إذا كان الموعد الجديد لمؤتمر «جنيف ٢»، قد أتاح فسحة دبلوماسية دولية حول سوريا، فإن الميدان السوري ظل خلال الأسبوع الماضي قبلة الأنظار مع استمرار حملة الجيش النظامي لتحرير منطقة القلمون، بعد إحباط هجوم الغوطة الشرقية الشامل الذي تؤكد التقارير أن خسائر المسلحين، ومن خلفهم السعودية، كانت محبطة لدرجة دفعت رجل المخابرات السعودية، الأمير بندر بن سلطان للذهاب الى موسكو ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان رده واضحاً: لا مفاوضات ثنائية في الملف السوري.
جندي سوري على إحدى جبهات القتال في ريف دمشق |
وفي دمشق، رفع وزير الاعلام السوري عمران الزعبي سقف التوقعات والمطالب الرسمية السورية عاليا بتأكيده أن الرئيس الأسد قائد لسوريا في المرحلة الانتقالية وما بعدها، متهما السعودية بارسال وتمويل الارهابيين الذين يقاتلون في سوريا، وإنه «لم يعد هناك شيء يمكن المحافظة عليه في العلاقة مع السعودية» بعد إعلانها وتدخلها المباشر في الحرب على سوريا.
وكان المندوب السوري لدى الامم المتحدة، بشار الجعفري، قد أعلن ان كافة السعوديين الذين جاؤوا للقتال في سوريا قدموا بعلم المخابرات والسلطات السعودية، مؤكدا ان الجيش السوري أسر 300 سعودياً كما قتل الآلاف من الارهابيين أثناء عملياته الأخيرة. وأوضح الجعفري خلال مؤتمر صحفي في مقر الامم المتحدة مساء الثلاثاء الماضي أن عدداً كبيراً من المقاتلين السعوديين كانوا محكومين بالاعدام أو بمدد طويلة ويقبعون في السجون السعودية وقد أُفرج عنهم مقابل أن يأتوا الى سوريا.
وقال الجعفري «إن أغلب هؤلاء ينتمي الى القاعدة وتنظيمات ارهابية اخرى وجدت السلطات السعودية الآن وسيلة للتخلص منهم بإرسالهم الى سوريا عبر اتفاقات غير معلنة». كما اعرب الجعفري عن أسفه لوفاة اي مواطن سوري، لافتا الى انه يجب ان يأخذ المجتمع الدولي بعين الاعتبار ارقام الضحايا الذين سقطوا نتيجة الاعتداءات المتكررة من العصابات الارهابية التي تتلقى الدعم من الدول الغربية، ومن الحكومات السعودية، والقطرية، والتركية. وأشار الى أن التبرعات لدعم المسلحين تأتي من جميع دول الخليج بمئات ملايين الدولارات. وضرب مثالاً بشخص واحد من الكويت تبرع لوحده بـ400 مليون دولار نقدا للمسلحين والمجموعات الارهابية في سوريا، وهو ما وثقته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
الإحتماء بالراهبات
اختطف مسلحون، مطلع الأسبع الماضي، رئيسة دير مار تقلا وعددا من الراهبات، بينهن لبنانيات، في مدينة معلولا بريف دمشق اثر اجتياحهم للمدينة التاريخية، التي تعتبر مهد المسيحية بعد انهيار دفاعاتهم في بلدات قارة ودير عطية والنبك التي سيطر الجيش السوري والقوات الموالية له على معظمها.
وجاءت عملية اجتياح معلولا واختطاف الراهبات كخطوة استباقية من المجموعات المسلحة، قبل انتقال المعارك الى آخر معقلين للمعارضة في منطقة القلمون، وهما يبرود ورنكوس، وسط مخاوف من عملية اقتحام يقدم عليها المسلحون لبلدة صيدنايا، ذات الأغلبية المسيحية.
ونقلت وكالة «سانا» «أن الإرهابيين قاموا باقتحام الدير واحتجاز رئيسة الدير بلاجيا سياف وعدد من الراهبات اللواتي يعملن في الدير والميتم التابع له». وأضافت المصادر ان «الإرهابيين قاموا بارتكاب أعمال ترويع وقنص للأهالي في المنطقة المحيطة بالدير وأحياء البلدة إضافة الى إشعال حرائق. وقالت إذاعة الفاتيكان إنه تم اخراج 12 راهبة أرثوذكسية بالقوة من ديرهن الواقع في الوسط التاريخي من مدينة معلولا المسيحية. ونقلت الإذاعة عن السفير البابوي في سوريا المونسنيور ماريو زيناري قوله ان الأمر يتعلق بـ12 راهبة سورية ولبنانية. وأوضح السفير قائلا: «يبدو أن الجهاديين اقتادوا الراهبات الى الشمال نحو يبرود، نجهل أسباب هذا العمل من جانب مسلحي المعارضة، إنها عملية خطف أو سيطرة على الدير لكي تُطلق يدهم في معلولا».
وذكرت معلومات صحفية أن مسلحين من حركة تحرير الشام يحتشدون في ضواحي صيدنايا وهي ثاني المقدسات المسيحية ذات الأهمية العالمية في الاراضي السورية، ويستعدون للاستيلاء عليها وفق سيناريو معلولا. وتوجد في البلدة عدة كنائس مسيحية يفد اليها حجاج من بلدان العالم المختلفة.
وقد وجهت الخارجية السورية رسالتين إلى مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة حول دخول المسلحين بلدة معلولا التاريخية وجاء في الرسالتين إن المجموعات الارهابية التكفيرية قامت صباح يوم الإثنين بمهاجمة بلدة معلولا الاثرية في ريف دمشق وهي البلدة الوحيدة في العالم التي لا يزال سكانها يتكلمون لغة السيد المسيح (الآرامية) ونفذت أعمالا تخريبية طالت الكنائس وبيوت المدنيين الآمنين. كما تضمنت الرسالة اتهام «ارهابيين باستهداف الجامع الاموي التاريخي في مدينة دمشق القديمة بقذائف الهاون ما أدى الى استشهاد أربعة مواطنين بينهم طفل وامرأة وجرح 26 آخرين إضافة إلى قيامها مؤخراً بتدمير العديد من المقامات والاضرحة الدينية في مدينة حلب.
قلق غربي من الارهابيين
حذر وزيرا الداخلية الفرنسي مانويل فالس والبلجيكية جويل ميلكيه، في بروكسل من أن عدداً متزايداً من الشبان الأوروبيين يتوجهون إلى سوريا للقتال في صفوف منظمات موالية لتنظيم «القاعدة»، وأن هؤلاء يشكلون «طاقة خطيرة» على دول الاتحاد الأوروبي وحلفائه. وأفاد الوزيران خلال ندوة صحافية مشتركة بأن ما بين 1500 إلى 2000 أوروبي توجهوا للقتال في سوريا. وقالت ميلكيه: «إن عدد البلجيكيين المشاركين في القتال إلى جانب الجماعات المرتبطة بالقاعدة وصل إلى حوالي 150، بينما أعلن فالس أن أكثر من 400 فرنسي معنيون، منهم 184 حالياً في سوريا، مؤكداً أن 14 فرنسياً قتلوا في سوريا».
انتحار جماعي للمسلحين فـي الغوطة الشرقية
ميدانياً، ما زال المسلحون، بتنوعاتهم التنظيمية، يتمتعون بقدرة على إحداث اختراقات عسكرية هنا وهناك، لكن تعديل ميزان القوى بشكل كبير، لم يعد متاحا في المدى المنظور. فقد خسرت المجموعات المسلحة قدرتها على «المبادرات العسكرية» الكبرى.
وبدوره، يقترب الجيش السوري من الحسم النهائي في الغوطة الشرقية وأن ما حصل طوال الأسبوع الماضي يشبه الانتحار الجماعي للمسلحين بعد فشل الهجوم عبر الحدود الأردنية لآلاف المقاتلين الذين شنوا هجوماً مفاجئاً لفك الحصار عن المسلحين في الغوطة، عبر استعادة بلدة العتيبة الإستراتيجية.
وتقول المصادر إن المسلحين، نجحوا في الوصول الى مشارف العتيبة التي يبدو انها كانت الهدف الاستراتيجي الرئيسي من الهجوم المضاد الكبير الذي شنوه قبل عشرة أيام.
وكانت القيادات الميدانية للمسلحين قد أكدت على أهمية العتيبة قبل أن يستردها الجيش السوري في نيسان الماضي، تحت عنوان «إذا سقطت العتيبة، تسقط الغوطة كلها». وقتها، توغل الجيش وفق سياسة «القضم التدريجي» مستعيدا الزمانية والقاسمية وجربا ودير سلمان والعبادي وحران العواميد، وصولا الى العتيبة.
لكن هذه المرة، يقول المصدر إن المسلحين فشلوا في اقتحام العتيبة، الواقعة على بعد نحو عشرة كيلومترات عن مطار دمشق الدولي، وان المعارك دارت على مشارفها، لكنهم لم يدخلوها. «الهجوم أجهض»، كما يؤكد المصدر، بحسب وكالة «سانا».
وقال مصدر عسكري سوري إن عدد قتلى المسلحين تجاوز الألف ودمرت مقراتهم وآلياتهم وصودرت كميات من الأسلحة وتحديداً صواريخ «لاو» إسرائيلية الصنع وخسروا قادتهم المندحرين من جنسيات خليجية
وتُعتبر منطقة الغوطة الشرقية مفتاح العاصمة السورية الشرقي وإحدى الخاصرتين الرخوتين للمدينة، والمنطقة الاستراتيجية التي تحوي المطار الدولي، كما الطرق الحيوية التي تمتد نحو جنوب البلاد، وهي تشكل معبراً أساسياً نحو قلب العاصمة بدءاً من البوابة الجنوبية.
ودمَّرت وحدات الجيش خلال عملياتها المتواصلة في مزارع ريما والمزارع الشرقية والشمالية للنبك أوكاراً للإرهابيين، وأوقعت من فيها قتلى ويأتي ذلك في إطار معركة القلمون وبنهاية منطقة النبك تكون القوات السورية قد احكمت الطوق حول يبرود وهي أكبر معاقل المسلحين المتبقية من الجهة اللبنانية.
وفي حلب وريفها، واصل الجيش تحرير القرى والبلدات الواقعة في الريف الشرقي لمدينة حلب في إطار حملة بدأت باستعادة مدينة السفيرة.
Leave a Reply