«الحق هو الحق»، شعار أطلقته دائرة الحقوق المدنية في ميشيغن على سلسلة ندوات عامة بدأتها في شهر آذار (مارس) الماضي وتستمر لغاية شهر شباط (فبراير) 2014، وذلك بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها.
وفي خطوة ذات دلالة حطت جولة الدائرة، الأسبوع الماضي، في مدينة ديربورن التي تعتبر عاصمة العرب الأميركيين، حيث يشكل العرب ما لا يقل عن ٤٠ بالمئة من إجمالي عدد سكانها البالغ حوالي 9٨ ألف نسمة.
وقد أدار الندوة التي عقدت في حرم «جامعة ميشيغن» بديربورن، رئيس بلدية المدينة جاك أورايلي، وشارك فيها كل من قائد الشرطة رونالد حداد ومديرة «الشبكة الوطنية للعرب الأميركيين» التابعة لمركز «أكسس»، ناديا تونوفا، ومستشار «جامعة ميشيغن» لشؤون منطقة ديترويت والمدير السابق لدائرة الخدمات الإنسانية في الولاية، اسماعيل أحمد، وهو أحد مؤسسي «أكسس»، فيما تغيب عن الندوة عضو مجلس نواب ميشيغن، عن ديربورن، النائب جورج ديراني بسبب مشاركته بجلسة تشريعية في لانسنغ.
واستهل الحديث تشارلز شودر، ممثل الدائرة الحقوقية، قائلا: ان الدائرة تلقت حوالي 12 ألف استعلام وأكثر من ألفي شكوى، العام الماضي، وإن الدائرة تعمل بشكل وثيق مع الجالية العربية الاميركية والاسلامية وقادتها لمعالجة الشكاوى والمعاملة المجحفة للمسافرين في المطارات وعبر الحدود، وهي مستمرة في تحقيقاتها حول هذه الشكاوى.
أما أورايلي فقد ذكر الحاضرين بقصّتين. الأولى عندما كان موظفا في مكتب سناتور الولاية السابق الراحل جورج هارت، حين أبلغه اسماعيل أحمد أنه محبط لأن التمييز العنصري ضد العرب لا يتم توثيقه من قبل دائرة الحقوق المدنية كون الجالية العربية لا تقع ضمن الفئة المستهدفة وهذه اللغة القانونية استحدثت اثناء تقديم مشروع قرار تربوي وافق عليه مجلس الشيوخ لتبدأ الدائرة بتوثيق التعامل العنصري ضد العرب.
والقصة الثانية عندما كان أورايلي يرأس منظمة «إئتلاف مجتمعات جنوب شرق ميشيغن»، حيث كان مركز «أكسس» لا يعترف به كمركز معتمد يؤمن علاجاً للمدمنين وخدمات مهنية لأنه لم يحصل على عقود في السابق إلا أن القوانين جرى تعديلها وأصبح المركز مصدراً أساسياً للخدمات الإجتماعية.. وطرح أورايلي بعد ذلك أسئلة على المشاركين. السؤال الأول كان حول دور كل جهة أو منظمة في تحقيق الإنسجام داخل المجتمع.
حداد، وهو أول عربي أميركي يتولى قيادة شرطة ديربورن، تطرق إلى خبرته الأمنية الممتدة 34 عاماً في سلك شرطة ديترويت وحتى تقاعده منها كنائب أول لرئيس الشرطة ليتم تعيينه قائداً لشرطة ديربورن، وقال إن خلاصة تجربته علّمته أن دوائر الشرطة يجب أن تكون فاعلة ولا تعمل على ردة الفعل، وأن الفساد داخل الشرطة يقوّض بسرعة ثقة العامة، وأنه بعد هجمات «11 أيلول» فإن التمييز العنصري والتعب يجعلان من الجميع ضحايا وليس فئة واحدة بعينها.
وأضاف أنه عندما تسلم مقاليد رئاسة الشرطة في ديربورن وجدها في جو الإستجابة ورد الفعل ولذلك فإنه سعى للتعاون مع منظمات الجالية. وأردف «حاولنا أن نجعل من كل فرد في الجالية شريكاً متكافئاً معنا».
أما تونوفا فأشارت إلى أن «الشبكة الوطنية للجالية العربية» جمعت 23 منظمة لا تتوخى الربح من أجل المشاركة في التعلم وأن «الشبكة» و«أكسس» ليستا فقط للعرب الأميركيين رغم أن اسم «أكسس» يحمل صفة العربي إلا أن 40 بالمئة وطاقم المركز يتحدث 15 لغة أجنبية.
وأكد اسماعيل أحمد أن كل وظيفة حاز عليها أثرت بكيفية نظرته إلى العالم والعنصر البشري والثقافة والجالية والتقدم. وقال إن الحكومة الفدرالية إعترفت بداية بالجالية العربية على أنها جالية سوداء ثم آسيوية وغيرتها في قضية عدلية حساسة إلى جالية بيضاء، وهذه التغيرات جعلت من الصعوبة توثيق شكاوى التمييز ضد العرب.
وأعرب أحمد عن فخره بنجاح «أكسس» الذي رده إلى جهود آلاف الأشخاص وإلى تعاون المركز مع البلدية والمؤسسات المحلية والشركات والجاليات الملونة وإقامة تحالفات معها. وذكر أحمد حادثة حصلت يوم إعتداءات أيلول (سبتمبر) 2001 عندما حضر أشخاص مسنون بيض من مبنى للمتقاعدين مجاور لمبنى «أكسس» وقالوا أنهم مستعدون للدفاع عن المركز بأرواحهم. وقال «لقد إغرورقت عيني بالدموع لسماع هذا الكلام». وأضاف أن رئيس شركة «فورد» للسيارات آنذاك، وليام فورد، إتصل بـ«أكسس» معرباً عن تضامنه. وحول عمله في وزارة الخدمات الإنسانية قال أحمد إنه تعلم أهمية تطوير قادة في مختلف مجالات الحياة.
وحول «جامعة ميشيغن» قال إن إدارة الجامعة برئاسة المستشار دانيال ليتل قد إحتضنت التعددية وخصوصاً عبر إدارة المساعد لرئيس مجلس الجامعة لشؤون التضمين التعددي آن لامبكن وليامس.
السؤال الثاني كان حول الحواجز التي تعيق التعاون والإنصهار، حيث قال تونوفا إن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» (الرهاب من المسلمين) هي المشكلة الأساسية بسبب المفهوم الخاطئ السائد بأن كل العرب الأميركيين هم مسلمون وكل المسلمين هم من أصول عربية. وأضافت «أن أموراً من قبيل التفتيش الفائض في المطارات ومفهوم «العدو الخطر» الذي تروجه وسائل الإعلام هما جزء من «العنصرية المحصنة»، والعنصرية ليست مشكلة جسيمة في ديربورن بسبب كثافة وجود السكان العرب الأميركيين والمسلمين في المدينة، لكنها كذلك في الجاليات العربية الأخرى. ولفتت تونوفا الى أن «الإسلاموفوبيا» لا تطال العرب فحسب بل أيضاً جماعة أخرى غير مسلمة كجماعة «السيخ». وأردفت أنه كلما تدهور الإقتصاد كلما إزداد التعصب ضد المهاجرين بسبب المفهوم الخاطئ بأنهم «يستولون على وظائفنا».
أما حداد فقال إن الصور النمطية أدت إلى أذية ديربورن وتطرق إلى موقع إلكتروني ساخر على الإنترنت باسم «ناشونال ريبورت» قام مؤخراً بنشر قصة غير حقيقية تفيد أن المجلس البلدي وافق على تطبيق «الشريعة» الإسلامية في ديربورن على أن يصبح الأمر نافذ المفعول في أول كانون الثاني (يناير). وقال «إن البلدية ودائرة الشرطة تلقتا العديد من المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني من أشخاص صدقوا القصة» التي كانت نشرت بغرض الترفيه لا أكثر.
وذكر حداد أن دائرة الشرطة في ديربورن تلقت الكثير من التدريبات ومدت يدها إلى الجالية العربية لبناء الثقة، مشيراً الى أنه منذ العام 2007 تراجع إستعمال القوة من قبل ضباط الشرطة (ضد الناس) بنسبة 60 بالمئة وهذا أمر «ذو جدوى مادياً ومصلحياً بالنسبة للشرطة».
وزاد أورايلي أن حصيلة الإنتخابات البلدية في ديربورن نجمت عن فوز أربعة مرشحين عرب من أصل سبعة مقاعد من بينها رئاسة المجلس. وقد سببت هذه النتيجة ضجة إعلامية في ديترويت وفي أنحاء البلاد لكنها لم تكن مسألة كبيرة داخل المدينة لأن العرب الأميركيين هم شركاء سياسيون منذ أعوام طويلة والمرشحون لم يترشحوا على أساس أنهم يجب إنتخابهم لأنهم من العرب.
السؤال الأخير الذي طرحه أورايلي تمحور حول الأولويات المطلوبة من دائرة الحقوق المدنية خلال السنوات العشر المقبلة.
إسماعيل أحمد دعا الى ملاحقة شكاوى التمييز سيما المتعلقة بـ«الإسلاموفوبيا» والتركيز على ضرورة إصلاح نظام الهجرة ومن ضمنه تصحيح الظروف المزرية للعمال المهاجرين، مشدداً على ضرورة أن تعمل الحكومة على توثيق أفضل لأعداد العرب الأميركيين.
أما تونوفا فشددت على أهمية التثقيف ضد «شياطين جرائم الكراهية والبلطجة» كأولوية مطلوبة، وأن «الإسلاموفوبيا» قضية يجب معالجتها على مستوى الولاية بما أن الجالية العربية الأميركية ليست فقط متواجدة في ديربورن.
وبدوره دعا حداد حكومة الولاية إلى تحديد أفضل للجرائم والقيام بتدريب فعال ضد التعصب معلناً أنه مستعد أن ينقل هذا الإقتراح بكل سرور إلى قيادات الشرطة المحلية.
الختام كان لأورايلي الذي قال إنه بينما تتم تلبية حاجات المهاجرين الإجتماعية، إلا أن حاجاتهم الثقافية غير مشبعة وهناك أوقات يشعر فيها المهاجر بالعزلة لذا فإنه ينتقل بين بلد وآخر، وإتفق أورايلي مع حداد بأن مدينة ديربورن محظوظة بسبب وجود التعددية في كنفها ورجال الدين فيها بنوا صداقات فيما بينهم عبر «الإئتلاف الديني» في ديربورن الذي يحث على وحدة المجتمع لأن رجال الدين هؤلاء «هم مشبعون بالتسامح والتفاهم» بحسب أورايلي.
Leave a Reply