زائر مدينة «هامترامك» هذه الأيام لا يملك إلا أن يلاحظ معالم ثقافية من اليمن وآخرها جدارية زيّنت مبنى مطعم «شيبا» اليمني، ويبلغ طولها 80 قدماً وارتفاعها 16 قدماً.
الجدارية التي توحي بعواطف وأفكار جياشة عن الوطن والغربة والحرية والأمل… تُظهر مبان لا تُثقل لفّة رجل في أقصى اليسار، بينما تنحو المباني فوق رأسه تجاه فتاة شابة تظهر فقط عيناها البارزتان المحاطتان بسحب السماء. وفي آخر الجدارية رسمٌ لإمرأة تتطلع بحزم نحو المستقبل وخلفها أشجار يمنية مصطفة نزولاً بنمط مقصود.
توحي الجدارية بعواطف وأفكار جياشة عن الوطن والغربة والحرية والأمل… ذلك لأن مثل هذا العمل الفني يستوعب تعدد التأويل.
فنان الغرافيتي التشيلي داسيك فيرناندز أمام جداريته في هامترامك. |
قساوة الطقس البارد لم تمنع 20 من سكان هامترامك، من التجمع أمام الجدارية للإحتفال بإنجازها في السابع من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري بريشة الفنان التشيلي المعروف بفن الغرافيتي، داسيك فيرناندز.
وتقوم منظمة خيرية اسمها «وان هامترامك» بترويج التعددية في المدينة وهي التي ابتدأت مشروع اللوحة الجدارية الذي رعاه «المجلس العربي الأميركي والكلداني» (أي سي سي) وموّله متبرعون فرديون ورجال أعمال محليون. وحيا المدير التنفيذي ومؤسس «وان هامترامك»، بيل ماير، الحضور بالتحية العربية، قائلاً «أهلاً وسهلاً» وأضاف أن «الجدارية لم تمول من أي هبة حكومية أو شركة كبرى»، وأثنى على إسهامات اليمنيين الأميركيين للمدينة ووصفهم بأنهم «شعب جميل يحمل ثقافة عظيمة».
وأردف «أن هامترامك ضعيفة إقتصادياً لكنها غنية بشعبها وتاريخها».
وتعتبر هامترامك التي تحيطها مدينة ديترويت، واحدة من أكثر المدن تعدداً دينياً وثقافياً في طول الولايات المتحدة. فحسب إحصاء 2010، تبلغ نسبة سكانها المولودين في الخارج 41 بالمئة من مجمل عدد السكان البالغ 22 ألفاً.
وينحدر آلاف سكان هامترامك من أصل بولندي كما أن المدينة تحتوي على عدد كبير من الأميركيين الأفارقة واليمنيين والبنغال. وأهدى ماير الجدارية الضخمة إلى كل سكان هامترامك، وقال «إن العرب الأميركيين وخصوصاً الجالية اليمنية هم ممثلون بصرياً في هذا العمل الفني الخلاب وستبقى الجدارية هنا لسنين طويلة لينظر إليها القاصي والداني، كي يتمتعوا بشكلها ويتمعّنوا فيها جيداً».
بدوره شكر منسق برنامج «المجلس العربي الأميركي والكلداني»، طه الحمدي، الجالية «على تحويل الحلم إلى واقع».
وقال «لقد أوصل اليمنيون ثقافتهم إلى العالم لمئات السنين وهم محبوبون ومحترمون حيثما حلوا وأنا فخور أن أكون واحداً منهم».
وكان المجلس قد ساهم بمبلغ خمسة آلاف دولار، أي ما نسبته 25 بالمئة من كلفة الجدارية. وتحدث الحمدي عن خدمات المجلس التي تتضمن وجود 38 مركزاً إجتماعياً عبر منطقة ديترويت الكبرى.
وصرح الناشط اليمني، علي بلعيد المكلاني، «أنه إختيار جيد بأن توضع الجدارية هنا في قلب الجالية اليمنية الأميركية»، وأضاف بلعيد، الذي يرأس إدارة الجمعية الخيرية اليمنية الأميركية (يابا)، «أنا مسرور لأن الجالية ستكون في قلب تاريخ المدينة» مبدياً أمله بالحفاظ على نظافة الجدارية.
وقالت إحدى أعضاء لجنة الجدارية، ياسمين حسن، إن العناصر اللونية الموجودة في الجدارية تضفي الإيجابية على الشباب اليمني الفخور بتراثه. «لأنهم سوف يحصلون على شيء يمثلهم في المدينة، كما أن الجدارية ستساعد الآخرين على التعرف على ثقافتنا».
وبعد الإحتفال المقتضب تحلق المحتفون حول الفنان فيرناندز في «مركز خدمات الجالية» المقابل لمطعم «شيبا» وأجروا معه نقاشاً حول الجدارية. وقال فيرناندز إنه تلقى تجاوباً مشجعاً من الجالية خلال عمله على الجدارية لمدة ثلاثة أسابيع، حيث كان يعرض عليه الجيران المشروبات الساخنة أثناء البرد القارس. وأضاف «كان هناك قلق من رسم صورة فتاة مغطاة الوجه لأن الوجه المخفي قد يعبر عن القمع لكن الفتاة لبست وجه السماء وهو ما يمثل الحرية».
Leave a Reply