لنتوقف قليلاً عند هذه الحكاية الخرافية. ولنحاول أن نعكسها على الخيارات العامة في عالمنا، ونتعرف على الفارق بين حلّ المشاكل عن طريق التفكير التقليدي، وبين حلّها عن طريق التفكير المنطقي الخلاّق وهذا له وبالتأكيد، إسقاطاته وتأثيراته على مختلف شؤون الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والتربوية والثقافية والإدارية. فمثلاً ماذا لو أنفق العرب ما أنفقوه باسم محاربة إسرائيل، على الشعب الفلسطيني وإعمار ما تبقى من أرضه؟ وماذا لو أن بعض الأموال التي أُهدرت في بناء الجوامع والمراكز الدينية في بلاد الشيشان وأفغانستان وكل عالمستان لنشر التعصب، أُنفقت لتأمين الغذاء والدواء لفقراء المسلمين ممن يموتون مرضاً وقهراً وجوعاً في بلاد ليس الدين فيها لله، بل للمشايخ والفقهاء. ماذا لو صقور الشيعة خففوا النواح على حق الإمام علي بالخلافة واللطم والبكاء على الحسين واتبعوا فعلاً نهج آل البيت، وماذا لو أقر صقور السنة بحق الآخرين بالتمايز الديني؟ ماذا لو أدركنا المثل القائل: تعلم من أخطاء الغير؟. ماذا لو نظرنا الى أوروبا وأميركا واليابان، كلها دول حاربت وطغت وحكمتها عدوات بغيضة، ثم أدركت أن السلام هو الحياة لا الموت والتناحر والقتل، كما يحدث في بلاد العرب أوطاني.
على شو، ولماذا و«واي» كل سفك الدماء هذا في بلاد الشرق؟؟
فضائيات بالمئات تبث السموم بين الأديان وبين الطوائف، وأخواتها تنشر سموم الإباحية والخلاعة. منتهى التطرف في الوعظة وفي الترفيه، وكلاهما من مال واحد.
لو هذه الفضائيات خففت البذاءة والرداءة في الغناء والرقص والتعصب للدين، ولو هذه الفضائيات تحترم الفن والثقافة وتلتفت الى معاهد تعليم الفنون والموسيقى والرسم والشعر إلى جانب أصول الدين وآدابه وأخلاقه وأن الله أكبر وأرحم وأعدل من كل فقهاء وتجار الدين، الذين أوصلوا البلاد والعباد في الشرق إلى هذا المستوى الرديء…
لنرجع إلى الحكاية التي بدأتها في المقال الماضي وليضع كل قارئ نفسه مكان الصبية الصغيرة فماذا يفعل؟ وما الذي يختاره، وكل الخيارات تبدو صعبة ومأساوية أمام خدعة المرابي. الخيارات محدودة: إما ترفض الفتاة سحب أي حصاة، أو تفضح غش وخداع المرابي بسحب الحصاتين السوداوين، أو أن تسحب الفتاة واحدة من الحصاتين السوداوين وتضحي بنفسها بالزواج من المرابي العجوز القبيح وتنقذ أباها من السجن الذي ينتظره. ماذا يجب على الفتاة أن تفعل للتخلص من الفخ الذي نصبه لها الإقطاعي؟؟
مدت يدها داخل كيس القماش. أمسكت بحصاة وسحبتها بقبضة مقفلة دون أن تظهرها للعيان. ثم وبحركة ذكاء وخفة تظاهرت بأنها تعثرت فأفلتت الحصاة من يدها لتسقط بين الحصى الكثير المتناثرة على الأرض. صارخة: يا لحماقتي وجهلي! إنظروا ماذا فعلت!
ثم قالت: «حسناً لا مشكلة على ما أعتقد، فلننظر إلى لون الحصاة المتبقية داخل الكيس، فنعرف لون الحصاة التي سقطت من يدي». كانت الحصاة سوداء. لم يستطع البيك العجوز أن يفضح غشه وخداعه أمام المزارع الأب والناس الذين إحتشدوا بدافع الفضول، إن أكثر المشاكل تعقيداً وإستعصاءً لها حل، بالتفكير والتفاؤل.
القصيدة ليست ثوب الحداد
نادرة هي الأرحام التي تجود بمثل أحمد فؤاد نجم.
إصطادك الموت البارحة. مرّ كما يمر الرعاع ووشم الجبين العالي، وهو لا يدري أي ثائر قتل.
أحمد فؤاد نجم الجرح الذي نزف شعراً يشهد للوجع، والهامة المنتصبة مثل الهرم الذي سخر من القطعان السمينة والجيف والخناجر الصدئة.
قامة فلاح، في تفاعيل تحليقه ريفُ وبيادرُ مصر الحرة الأبية البهية.
قال له المحقق: «إنت لسانك ينفع جزمة»، فأجابه نجم: و«إنت لسانك ينفع سيف»! كلمات بسيطة متوهجة بوهج الحقيقة مهما كانت مرة في وجه ظلم ذوي القربى.. «إنت فين والكلب فين؟ إنت قده يا اسماعيل، ده كلب الست يا واد وانت تتطلع كلب مين»؟
كتب في حب مصر وأمه وحب الناس البسطاء، الفلاحين والعمال والتلامذة من قلبه لإنعاش الآمل في نفوس المصريين. «مهما خربوها ومهما سرقوها مصر ح تبقى عظيمة لن تنحني». «هم رايحين وهي جاية».
أحمد فؤاد نجم مات، «آخر خبر في القهاوي وفي الراديوهات»، القصيدة لبست ثوب الحداد وفي رحيلك مطر حزين ينقر شبابيك من أحبوك، والدرب مزدحمة.. والطريق تغص بالساقطين على جوانبها.
Leave a Reply