أمهل المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي طرفَي الصراع في سوريا حتى 27 كانون الأول (ديسمبر) الحالي لتحديد وفدَيهما إلى مؤتمر «جنيف 2» المزمع عقده في 22 كانون الثاني (يناير) المقبل، وسط تقارير تشير بتسليم الغرب ببقاء الرئيس السوري.
ولاشك أن التطورات الميدانية والدولية، جميعها تصب في صالح النظام السوري، في الوقت الذي تواجه فيه المعارضة انتكاسات متتالية كان آخرها فضيحة فرار قيادات «الجيش الحر» من سوريا، بعد فضيحة تسليم مخازن الأسلحة عند معبر باب الهوى الى تنظيمات متشددة، ما دفع الدول الغربية، وعلى رأسها واشنطن الى الإعلان عن إيقاف تقديم المساعدات للمعارضة السورية في شمال البلاد.
المسرح الدولي، بعد اتفاق إيران النووي، أيضاً بات في صالح النظام السوري حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس الماضي، الدور الريادي لبلاده في العالم كمحرك أساس للملفات الدولية ومؤسس للحلول الديبلوماسية، غامزاً من قناة الأميركيين والغربيين، من خلال إعلانه عن تفوق روسيا العسكري ومواجهتها للانحلال الأخلاقي الذي يغزو الغرب.
وفي خطاب إلى الأمة من قصر الكرملين لمناسبة الذكرى العشرين لإقرار الدستور الروسي، دافع بوتين، عن رؤيته لـ«روسيا صاحبة مسؤولية تاريخية في عالم غير مستقر»، قائلاً إن «العالم يزداد تناقضاً واضطراباً. وفي هذه الظروف فإن مسؤولية روسيا التاريخية تتعاظم».
وبالعودة الى موعد الإبراهيمي، فلا يرجح أن يسبب ذلك مشكلة للحكومة السورية، ولكن معارضيها يعانون من الانقسام الشديد والفوضى. وقال ديبلوماسي عربي «التحدي الأكبر هو وفد المعارضة. لا اتفاق حتى الآن». وقال ديبلوماسي غربي «مع كل يوم يمر تزداد المعارضة تشرذماً. يجب أن نتأكد من حضورهم ووحدتهم. ذلك هو التحدي الأكبر».
ويجتمع الإبراهيمي مع مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا في جنيف في 20 كانون الأول سعياً لتسوية مسألة قائمة ضيوف الاجتماع الوزاري التي تختلف حولها الآراء، خصوصاً في ما يتعلق بدعوة إيران والسعودية.
ومع استمرار معارضة السعودية للحل السلمي في سوريا ومواصلتها لدعم المسلحين المتشددين، طلبت دمشق من مجلس الأمن الدولي إتخاذ إجراءات فورية ضد الرياض لدعمها «الفكر التكفيري والإرهاب».
ووجهت وزارة الخارجية السورية رسالتين متطابقتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومجلس الأمن الدولي، طالبت فيهما بإتخاذ الإجراءات المناسبة الفورية لتحميل النظام السعودي المسؤولية عن نشر الفكر التكفيري المتطرف ودعم الارهاب في سوريا الذي لا يهدد سوريا فقط بل المنطقة والعالم بأسره، على حد تعبيرها. وقالت: «إن تبجّح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بإرسال السلاح والإرهابيين الى سوريا أمر في غاية الخطورة يستوجب التوقف عنده ويتطلب من مجلس الأمن اتخاذ اجراء فوري، خصوصاً أن معظم المجموعات الإرهابية مدرجة على قائمة لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن».
إلى ذلك، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن قلق موسكو إزاء «تشرذم» المعارضة السورية التي يتوجب عليها اتخاذ قرار بشأن مشاركتها في «جنيف 2». وقال «حتى اللحظة نرى تفتتاً وتشرذماً»، مؤكداً ضرورة أن تتحلى المعارضة السورية «بالعقلانية وألا تتنازع على تقسيم غنيمة ليست باليد، بل الحضور إلى مؤتمر جنيف 2».
وأعرب لافروف عن أمله في أن «يؤدي جنيف 2 إلى السلم والتسوية ووقف العنف لطرح الظروف المؤاتية التي ستسمح للسوريين بالعودة إلى منازلهم وببقاء سوريا دولة علمانية وديموقراطية». وتابع «مَن يعالج هذه المسألة، ليس الروس ولا الأميركيون ولا دول الخليج، إنما الشعب السوري ذاته».
وقال مصدر في «الائتلاف»، لوكالة «انترفاكس»، إن «ممثلي الائتلاف سيتخذون قراراً بشأن مواعيد زيارة موسكو بعد اللقاء الثلاثي المنتظر بجنيف في 20 كانون الأول ممثلي روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة لبحث التحضيرات لعقد المؤتمر».
الى ذلك، أقر وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل بأن النكسات التي منيت بها المعارضة «المعتدلة»، التي تتراجع أمام المقاتلين الاسلاميين المتطرفين، تطرح «مشكلة عويصة». وأوضح ان «الولايات المتحدة تواصل دعم قوات الجيش السوري الحر الا انها قررت تعليق مساعدتها من الأسلحة غير الفتاكة في شمال سوريا الى حين معرفة من هي المجموعات التي تسيطر على مخازن الأسلحة وعلى نقاط العبور على الحدود التركية». وأضاف «ما حدث يطرح مشكلة حقيقية وسيكون علينا معرفة كيفية معالجتها مع الجنرال سليم ادريس والمعارضة المعتدلة»، موضحاً «عندما تتعرض المعارضة المعتدلة لنكسات، فهذا أمر سيئ، لكن هذا هو ما نواجهه».
وفي تطور دراماتيكي، غادَر قادة مايسمى الجيش الحر إلى أنحاء متفرقة بالعالم بعد أن استولت تنظيمات جهادية إسلامية على مقراته ومستودعاته لتخلق فضيحة أمنية للأميركيين والبريطانيين، فقد وصل رئيس هيئة أركان «الجيش الحر» اللواء سليم إدريس إلى قطر، عبر تركيا، يوم الأحد الماضي، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، أما رياض الأسعد قائد «الجيش الحرّ» فانتقل الى هولندا، ورئيس المجلس العسكريّ مصطفى الشيخ بات لاجئا سياسيا في السويد، وترافق ذلك مع إعلان تركيا إغلاق معبر باب الهوى الحدوديّ بعد استيلاء «الجبهة الإسلامية» على مقار تابعة لهيئة الأركان في الجيش السوري الحر بينها مستودعات أسلحة عند معبر باب الهوى بعد معارك عنيفة بين الطرفين.
وأعلنت فصائل اسلامية اساسية في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تشكيل «الجبهة الاسلامية»، في اكبر تجمع للميليشيات الإسلامية المسلحة، بهدف اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وقيام «دولة إسلامية» في سوريا.
ولكن هيئة أركان الجيش الحر عادت وأكدت أن رئيسها موجود على الحدود السورية التركية نافية «شائعات عن هروبه. وفضيحة «باب الهوى» أخذت بالتفاعل في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، فبعدما كان الحديث يدور عن «معدات غير قاتلة» قدمتها واشنطن ولندن لـ«الجيش الحر»، تبين أن هذه «المعدات»، هي في الحقيقة صواريخ مضادة للطيران والدبابات، وأن من بين الجهات التي إستولت عليها، تنظيم «جبهة النصرة» المصنف «إرهابياً» على اللوائح الأميركية والأممية، ما أجبر الولايات المتحدة وبريطانيا، على الإعلان عن تعليق تقديم هذه «المساعدات»، وفتح تحقيق لتحديد مصيرها، خصوصاً أنها قد تشكل كابوساً أمنياً للدول الغربية نفسها، في ظل عدم وجود إمكانية لتعقبها، وإحتمال إستخدامها خارج سوريا.
وإلى ذلك مازالت التطورات الميدانية السورية والإنجازات التي يحققها الجيش والقوات الموالية له متواصلة بعد السيطرة على مدينة النبك في منطقة جبال القلمون وتشديد الحصار على يبرود ورنكوس من الجهات كافة للقضاء وبشكل نهائي على المنافذ الحدودية المطلة على منطقة عرسال اللبنانية والتي تعتبر أحد أهم مراكز الدعم بالسلاح والمقاتلين للمسلحين في تلك المنطقة، وتوازيا مع ذلك اعلن الجيش عن إستعادته السيطرة على عدة قرى في منطقة السفيرة جنوب شرق حلب.
ولاريب أن التقدم الميداني-الاستراتيجي الذي حققه الجيش السوري أخيراً في مدينة النبك في القلمون شمال دمشق، أسهم بشكلٍ فاعلٍ في تعزيز خطة «درع العاصمة» التي فرضها لحماية الأخيرة، حيث تمكن من قطع أهم خطوط إمداد المجموعات المسلحة التي تبدأ في عرسال وتصل الى مدينة دوما أكبر معاقل المسلحين في الغوطة الشرقية.
ومع اكتمال سيطرة القوات السورية على مدينة النبك التي كانت تحوي مخازن سلاح ضخمة، تتجه الأنظار إلى يبرود التي قد تكون المحطة التالية في معارك السلسلة الجبلية، وهي آخر معاقل المسلحين في المنطقة بالإضافة إلى رنكوس ومعلولا التي اجتاحها المسلحون وخطفوا ١٢ راهبة من أحد أديرتها تم نقلهن الى مكان مجهول يرجح أنه في يبرود.
ورغم استعادة الجيش للنبك وقبلها دير عطية وقارة إلا ان الطريق الدولي بين دمشق وحمص لم يفتح بعد أمام المدنيين، ويتوقع ان يتواصل إغلاقه بسبب سوء الأحوال الجوية. ويعتبر مصـــدر ميداني أن عامل الطقس ســـيكون مهــما في معارك يبرود، وقــد يؤدي إلى تأخير المواجهــات، خصوصاً مع منطقـة ذات طبيـعة جبلية وعرة.
ويشتبك الجيش السوري مع مسلحي المعارضة في أنحاء متفرقة من البلاد، في دير الزور والرقة وحمص وإدلب وحماه وحلب. كما أعلنت دمشق التي باتت تشعر بالأمان نسبياً، سيما بعد صد هجوم الغوطة «الأخير»، عن عودة آلاف الجنود ورجال الأمن المتخلفين عن الخدمة، في إطار مرسوم العفو الذي أصدره الرئيس الأسد.
Leave a Reply