في أروقة دوائر القرار الأميركي تتعالى النقاشات حول الإجراءات والقوانين المتعلقة بتزايد وتيرة تصنيع أعداد كبيرة من الطائرات بدون طيار (درون) التي من المقرر لها أن تجوب السماء الأميركية، وسط مخاوف حقوقية من هذا التوجه الذي يدفع أكثر وأكثر الى تحويل الولايات المتحدة الى دولة بوليسية.
فحسب إدارة الطيران الفدرالية، سيتم بحلول نهاية العقد الحالي تصنيع 10 آلاف طائرة «درون» لتحلق فوق الأجواء الأميركية بدون طيارين ويتم تسييرها إلكترونياً. وبعد أن كانت الصناعة هذه مقتصرة على الجيش، تستعد الولايات المتحدة إلى تدشين صناعة طائرات مدنية بدون طيار مما يستدعي إقامة رزمة من التشريعات وقواعد إمتثال محددة لهذه الصناعة على صعيد الولايات والحكومة الفدرالية معاً.
وفي هذا الإطار، عقدت يوم الإثنين الماضي ندوة عامة في إحدى مكتبات مدينة رويال أوك العامة، شارك فيها مشرعون ونشطاء، حيث تمحور النقاش حول دور هذه الطائرات ومسألة التكنولوجيا المتطورة التي باتت تشكل انتهاكاً صارخاً للحريات المدنية في البلاد بحسب نشطاء حقوقيين.
وقد شهد اللقاء الذي حضره 50 شخصاً، معظمهم من الأميركيين البيض، مداخلات تركزت حول موضوع طائرات «الدرون»، وفيما إذا كانت الحكومة الفدرالية أو الحكومات المحلية سوف تستعمل هذه الطائرات كـ«سلاح» بيد سلطات تطبيق القانون. كما عبر الحضور عن إستيائهم من إستخدام هذا النوع من الطائرات للتجسس على الأميركيين مما يزيد من قلق الأميركيين حول حقوقهم المدنية ولاسيما الخصوصية الفردية.
وشارك في الندوة متحدثون أخصائيون من ضمنهم عضو مجلس نواب ميشيغن، توم ماكميلان (جمهوري عن روتشستر هيلز) وزميلته الديمقراطية روز ماري (عن ديترويت)، الى جانب مديرة الشؤون التشريعية التابعة لإتحاد الحريات المدنية الأميركية (أي سي أل يو)-فرع ميشيغن، شيللي وايزبرغ، ومنسق «حملة ميشيغن للحريات» في مقاطعة أوكلاند، دنيس ماربرغر.
وشدد الجميع في الندوة على أهمية إحداث تشريعات من أجل ضبط إستخدام طائرات الـ«درون»، قبل فوات الأوان، وقالت وايزبرغ «حالما تحصل قوات الشرطة على صلاحيات استخدام هذه الطائرات لأغراض محددة، سيصبح من الصعب نزع هذه الصلاحيات مجدداً».
وتزداد المخاوف بين المواطنين من أن تتحول هذه الطائرات التي بدأ العمل على تصنيعها، الى مصدر جديد للتجسس على الأبرياء، كما حصل للهواتف الجوالة عندما ظهرت في السوق أول مرة حيث لم يتم وضع قوانين تضبط الإنفلاش الكبير في إنتشارها مما جعل السلطات الأمنية تستغل الأمر لجمع معطيات وبيانات شخصية لكل المشتركين، وقد ازداد الأمر سوءاً مع تطور تقنية الهواتف الذكية.
وأكدت وايزبرغ أن صناعة الطائرات بدون طيار ستصبح صناعة ثقيلة تدر مليار دولار، لذا من الضروري قوننتها بسرعة خصوصاً وأنها سوف تشمل صناعة «طائرات مدنية».
وفي هذا المجال باشرت شركة «ديترويت إيركرافت»، ومركزها الرئيسي في ديترويت، ببناء مثل هذه الطائرات. وقد أعلن المدير التنفيذي لشركة «أمازون» مؤخراً أن شركة «ديترويت إيركرافت» ستبدأ بحلول العام 2015 بتوزيع رزم إرشادات إلى مستخدمي الطائرات من دون طيار.
عضو مجلس النواب ماكميلان تقدم بمشروع قانون في كونغرس ميشيغن، يحمل الرقم 4455، يهدف الى تقييد استخدام الطائرات الحكومية في سماء الولاية، كما أنه رعى قانوناً آخر وضعته النائب روبنسون وغيرها من النواب. وبدورها، ذكرت روبنسون «إني أشعر أن التقنية الجديدة هذه سوف تخلق مشاكل جديدة ونحن سوف نكون يقظين جداً لهذا التحدي وسوف نكون هجوميين».
وفي السنوات الأخيرة، حاول الإتحاد الأميركي للحريات المدنية إلى الحد من استخدام التكنولوجيا في التجسس على المواطنين وانتهاك خصوصياتهم، لكن القضية لم تثر معارك حزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل تحالف المحافظون والليبراليون من الحزبين للمطالبة بالحد من استخدام الطائرات من دون طيار، التي يراها الحقوقيون على أنها «غزو جديد لخصوصية الأفراد وحقوقهم المدنية»، بحسب ماربرغر.
وهناك تكهنات حول مسألة ما إذا كان من المبكر جداً الآن تقديم تشريعات حول هذه الطائرات طالما أن إدارة الطيران الفدرالية تقوم بمراجعة إرشادات عامة حول التوازن بين الحرية الشخصية للأفراد وسلامتهم العامة ومن المتوقع ألا تنجز قبل عام 2015.
واحتجت وايزبرغ أن الوقت ليس مبكراً للخوض في مسألة سن التشريعات بهذا الخصوص بسبب حقيقة أن هناك حالياً عشرات الآلاف من قوات حفظ الأمن يملكون هذا النوع من الطائرات و«عندما يضع هؤلاء أسسا لاستخدامها لن يعود بإمكاننا العودة الى الوراء وتغيير المعادلة».
وزارة النقل في ميشيغن أعلنت أنها مهتمة بشراء طيارات من دون طيار لكي تقوم بمراقبة الطرقات والجسور إضافة الى إستعمالات أخرى، كما أن شرطة الولاية إشترت طيارات «درون» متقدمة، وهي تنتظر أذناً من إدارة الطيران الأميركي الفدرالي للبدء بإستخدامها كونها الجهة الوحيدة المخولة حالياً للبت بهذا القرار.
يذكر أن مسودة القانون الداخلي لشرطة ميشيغن تمنع بصيغتها الحالية إستخدام هذه الطائرات كسلاح، حسب وايزبرغ، التي كشفت أن هناك وكالات أمنية أخرى قد بدأت بالفعل باستخدام هذه الطائرات دون قانون ضابط لها، وحتى دون العودة إلى إدارة الطيران الفدرالي ونيل موافقتها. وأضافت «يقومون بهذا الفعل بهدوء حتى يتمكنوا من فرض سابقة حول مسألة الإستخدام، حتى إذا جاء أحدنا وقال لهم توقفوا لا نريدكم أن تستعملوا الطائرات فإن جوابهم سيكون فات الأوان والتغيير لن يحصل الآن».
لكن النائب الديمقراطية روبنسون قالت إن «التعديل الدستوري الرابع لا يمنح الأميركيين الحماية من الطائرات من دون طيار في الأماكن عامة». وأضافت «ولكن ما يقلقني فعلاً هو أني إذا كنت في حديقة بيتي الخلفية سيكون بإمكانهم مراقبتي».
وحسب تقارير أمنية فإن شرطة الجمارك وحرس الحدود (سي بي <ـي) درست إمكانية تزويد الطائرات التي تملكها بأسلحة «غير فتاكة»، كما أنها زادت من نشاطها التجسسي الإستطلاعي ما أدى إلى إنتقادات لاذعة من قبل جماعات حقوق الإنسان.
وحول سلامة إستخدام الطائرات بدون طيار المزودة بالأسلحة الفتاكة، اعتبر المواطن كريس غرينوود أن الأضرار الجانبية الناجمة عن إستخدامها لن تكون هامشية كما تدعي السلطات. وقال «إن قتل شخص واحد قد يؤدي بحال حدوث خطا إلى قتل مئة آخرين فكيف سأكون أنا في أمان إذا سكنت قرب الحدود عندما تكون هذه الطائرات غير دقيقة التصويب»، لافتاً الى أن شرطة الحدود تستخدم هذه الطائرات لمراقبة المعابر والمناطق الحدودية مع كندا.
ماربرغر أبدى مخاوفه من استخدام الطائرات الخالية من طيارين لإسكات وتصفية المعارضين. وقال «بعض تأثيرات هذه التقنية السيئة التي قد نشهدها تتضمن خنق المعارضة، السياسية وهكذا إذا تجمع البعض منا لتنظيم إحتجاج ما ضد البنك الفدرالي مثلاً أو الحروب أو التعديات على حقوق الناس هنا في أميركا فهل تستخدم الطائرات من غير طيارين؟ أعتقد أن السؤال يجيب عن نفسه».
وخلصت وايزبرغ إلى القول إن 40 ولاية أميركية بصدد وضع قوانين تشريعية متعلقة بالطائرات من دون طيارين.
وولايتان فقط، إحداهما فرجينيا، منعتا بتاتاً إستعمال هذه الطائرات بإنتظار إرشادات إدارة الطيران الفيدرالي.
والمعلوم أن وزارة الأمن الداخلي تقدم للوكالات الأمنية هبات مالية من أجل شراء معدات تتضمن كاميرات إستطلاع وطائرات من دون طيار.
ولخص أحد المشاركين، براندون لافريج، من مدينة ساون ليون، الوضع بالقول «قلقي الرئيسي هو من الحكومة الفدرالية، أكثر من الحكومات المحلية… لماذا نتحدث عن التعديل الدستوري الرابع أو نتساءل عما إذا كانت الحكومة ستتحول إلى طاغية؟ إن الحكومة تحولت أصلاً ونحن نعرف لتونا أنها تتجسس علينا من خلال الكومبيوترات المحمولة والهواتف». وختم بالقول «نحن نعرف أن الحكومة وحش يخرق الحقوق الأساسية لكل مواطن أميركي وإنسان على وجه الأرض».
Leave a Reply