ولد أحمد فؤاد نجم، المنحدِر من عائلة نجم المعروفة في ارجاء مصر، عام 1929 لأبٍ يعمل ضابط شرطة (محمد عزت نجم) وأمِّ فلّاحةٍ أمّية من الشرقية (هانم مرسى نجم) وكان ضمن سبعة عشر ابنٍ لم يتبقَّ منهم سوى خمسة والسادس فقدته الأسرة ولم يره، إلتحق بعد ذلك بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في ذلك الزمن.
أحمد فؤاد نجم |
إضطرّتْهُ الظروف عقب وفاة والده للإنتقال إلى بيت خاله حسين بالزقازيق، حيث ألحِقَ بملجأ أيتام في العام 1936 والذي التقى فيه بالفنان الراحل الكبير عبد الحليم حافظ ليخرج منه عام 1945 فيعودَ إلى قريته للعمل كراعٍ للبهائم، ثم انتقل إلى القاهرة عند شقيقه، إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته.
عمل نجم في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلا بين مهن كثيرة مثل الكِواء.. لاعب كرة.. بائع.. عامل إنشاءات وبناء.. وترزي. وفي فايد إحدى مدن القنال التي كان يحتلها الإنجليز التقى بعمّالِ المطابع اليساريّين، وبدأت معاناتُه الطويلة تكتسب معنى. فاشتركَ مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال.
يقول نجم: «كانت أهم قراءاتي في تلك الحِقبة، هي رواية الأم لمكسيم غوركي، وهي مرتبطة في ذهني ببداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم، والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته، ولم أكن قد كتبتُ شِعراً حقيقيّاً حتّى ذلك الحين، وإنّما كانت أغانٍ عاطفيّة تدور في إطارِ الهجر والبُعد ومشكلات الحب الإذاعية التي لم تنته حتى الآن… وكنتُ في ذلك الحين أحبُّ ابنةَ عمّتي وأتمنّاها، لكن الوضعَ الطبقيَّ حال دون إتمام الزواج فهم الأغنياء وأنا الفقير».
وخرج الشاعر مع 90000 ألف عامل مصر من المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها على أثرِ إلغاء المعاهدة، وكان يعمل بائعاً آنئذٍ فعرضَ عليه قائدُ المعسكر أن يبقى وإلا فلن يحصل على بضائعه، «ولكنّني تركتها وذهبت».
و في الفترة ما بين ١٩٥١ إلى ١٩٥٦ اشتغل شاعرُنا عاملاً في السكك الحديدية. وبعد معركة السويس، قرّرت الحكومةُ المصرية أن تستولي على القاعدة البريطانية الموجودة في منطقة القنال وعلى كل ممتلكات الجيش هناك، وكانت وِرَشُ قطارات الزقازيق تقوم في ذلك الحين بالدور الأساسي، لان ورَش الإسماعيلية والسويس وبور سعيد ضربت جميعاً في العدوان، «وبدأنا عمليةَ نقلِ المعدّات، وشهدت في هذه الفترة أكبرَ عملية نهبٍ شهدتها أو سمعتُ عنها في حياتي كلّها، حيث أخذ كبارُ الضبّاط والمديرون ينقلون المعدات وقطعَ الغيار إلى بيوتهم… وفقدتُ أعصابي فسجّلتُ احتجاجي أكثر من مرّة… وفي النهاية نُقلتُ إلى وزارة الشؤون الإجتماعيّة بعد أن تعلمتُ درساً كبيراً في أنّ القضيةَ الوطنيّةَ لا تنفصل عن القضية الاجتماعية، كنتُ مقهوراً وأرى القهرَ من حولي أشكالاً ونماذج…كان هؤلاء الكبار منهمكين في نهب الورش، بينما يموت الفقراءُ كلَّ يوم، دفاعاً عن مصر».
«وفي وزارة الشؤون الإجتماعيّة عملتُ طوّافاً أوزِّعُ البريدَ على العزب والكفور والقرى، وكنتُ أعيد في هذه المرحلة اكتشافَ الواقع بعد أن تعمّقتْ رؤيتي وتجربتي، شعرتُ حينئذٍ رغم أنني فلاح وعملت بالفأس لمدة 8 سنوات أنّ حجمَ القهرِ الواقع على الفلاحين هائلٌ وغير محتمَل، كنتُ أجد في الواقع المصري مرادفات حرفية لما تعلمته نظريّاً.،كان التناقضُ الطبقي بشعاً».
في سنة 1959 التي شهدت الصدام الضاري بين السلطة واليسار في مصر على أثر أحداثِ العراق، انتقل الشاعر من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية أحد الأحياء القديمة في القاهرة، يقول نجم: «وفي يوم لا يغيبُ عن ذاكرتي أخذوني مع أربعة آخرين من العمّال المتّهَمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس وهناك ضُربنا بقسوة حتى مات أحدُ العمّال».
.. و ما زالتْ آثارُ الضربِ واضحةً على جسد نجم «وبعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقِّع إقراراً يقول إنّ العامل الذي مات كان مشاغباً وإنه قُتل في مشاجرةٍ مع أحد زملائه.. ورفضتُ أن أوقِّع، فضُربت». وبعد ذلك عاش نجم فترةً شديدةَ التعقيد من حياته إذ وُجِّهتْ إليه تهمةُ الإختلاس، ووُضع في السجن لمدة 33 شهراً.
كما عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين في عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية، دعت الحركةُ الوطنيةُ العاملين بالمعسكرات الإنجليزية إلى تركها فاستجابَ نجم للدعوة وعيّنته حكومةُ الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي وفي تلك الفترة قام بعض المسؤولين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن قره ميدان (أكد احمد فؤاد نجم في أحد البرامج انه فعلا كان مذنباً) حيث تعرف هناك على أخيه السادس (على محمد عزت نجم) وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون وفاز بالجائزة وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية «صور من الحياة والسجن»، وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن.
بعد خروجه من السجن عُين موظفاً بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور، بعد ذلك تعرف على «الشيخ إمام» في حارة خوش قدم (معناها بالتركية قدم الخير) أو «حوش آدم» بالعامية ليقرر السكن معه ويرتبط بصداقتِهِ حتى أصبحا ثنائيّاً معروفاً، وأصبحت الحارةُ ملتقى المثقفين، وقد نجحا في إثارة الشعب وحفز هممه قديماً ضدّ الإستعمار ثم ضد الديكتاتورية الحاكمة ثم ضد غيبة الوعي الشعبي.
ويقول نجم عن رفيق حياته إنه «أوّل موسيقي تم حبسه في المعتقلات من أجل موسيقاه، وإذا كان الشعرُ يمكن فهم معناه فهل اكتشف هؤلاء أن موسيقى إمام تسبهم وتفضحهم؟» وقد انفصل هذا الثنائي بعد فترة، واتهم الشيخ إمام قرينَه أحمد فؤاد بأنه كان يحب الزعامةَ وفرضَ الرأي، وانه حصد الشهرةَ بفضله، ولولاه ما كان نجم.
ويرى أحمد فؤاد نجم أنّ العامية أهمّ شعرٍ عند المصريين لأنهم شعب متكلم فصيح وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة، فالعامية المصرية روح وهى من وجهة نظره أنها أهم إنجاز حضاري للشعب المصري، واحمد فؤاد نجم شاعر متدفق الموهبة فقد ألف الكثير من الأغانى والتي تعبر جميعها عن رفضه للظلم وحبه الفياض لمصر واستيعابه الكامل للواقع الأليم، من بين من غنوا أغانيه الموسيقي السوري بشار زرقان الذي ربطته به علاقة عمل استمرت لسنوات، سجّلا معاً ألبوم «على البال». توفي في 3/12/2013 عن عمر يناهز الـ84 عاماً.
وتزوج نجم العديد من المرات أولها من فاطمة منصور أنجب منها عفاف، ثم زواجه من الفنانة عزة بلبع، والكاتبة صافيناز كاظم وأنجب منها الناشطة والصحفية نوارة نجم، كما تزوج ممثلة المسرح الجزائرية الأولى صونيا ميكيو، وآخر زيجاته كانت أميمة عبد الوهاب وأنجب منها زين.
Leave a Reply