لمناسبةٍ يتفوقُ فيها الإنتماء العام على كافة الخصوصيّات، احتفل لبنانُنا الأرحب بعيدِهِ السبعيني للإستقلال.
تحرّرَ اللبنانيّون من قيودِ الإنتدابِ الفرنسيّ الظالم لكنهم على الأقل تعلّموا خلاله اللغةَ الفرنسيّة، ولكن ما الذي نتعلّمه اليوم؟
اللبنانيّون يتساءلون اليوم عن الإستقلال! أين ذهب؟ هل لفّهُ وأخذهُ الريح بعد أن خلفت «الأم الحنون» لنا نظاماً طائفياً نمت عليه أحزاب ودُوَيلات مبطَّنة وعصابات يترأسُها تجّارُ الحروب، فيما السلع المعروضة لاتتعدّى شظايا الخراب وأشلاء الأجساد للضحايا الأبرياء، حيث تُزهقُ أرواحُهُم دون حسيبٍ أو رقيب.
تجّارُ الحروب هؤلاء أمدّوا الطائفيّةَ كجسرٍ، ليمرِّروا عليه صفقاتهم المشبوهة والمحبوكة في الخارج، وعلى أيدٍ نجسات لا تعرفُ غيرَ القتلِ والدمار، مقابل نقود عادةً ما تُسْرَقُ من جيوبِ الفقراء والمعدَمين، فتُجّارُ الحروب هؤلاء، المنتقنّعون بأقنعة الطائفيّة البشعة، كانوا يتوقون لكسرةِ خبزٍ قبل عقود، ويمتطون الحمير في تنقّلاتهم، ويسكنون بيوتاً تشبه الأكواخ، وليس في ذلك من عيب، لكنّ العيبَ والعار أن تخون شعبك لتملك الشركات والسيّارات والمنازل الفاخرة، دون أن يسألك أحد: مِن أين لك هذا؟
التشاؤم غدا صفةً تلفّ مصيرَ وطنٍ لطالما تغنّى العالَمُ بحضارته الممتدة عميقاً في التاريخ، وبجمالِ طبيعتِهِ، وطيبةِ أهلِهِ، وسِحرِ أجوائهِ الخلّابة التي تأسر القلوب. وطن لا تُفارَقه دون أن تخلِّفَ ذكرىً مغمورةً بالحنين تستدعي هاجسَ العودة الى لبنان «يا قطعة السما» كما تصدح حنجرة الراحل الكبير عملاق وديع الصافي.
مصاصو دماء لبنان اليوم يمتلكون أفخم القصورَ فيه، لقضاء صيفية أو عطلة سنوية، ويسددون أثمانها من حسابات مصرفية لا تأكلها النيران، نفختها الحساباتٍ الرخيصة والدنيئة في انتهاك حرمات والوطن والشعب والأجيال القادمة.
إنّ احتدامَ اللوعةِ يستدعي إيقاظَ الهمم، لنصرخ: استيقظوا أيّها الغارقون في بحورِ الوهم، قفوا في وجوهِ من يسلبونكم حرّيّتَكم وينغِّصون عليكم عيشَكم، ويحرمونكم من نعمةِ الحياةِ الهادئة والمستقرّة والهانئة. قولوا كفى لكلِّ من يكون سبباً في تعاستكم وتهجيركم من وطنكم.
لماذا تُهجر البيوت اللبنانية وساكنوها يتراصفون على أبوابِ السفارات علّهم يظفرون بتأشيرةِ سفر تأخذهم إلى غياهب المجهول، حيث يتحول الإنسان من روح الى رقم.. ينصهرون في غربةٍ لا ترحم، ويحيون فيها أسماء لا أصولَ لها، ذلك أنّ الغربةَ مضيعةٌ للأصول.
حين يدهم الخطرُ من كلَّ جانب، مثلما يحصل اليوم، ليس هنالك من مهرب، إلّا العودة إلى السِفْر النضاليّ لإنعتاقِ الشعوب. وشعبنا اللبنانيّ جديرٌ بذلك. فانهضوا أيّها اللبنانيّون، واستعيدوا كرامتَكم، وانقذوا لبنانكم، بتأكيدِ وجودِكم.. اثقِّبوا طبولَ الحرب، واقرعوا أجراسَ المحبّة، عل الأجيالُ اللاحقة تقرأ صفحاتِ الفَخار في كتب التاريخ المدرسية التي توقفت عن التدوين منذ الإستقلال.. استيقظوا ليبقى لبنان أيقونةَ المحبّةِ للجميع.
Leave a Reply