مع تواصل الحملات العسكرية الواسعة التي ينفذها الجيش السوري في ريفي دمشق وحلب، حيث استعاد مناطق حيوية ظلت تحت سيطرة المسلحين لأكثر من عام، رفع المراقبون للشأن السوري سقف توقعاتهم بقرب انعقاد مؤتمر «جنيف 2» إيذاناً باعتماد الحل السلمي للأزمة.
موعد مبدئي لمؤتمر «جنيف» بين العاشر والخامس عشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل. والفسحة التي تمتد خمسة أيام، هي المنفذ الوحيد المتوفر لإطلاق العملية السياسية في سوريا، للمرة الأولى منذ عامين ونصف العام. وقد يؤدي تجاوزها إلى إرجاء المؤتمر حتى الأسابيع الأخيرة لشهر كانون الثاني (يناير) المقبل، على أقل تقدير، بسبب تعاقب أعياد رأس السنة والميلادين الغربي والشرقي.
الإتصالات الدولية نشطت خلال الأسبوع الماضي مع دفع «الائتلاف الوطني السوري» المعارض للمشاركة بالمؤتمر. وكان السفير الأميركي روبرت فورد، أبلغ «الائتلاف» في اسطنبول بموعد الاجتماع، ودعا أطرافه إلى الإسراع بتشكيل وفده لحضوره، بعد إعلانه الموافقة على حضور «جنيف 2» رغم الخلاف الذي دب بين أعضائها، الذي وصل الى حد التضارب بالأيدي والتهديد بالاتصال بالشرطة التركية.
أما لسان حال النظام السوري الذي يحقق الإنتصارات الميدانية المتوالية، فقد عبر عنه وزير إعلامه، عمران الزعبي، بالقول «من يحلم أنه سيأتي الى جنيف ليتسلم مفاتيح دمشق هو شخص سخيف وتافه ولا قيمة له سياسيا».
الإرتياح السوري مرده عدة اسباب لعل أبرزها الاتصال الهاتفي الذي دار الأسبوع الماضي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري الرئيس بشار الأسد على وقع تقدم الجيش السوري واستعادته اماكن استراتيجية لاسيما في محيط دمشق.
ومع ارتفاع سقف الانتصارات الميدانية للجيش برز تأكيد السيد حسن نصر الله، بمناسبة عاشوراء، بأن «حزب الله» باق في سوريا حتى زوال الأسباب، قاطعاً الطريق أمام المطالبين بانسحاب مقاتلي الحزب من سوريا مقابل تشكيل الحكومة اللبنانية.
المعلومات الرسمية عن اتصال بوتين-الأسد قالت إنه تمحور حول موضوع نزع الأسلحة الكيميائية. وجاء في بيان الكرملين أن الرئيس الروسي أكد على الجهود التي تبذلها موسكو بالتعاون مع شركائها من أجل التحضير لمؤتمر «جنيف 2» وقيم إيجابيا استعداد الأسد لإرسال وفد حكومي سوري إلى هذا المؤتمر، معربا عن أمله في أن الجماعات الأساسية للمعارضة السورية ستبدي نهجاً بناءً وستشارك في المؤتمر.
وكانت روسيا قد وجهت انتقادات للولايات المتحدة لفشلها بدفع حلفائها من المعارضة السورية للمشاركة في المؤتمر، وذلك قبل أن يعلن «الائتلاف السوري» الإثنين الماضي موافقته على المشاركة مشترطاً أن يؤدي المؤتمر إلى عملية سياسية انتقالية تفضي إلى نقل السلطة إلى هيئة حكم كاملة الصلاحيات بما فيها الرئاسية، ورحيل النظام ورموزه كافة.
وكان المتحدث باسم الائتلاف المعارض خالد الصالح قد أعلن، خلال مؤتمر صحافي عقد في اليوم الثاني من اجتماعه باسطنبول، أن «الائتلاف» لن يشارك في المؤتمر الدولي من دون دعم المجموعات المسلحة التي تقاتل النظام كما قال. وعلى أهمية موافقة «الائتلاف السوري» المعارض بعد يومين من اجتماعاته في اسطنبول -وإن بشروط- فإن أنباء ضرب رئيس الائتلاف أحمد الجربا لرئيس كتلة «الجيش الحر» والناطق الرسمي باسمه لؤي مقداد، ليل الأحد، طغت على نتائج الاجتماعات وأشارت بوضوح الى الإنقسامات داخل ما يسمى معارضة الخارج.
رسالتان الى مجلس الامن والامم المتحدة
وفي سياق آخر، وجهت وزارة الخارجية السورية رسالتين متطابقتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي حول اعتداءات المجموعات الإرهابية المسلحة بقذائف الهاون التي تستهدف المدن السورية لقتل السوريين الأبرياء واستهدافهم بشكل ممنهج.
وقالت الوزارة في رسالتيها: لقد أصبحت قذائف الهاون التي تستهدف المدن السورية بشكل عشوائي احدى الطرق المفضلة لدى المجموعات المسلحة لقتل السوريين الأبرياء ولاستهدافهم بشكل ممنهج وخصوصاً في مدينة دمشق التي لم تستطع تلك المجموعات الوصول اليها فتقوم بإطلاق عشرات قذائف الهاون على المدينة وريفها وبالذات مدينة جرمانا يوميا بهدف نشر الذعر وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وكان الأطفال ومدارسهم أحد أهم ضحايا هذا الإجرام العشوائي.
ميدانياً، أحكم الجيش العربي السوري سيطرته على مناطق واسعة جنوبي العاصمة دمشق، وقالت وكالة «رويترز» إن القوات الموالية للنظام سيطرت على ضاحية الحجيرة جنوبي دمشق يوم الأربعاء الماضي بعد أيام من استعادتها منطقة السبينة ما يجعل مناطق سيطرة المعارضة في جنوبي العاصمة (الحجر الأسود ومخيم اليرموك ويلدا). وبث التلفزيون السوري لقطات حية تظهر الجنود وهم يسيطرون على شوارع خلت الا من المباني المقصوفة والحطام.
ويخوض الجيش السوري أيضاً حملة واسعة لاستعادة حي برزة شمالي العاصمة دمشق، فيما يواصل عملياته بريف حمص حيث اعاد الأمان لمنطقة جبل مهين، كما بدأت عمليات محدودة في ريف تلبيسة الواقعة شمال مدينة حمص وتعتبر طريق إمداد المسلحين المتبقين في الأحياء القديمة من المدينة.
ويأتي سقوط الحجيرة بعد يوم واحد من اعلان المقاتلين الاسلاميين في حلب حالة الطوارئ واستدعاء جميع المقاتلين لمواجهة قوات الجيش التي استعادت بلدات الى الجنوب الشرقي من المدينة وفي محيط مطار حلب الدولي.
وفي المدينة نفسها قال نشطاء المعارضة إن القوات الموالية للأسد استعادت أحياء من ألوية المعارضة التي أضعفها الاقتتال فيما بينها داخل حلب. وأضافوا ان مقاتلي المعارضة يرون أن خطر فقدان حلب شديد، إلى حد أعلنت معه الألوية المقاتلة، ومن بينها تلك المرتبطة بـ«القاعدة»، حالة النفير العام مع استدعاء مقاتليها إلى جبهات القتال في ظل تشرذم فصائل المعارضة المسلحة مع قرار زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، بحل تنظيم «داعش» وعودته الى العراق وترك أمر الشام بيد تنظيم «النصرة».
وحلب المدينة مقسمة بين جانبي الصراع إلى شطرين متساويين تقريبا لكن الحكومة عازمة على استعادة السيطرة الكاملة عليها لتدعيم وضعها في الشمال حيث تتدفق الامدادات لمقاتلي المعارضة من تركيا.
وكانت الموازين الميدانية قد شهدت تبدلات كبرى خلال الأسبوعين الماضيين بعد استعادة القوات الحكومية السيطرة على مدينة السفيرة وقاعدة اللواء ٨٠ بعملية مباغتة.
Leave a Reply