرة، هذا إضافة إلى مناقيش الزعتر والجبنة والخبز والمعجنات الأخرى المنثورة على الطاولات.
بالله عليكم، «قديش بدهن هالستات ياكلو»؟؟ والذي يقهر ويغيظ أكثر، أن أغلب الستات الحلوات الحاضرات يتبعن ريجيماً غذائياً ولايأكلن إلاّ ما قلّ ودلّ من الطعام، مع أنه لا يبدو عليهن ذلك. ولك أن تتصور ما أصابني، أنا التي تربيت على إحترام كسرة الخبز واعتبرها نعمة من الله يجب إحترامها وشكره تعالى عليها، وما أشعر به في كل مرة أرى الهدر العظيم في المناسبات الإجتماعية والدينية، حيث يرمى من الخبز والطعام أكثر مما يُستهلك، دون إكتراث وإحساس بالذنب.
ما يؤسف له أكثر هو أن الهدر والتبذير إمتد إلى مواسم الحج والموالد وإلى مجالس عاشوراء التي تقيمها الجالية الإسلامية هذه الأيام، إحياءً لإستشهاد الإمام الحسين، ليس من قبيل الرحمة والتعاطف الإنساني، بل من قبيل الإستعراض والتنافس والتباهي والإنجراف الأرعن نحو الإسراف والمبالغة في تقديم أنواع عديدة من الأطعمة والأشربة والحلويات عند إنتهاء كل مجلس عزاء.. هؤلاء ينسون مأساة الحسين وأهله وماعانوه من جوع وعطش، والمعاني الروحية للمناسبة ومدلولاتها الإنسانية من بذل النفس والتضحية ومقاومة الظلم والفجور.
لماذا لا نحسن إستغلال أيام عاشوراء وسائر المناسبات الدينينة لإرساء دعائم المحبة والرحمة ونشر روح التعاون بين المؤمنين والتبرع بالمال تكفيراً عما إقترفناه في العام السابق. لماذا نبذل المال الكثير لشراء علب البسكوت والحلوى عند حضور مناسبات دينية أو إجتماعية، وخصوصاً مجالس العزاء عن روح الحسين والتي تقام في البيوت لأكثر من أربعين يوماً، ومعظم تلك المجالس تحكُمُها «غيرة الستات» من بعضهن البعض. لماذا لا تتبرع كل سيدة بثمن علبة الحلوى أو بدلاً منها بعشرة دولارات أو خمسة دولارات في صندوق خاص للتبرعات، ومن ثم إنفاق المال على المحتاجين والمعوزين، أليس هذا أعظم أجراً وحباً للإمام الحسين والشهداء؟
Leave a Reply