قطع ميشال سليمان رحلته إلى الكويت حيث كان يُشارك هناك بمؤتمر من المؤتمرات التافهة التي لا تفيد «شبه الوطن» بشيء وكان بإمكانه إرسال أحد موظفيه «البلا غلَّة» ليحلَّ مكانه. سبب عودة سليمان، القليل السفر، هو التفجير الإرهابي الإنتحاري المجرم الذي وقع في محيط سفارة الجمهورية الإسلاميّْة الايرانيَّة في منطقة الجناح- بئر حسن يوم «الثلاثاء الأسود» وكأنَّ رئيس الجمهورية الذي أنهى لتوِّه زيارة لمملكة آٓل سعود، عَكْس إرادة نصف الُّلبنانيين، يحلُّ أو يربط في هكذا مسائل أمنيّْة خطيرة مثله مثل «مفوَّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية» صقر صقر أو القضاء اللبناني الواقع في قبضة «الزرقاويين»! فللسفارة الايرانيَّة عند سليمان وقعٌ خاص حيث كان في يوم ما قلقاً وساهراً على أمن تظاهرة أمام مبنى السفارة «لشلعوطين ونصف» يتبعون الإقطاعي الذي مازال يعيش خارج التاريخ والعاق لوالده، أحمد الأسعد.
التفجير الجديد المزدوج هو أوَّل ثمار زيارة سليمان «التذكاريَّة» إلى الرياض للقاء سعد الحريري والتي لم يلتقِ خلالها بندر بن سلطان الغاضب جداً (أكثر من حليفه الموضوعي بنيامين نتنياهو) من المسار الذي وصلتْ إليه الأمور في سوريا ومن أجواء الإنفراج بين أميركا وإيران ودخول روسيا بقوَّة على طريق التسوية وتغيُّرالمناخ الدّْولي تجاه التيَّار الإرهابي التكفيري، ممَّا انعكس مزيداً من التعنُّت السعودي ضد تشكيل حكومة لبنانية جديدة. ويوم الثلاثاء إتَّضح سبب هذا الإنتظار لتأليف الحكومة أملاً بتغيير المعطيات على الارض اللبنانيَّة المحروقة. إلاَّ أنَّ حسابات الإرهاب لن تنطبق على بيدر النتائج المتوخَّاة حيث ظهرتْ المعطيات التالية:
– عندما أعلن وزير الدفاع فايز غصن منذ أكثر من سنة أنَّ تنظيم «القاعدة» أصبح موجوداً إنطلاقاً من بلدة «عرسال» البقاعيَّة المتَّصلة بالحدود مع سوريا والتي تحصد اليوم ما جنت أيديها، أقام صغار «١٤ آذار» الدنيا عليه. أمَّا اليوم فقد خرق التنظيم الإرهابي كل قاعدة بإعلانه لبنان «أرض جهادٍ» لا «أرض نُصرة» فحسب ودشَّن عهد العمليات الإنتحارية لأول مرة بواسطة مجرمين إثنين مُغرَّر بهما وهذا تحوُّلٌ خطير في حرب الإرهاب المفتوحة حيث إذا بدأت حرب السفارات فلن تنتهي وخصوصاً إذا بدأ السفَّاحون تجنيد أبناء الشعب في أرضٍ خصبة بالفتنة المذهبيَّة ضد بعضهم البعض فسيبتلي لبنان بأسوأ أشكال «العرقنة» مما يؤدِّي به إلى الفناء. وربما بدأتْ لعبة النَّار بالرسالة الصاروخية المحدودة على حدود العراق ضد أهدافٍ سعودية.
وعلى القضاء اللبناني تفحُّص إعلان المدعو سراج الدين زريقات تبنِّي العملية الإرهابيَّة نيابةً عن «القاعدة» وهو الذي إعتقله الأمن اللبناني في العام الماضي لعدَّة ساعات ثم أطلق سراحه نتيجة وساطة من «دار الإفتاء». ولأسباب مجهولة تماماً لم يُزف زريقات زفَّاً كالعريس مثل زميله الإرهابي الآخر شادي المولوي الذي نقله الصفدي بسيَّارته الخاصة ثم إستقبله نجيب الحريري إستقبال الفاتحين. فالذي يعفو عن قاتل سفَّاح مثل المولوي وغيره من التكفيريين بالإضافة إلى إرهابيين سوريين والقطري عطيَّة بسبب الإبتزاز من الدوحة، عليه أنْ يتوقَّع «رد جميل» المجرمين الذين لا يعرفون قيَماً ولا دين!
– سياسة «اللعي بالنفس» المقلوبة هي التي أوصلت لبنان إلى هذا المنحى الأمني الخطير من خلال إغفال العين بل تأمين الغطاء للمجرمين التكفيريين وتهريب السلاح والبواخر مثل «لطف الله ٢» لهم عبر الحدود إلى داخل سوريا من قبل «النوائب» عقاب صقر وجمال الجراح وخالد الضاهر وعلي الحجيري، رئيس بلدية عرسال، وغيرهم من رجال الحريري وذلك قبل أكثر من سنة من دخول المقاومة على خط سوريا، مقابل تشديد الطوق الأمني على النظام السوري عبر مراقبة تحركاته الدفاعية إلى حد تقديم ميشال سليمان شكوى إلى الأمم المتَّحدة ضدَّ سوريا وذلك لأول مرَّة في تاريخ البلد العاق، ثم تشديد الخناق السياسي عبر الإيحاء بأنَّ الرئيس الأسد هو وراء المخطَّط المزعوم للنائب السابق ميشال سماحة والذي كان «تلبيسة» من أشرف ريفي ووسام الحسن. أمَّا فلتان التكفيريين وقيام ميليشيا «المعلومات» بالتغطية وإطلاق يد الإرهابيين في البلد وعدم سعيها الجدِّي لكشف المجرمين الموتورين كما «تستقتل» اليوم في طرابلس من أجل إتِّهام العلويين وأنصار سوريا بالتفجيرَيْن أمام مسجدَيْن هناك، فهنا تكمن الطامة الكبرى. حتَّى داخل سجن رومية يتمتَّع السجناء المجرمون التكفيريون بإمتيازاتٍ خاصَّة وهم يملكون الهواتف والإتصالات الخارجية والتسهيلات وقرارات إعدام السجناء الآخرين وحريَّة التخطيط حتّْى للعمليات الأمنيَّة والعسكرية وكادوا يطيحون بصفقة تحرير الحُجَّاج الأسرى اللبنانيين في أعزاز. وهذا لا يمكن أنْ يجري حتَّى في بلد سائب مثل لبنان لو لم يتم بقرار من جهاتٍ عليا متنفذة!
– بعد لحظات من التفجير الإنتحاري في «الجناح» أعلنتْ القوات السورية كسر جناح العصابات الإرهابيَّة المسلَّحة بتحريرها لمدينة «القارة» الإستراتيجية على طريق القملون المفتوحة على الحدود مع لبنان وهذا ينبئ بنصر جديد للنظام بعد سلسلة إنتصارات كبيرة في ريف دمشق وحلب وانهيارات أكبر وبشكلٍ غير مسبوق للتكفيريين ومقتل قادتهم وفرار مجموعات كبيرة منهم وعودة جماعات منشقَّة إلى حظيرة الدَّولة بل القتال إلى جانب القوَّات النظامية. ولم يساعد التكفيريون الصراع العسكري بين المجموعات المسلَّحة خصوصاً بين «داعش» و«النصرة» و«الجيش الحر» والشرخ في داخل «القاعدة» نفسها التي ربَّما قامتْ بتفجير الجناح لتوحيد صفوفها ضدَّ «عدو مشترك» وصرف النظر عن الخلافات العميقة بين أجنحتها.
– حوَّل التفجير المجرم إيران من دولةٍ مارقة في العالم إلى دولة عقلانية من خلال إتِّصال رئيس وزراء بريطانيا كاميرون بالرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني لأوَّل مرَّة منذ ٣٠ سنة، وحصد التفجير ما حصد من التنديد الدولي وحتَّى الأميركي غير المسبوق ماعدا السعودية التي لم تُدن الجريمة الجديدة إلَّا حياءً بعد يومٍ كامل مع أنَّها لم تسمعْ بمتفجرتي الضاحية لكنَّها اختارت تفجيري طرابلس فقط. إيران أصدرت رد فعلٍ متعقِّل على الجريمة وماضية في الإتِّفاق النووي مع الغرب مما سيجعلها دولةً إقليمية فاعلة في المنطقة مقابل قرار من أوباما بتحقيق إنجاز مع إيران يحمل إسمه بعد تعثُّرالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أمَّا السعودية فتحوَّلتْ إلى نظامٍ متهوِّرإنفعالي فاقد لأعصابه ويساند جماعات الإرهاب التي يسعى العالم للتخلُّص منها، بعد أنْ كانت مملكة العائلة المالكة عنوان الثبات والإستقرار. أمَّا أذيالها في لبنان فلم تؤثِّر فيهم لغة الدماء الزكيَّة وكان تنديدهم الكاذب مقروناً دوماً بالتحامل على المقاومة وكأنَّهم يريدون صبَّ الملح على الجرح من دون مراعاة للمواطنية والإنسانيَّة.
– النصر له ثمن باهظ ولذا فإن الإجرام التكفيري سوف يستمر مع أنَّه لن يغيِّر شيئا في المعادلة وعلى المقاومة أنْ تأخذ زمام الأمور بنفسها من اليوم فصاعداً لحماية أمن شعبها فلا ثقة بالدولة الفاسدة المهترئة «المهرهرة» على كل الأصعدة ولا ثقة بأي جهاز أمني ماعد الجيش، خصوصاً «فرخ المعلومات»، وليتشدَّق سمير جعجع كما يشاء عن سيادة الدولة والجزر الأمنية وهو لم يجد ضيراً في حكم التكفيريين. فالدولة عاجزة والمقاومة قادرة ويجب عدم التهاون بعد اليوم. إنَّ مشهد الأب الذي فقد فلذة كبده وهو يتحدَّث عن وسامته وطلَّته البهيَّة مثل الشهيد مهدي ياغي، يقطِّع القلب ويستدرُّ الدمع ولا يضاهيه إلَّا منظرالأم الحنون التي كانت تصبِّر نفسها بالسيِّدة زينب كما كان الوالد يستحضر مأساة الإمام الحسين. هذا هو الشعب الأبي مثال التضحية والوفاء في وجه السفاحين القتَلة.
وللتدليل فقط على قدرات المقاومة، ذكرتْ صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية بعد الكلمة الاولى للسيِّد حسن نصرالله: «تكلم (السيِّد) حسن نصر الله تماماً لمدة ١٧ دقيقة، والطائرات الإسرائيلية تحتاج إلى ٢١ دقيقة لتصل للضاحية الجنوبية. تخلَّل كلمته تشويش رهيب في حدودنا مع لبنان وفي بيروت مما يؤثِّر على حركة الطائرات وقد توقفتْ شبكات الإنترنت والإتصالات في بعض مناطق لبنان. تكلَّم من على منصة عادية بدون زجاج عازل يحيطه جيش من الحماية. هو أراد إيصال رسالة بأنه يعرف كل شئ وقادر على فعل أي شئ. لقبه الجديد بين مؤيديه «العباس» ولهذا اللقب معنى عظيم عند أولئك القوم. نهاية إسرائيل لن تكون إلَّا على يدي الله أو ذاك الرجل. يجب التخلص منه لنعيش بأمان».
السؤال الأهم هو من يتخلَّص مِن مَنْ أوَّلاً؟!
Leave a Reply