عاد ميشال سليمان من سفرته الجديدة من باريس على مهله ولم يقطعها للعودة إلى بلده كما يفعل الرؤساء عادةً في كافة دول العالم عندما تقع أزمة، ولو صغيرة، في أوطانهم مع أنّّ الدنيا كانت «خربانة» أمنياً في «شبه الوطن» بعد وقوع الإعتداءيَن الإنتحاريَّيْن المُجرمَيْن على الجيش اللبناني وانفجار سيارة مفخَّخة في اللبوة وسقوط صواريخ على الهرمل مجدَّداً وخوف الجميع من موجة المجازر التكفيرية الإرهابية على طريق «جنيف-٢». كل هذا يهون في سبيل التمديد أو التجديد الذي يسعى إليه سليمان مهدِّداً بغضب السعوديين، لا بسبب مؤهلاته القيادية وبرنامج عمله العارم الذي سوف ينتشل البلد من الوضع الذي يجعله متدحرجاً بسرعة إلى حافَّة الهاوية والإنهيار!!
وأول شيء قام به سليمان، بعد رجوعه، هو الإتِّصال بالرئيس الفرنسي الإمبريالي الاشتراكي «الملطوش» فرانسوا هولاند للتباحث معه في الأوضاع الإقليمية والدولية، وهي الترجمة الدبلوماسية للإطِّلاع على سير العمل بالتمديد، مع أنَّه كان قد ودَّعه منذ ساعات. لكن لا الوضع الأمني الداخلي المتدهور ولا غيره كان يستحقُّ إهتمام سليمان الذي وجد في هولاند صديقاً جديداً لأنَّه كان أول من فتح مسألة التمديد لسليمان، فلا صوت يعلو فوق صوت التمديد الذي أضحى سنَّةً جديدة اختطها الرؤساء في بلد لم تُمسخ فيه الديمقراطية في الكون كما مُسختْ في «شقفة الوطن» هذا.
وخلال غياب ميشال سليمان الدائم عن البلد، كانتَ دولة «خيال الصحرا» «مخضوضة» من قتل جندي لبناني لضابط إسرائيلي في الناقورة على الحدود! الجندي الباسل الذي يبدو عنده بعضٌ من كرامة قيل لنا أنَّه خضع للتحقيق بسرية تامة بعد أنْ أردى ضابطاً من العدو كان على ما يبدو موجوداً في دورية تقوم بخرق السيادة اللبنانية (يومياً كالعادة) فقام الجندي بدوره الذي يمليه عليه الواجب الوطني والإنساني، ربَّما من دون العودة إلى مرجعيته لأن قراراً كهذا بالرد يكون عادةً إبن ساعته ولا وقت للمراجعة. ويبدو بعد تبادل إطلاق النَّار مع الدورية المعادية شعر الجندي اللبناني بالخطر لعدم وجود حماية له ولا سنَد بل ربَّما سوف يُعاقَب على فعلته البطولية في بلد الخنوع والذل والإدارة الخارجية للبلد (ألم يُعاقب الجنود والضباط على مقتل الشيخين السلفيين في الشمال بعد عدم امتثالهما للحاجز العسكري ونقلهما اسلحة؟) فهَامَ الجندي على وجهه في الأحراج هرباً من الإحراج إلى أنْ وجدتْه دورية من الجيش اللبناني واقتادتْه للتحقيق بدل منحه وسام الأرز من رتبة فارس، كما يفعل ميشال سليمان مع الوزراء الأجانب أو كما فعل صغار «١٤ آٓذار» مع بولتون الصهيوني الذي مُنح هذا «الوسام» بعد إسهاماته هو وبوش في مسرحية «ثورة الأرز» الهزلية!
لكن المهزلة الكبرى كانت عندما هرعت الدولة المسعورة إلى أنْ تُطمئِن العدو بأنَّ «الحادث» المؤسف «فردي ومعزول» ويمكن يطلع معهم لاحقاً أنَّ الجندي مختل عقلياً.
وقد صرَّح مسؤول للعدو على كل حال أن الدولة المحروسة وعدتْ بالتحقيق مع الجندي ومحاسبته وكل ذلك خوفاً من رد الفعل الاسرائيلي أو وقوع الحرب! ولكن للأسف لا تعرف دولة ميشال سليمان أنَّه لو أرادت اسرائيل الحرب، أو هي قادرة عليها، لاخترعت هي الذريعة «من تحت الارض» كما فعلت في غزو عام ١٩٨٢ متذرعةً بمحاولة قتل سفيرها في لندن على يد عميل الموساد صبري البنا (أبو نضال) لكنها اليوم قبلت تفسير لبنان، لماذا يا ترى؟! ثم لماذا لا تقوم الدولة ولا تقعد عندما تخرق اسرائيل حدود لبنان البرية والبحرية والجوية يومياً وتخطف رعياناً ومواطنين وتركِّب ابراجاً للتجسس وتُرسِل فرق اغتيال لقتل قادة المقاومة، فتستنفر كل أجهزتها وقنواتها الدبلوماسية وتدافع عن كرامة البلد كما تفعل إسرائيل اليوم ؟! وكيف لا نترك الأمم المتحدة لا ترتاح ثانية واحدة من الشكوى المستمرة ضد العدو الذي استباح البلد أمنياً واستخباراتياً ومعلوماتياً وهاتفياً ولا نفعل ربع ما فعل سليمان حيال الشكوى ضد سوريا أمام مجلس الأمن واللاجامعة العربية؟! بل ماذا نتوقع من هكذا بلد أصبح فيه تلفزيون المُرّ الصهيوني يروِّج علناً لإسرائيل من دون محاسبة ولا عقاب؟!!
بالأمس كانت «شجرة عديسة» التي أراد العدو أنْ يقتلعها داخل الاراضي اللبنانية لأنها كانت تحجب عنه الرؤية والتجسُّس على البلد، فأدَّتْ الى مقتل ضابط إسرائيلي لكن الشجرة تم اقتلاعها اخيراً. والظريف أنَّ ميشال سليمان بنى كل استراتيجية الدفاع على «شجرة عديسة» فذكرها عدة مرات على إنَّها مثال للاستراتيجية الدفاعية طبعاً من دون المقاومة. ولم ينبس صغار ١٤ آذار ببنت شفة حول «حادث الناقورة»، ورد فعل العدو والدولة عليه بسبب الإرتباك في موقفهم وهم لو أرادوا الإفصاح عن مكنوناتهم لأنَّبوا الجندي اللبناني على «اعتدائه» على الضابط المعادي مع أنهم يجترُّون ليلاً نهاراً، فقط، موقف الدعوة بتسليم المقاومة لسلاحها إلى الجيش اللبناني وتمكينه من الدفاع عن الوطن أو بتعبير سمير جعجع «البليغ» أنَّ المقاومة لا تحيد عن الدرب حتَّى يقوم الجيش اللبناني بواجب الدفاع! ولو قُيِّض لجماعة «١٤ عبيد زغار» رسم السياسة الدفاعية لاستعانوا بدموع السنيورة وشاي فتفت و«خبرات» سمير جعجع في الإغتيالات!
إنَّ إسرائيل اليوم مثل «بالع الموسى» فهي دأبت منذ شهر أو أكثر، وقبل استهداف شهيد المقاومة هولو اللقيس، بتهديد وترويع المقاومة كلامياً وإطلاق التصريحات اليومية تقريباً حول جهوزية جيشها ومناورات النخبة فيها إلى درجة أنها “كشَفَتْ” عن موكب السيِّد حسن نصرالله الأمني وتفاصيل حمايته والكل يعرف أنَّ كل هذا هراء فلو هي قادرة على اغتيال السيِّد لَمَا تراجعتْ لحظةً واحدة للتخلُّص من عدوها اللدود ولو كانت قادرة على تدمير المقاومة لَمَا توانتْ عن قلعها من جذورها بصواريخها وعتادها لأنَّها تشكِّل أكبر خطروجودي عليها خصوصاً اليوم بعد أن اكتسبتْ خبرات قتالية عالية في سوريا. والمفارقة أنَّ الأدوار تبدَّلتْ ففي حين أضحتْ اسرائيل تتحدتْ عادةً عن خططها الحربية و«عنترياتها» علناً على شاكلة الأنظمة العربية الرجعية الغبية مثل «دونكيشوت» الذي حارب طواحين الهواء، تلتزم المقاومة بالصمت المطبق ممَّا يزيد من توتر وقلق وردع العدو التاريخي الذي لم يكن يخاف ويرتدع يوماً ولم يكن ليتوانى عن استباحة لبنان وأي بلد عربي في أي وقت قبل عصر المقاومة، ولهذا السبب تعاني إسرائيل من أزمة اليوم فهي لا تريد حرباً مجهولة الأهداف والنتائج ضد عدو شرس وخطير، وفي الوقت نفسه لا تريد تصدُّع صورة الردع لديها وهيبتها التي بنتْ أسطورتها عليها بالرد الفوري والسريع على كل عملية أمنية ضدها ولو كانتْ من «مجرد» جندي لبناني في الناقورة. فسلاح المقاومة وصواريخها وخبراتها ورصدها للعدو كل ثانية هي التي تمنع إسرائيل اليوم من الرد مع احترامنا للجيش اللبناني الذي يتعرَّض اليوم للمؤامرة التكفيرية الصهيونية التي هي أشد خطراً من المؤامرة الصهيونية الإسرائيلية.
لقد رُسم في البلد النافي لنفسه خطٌّ واضح بين المجرمين التكفيريين وأنصارهم من قاتلي الضابط سامر رزق الذين اعتبروا محمد الظريف «شهيداً مظلوماً» مع صهره الفلسطيني واللذان قُتلا على حاجز مجدليون، والذين بدأوا يشنون عمليات إنتحارية ضد الجيش في الشمال والجنوب مستحضرين المجرم أحمد الأسير الفار كالغزال وكأنه بطل مغوار، وبين الذين يريدون العيش بكرامة ومنعة وشرف وسط المعادلة المشرِّفة وهي المقاومة والشعب والجيش ومن ضمن هذه المعادلة ذاك الجندي الذي فتح النار في الناقورة وزميله في عديسة فاقتلعا شجرة الذل والعار ورسَّخا زمن الهزَّة والإنتصار ولو كره التكفيريون والمجعجعون والمتآمرون.
Leave a Reply