في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وما يحمله من تغييرات واختلاط بالمفاهيم، كان لا بد للحكومة الفدرالية أن تمول برامج توجيهية وتثقيفية لشرح النظام الجديد للمواطنين.
فنظام الرعاية الصحية الجديد المعروف باسم «أوباما كير» لا يزال غير واضح لكثير من الأميركيين رغم البدء بتطبيقه مطلع العام الجاري، بما يتضمنه من إلزامية الحصول على تأمين صحي لجميع السكان، وإلا سيواجه المخالفون غرامات مالية تقتطع من العائدات الضريبية.
وسيتولى مركز «أكسس» في ديربورن، عبر «ملاحين» متخصصين، مساعدة السكان للتعرف على نظام التأمين الصحي الجديد. ويعتبر مركز «أكسس» واحداً من أربع مؤسسات غير ربحية، حصلت على منحة فدرالية بقيمة ٢.٥٤ مليون دولار لتمويل برنامج الملاحين في عموم ولاية ميشيغن، كانت حصة «أكسس» منها ٢٧٧ ألف دولار.
وبرنامج «الملاحين» يهدف الى شرح النظام الجديد لسكان الولاية، سيما لأبناء الجاليات والمهاجرين الذين لا يجيدون الإنكليزية وتوجيههم للحصول على أفضل بوليصة ممكنة.
ومهمة العاملين في هذه البرامج الممولة من الحكومة الفدرالية إرشاد السكان الى أفضل برامج التأمين الصحي المناسبة لهم في حال عدم تأهلهم لنظام «ميديكير» الحكومي الذي تمت توسعته في ميشيغن العام الماضي، ليشمل شرائح جديدة من محدودي الدخل ويتماشى مع المعايير الفدرالية الجديدة.
متطوعو «أكسس» يساعدون الراغبين في التسجيل لنظام «أوباماكير» |
مدير «مركز الأبحاث والصحة الإجتماعية» في «أكسس»، عدنان حمد، يشرف حالياً على برنامج «الملاحين» ويقول إن البرنامج يعني الكثير للعرب الأميركيين «من زاوية إستراتيجية»، لأنه قبل «أوباماكير» كانت مسألة التأمين الصحي واحدة من أبرز المشاكل التي تعاني منها الجالية العربية، لافتاً الى أنه على مدى العقدين الماضيين تراوحت نسبة غير المشمولين بأي نوع من التأمين الصحي من سكان ديروبرن بين 25 إلى 35 بالمئة من مجمل سكان المدينة، في حين أن نسبة هؤلاء على مستوى مقاطعة وين لا تتجاوز ٩ بالمئة.
متطوعو «أكسس» يساعدون الراغبين في التسجيل لنظام «أوباماكير» |
واعتبر حمد أن هذه النسبة المرتفعة تعود إلى «ثقافة» المهاجر العربي، ووضعه الإقتصادي -الذي غالباً ما يكون صعباً جداً عند وصوله الى هذا البلد- إضافة الى صعوبة الحصول على تغطية «ميديكير» التي تتطلب شروطاً دقيقة من غير حاملي الجنسية الأميركية. وأشار الى أن العديد من العائلات العربية عانت بسبب افتقادها للتأمين الصحي، حيث اضطرت الى بذل الغالي والنفيس لعلاج مرض أو حادث أصاب أحد أفرادها. وأحياناً تكون العلاجات مكلفة جداً وتتسبب بإفلاس العائلة.
ولهذا -يعتبر حمد- أن نظام «أوباماكير» (بنسخة ميشيغن) جاء ليحل مشكلة كبيرة للجالية، عبر توفير برامج التأمين الصحي بأسعار مقبولة.
والجدير بالذكر أن ميشيغن تبنت نظاماً خاصاً يتماشى مع المعايير الفدرالية، وذلك بعد إقرار كونغرس ميشيغن لقانون توسعة «ميديكير» ليشمل حوالي نصف مليون شخص إضافي من محدودي الدخل والفقراء. علماً بأن تحديد الأهلية للحصول على تغطية «ميديكيد» تختلف من حالة الى أخرى، وفق الدخل والحالة الإجتماعية وعدد الأولاد وغيرها من المعايير المحددة.
ويأتي النظام الجديد ليمنح الجميع فرصة الحصول على التأمين الصحي بأسعار متدنية، عبر «نظام التبادل» المعمول به في ميشيغن والذي يشمل ١٤ شركة توفر عشرات بوالص التأمين بما يناسب جميع الفئات الإجتماعية، وهنا يكمن دور «الملاحين» في إيجاد أفضل البرامج المناسبة لكل شخص حسب وضعه الإجتماعي والإقتصادي والصحي.
وهذه البرامج التي يتم التسجيل لها عبر الإنترنت لا علاقة لها ببرنامج «ميديكير» الحكومي، ولكنها أيضاً تنال دعماً من الحكومة الفدرالية.
فالشركات الخاصة توفر للمستهلكين لائحة من خطط التأمين الصحي، حيث قد تصل خيارات الشخص الواحد الى حوالي ٥٠ بوليصة بتغطية وأسعار متفاوته. إلا أن ما يميز النظام الجديد لا شك هو الدعم الحكومي الذي يخفض كلفة الدفعة الشهرية المتوجبة على المستهلك عبر مرتجعات ضريبية (تاكس كريديت). مثلاً إذا إختار الشخص شراء تأمين بكلفة 360 دولار شهرياً قد تغطي الحكومة الفدرالية حوالي ٣٠٠ دولار منها -حسب الدخل والوضع الإجتماعي- وعندها يكون لدى المستهلك خياران: إما تحديد دفعته الشهرية عند 60 دولاراً شهرياً بعد استخدام الدعم الحكومي مباشرة، أو الإنتظار حتى نهاية العام والحصول على المرتجعات الضريبية (٣٠٠ دولار شهرياً). وفي الغالب -حسب نانسي بري المتطوعة ببرنامج الملاحين في «أكسس»- فإن أكثر من 95 بالمئة من المتقدمين يطلبون استخدام الأموال الفدرالية فوراً وتحجيم دفعاتهم الشهرية الى أقل مبلغ ممكن.
ويقول حمد إنه بحلول الأسبوع الماضي تقدم حوالي 3400 شخص عبر «أكسس» للحصول على التأمين الصحي عبر النظام الجديد، وإن نسبة العرب الأميركيين فاقت الـ80 بالمئة منهم. ويضيف أن مركز «أكسس» جاهز لتلبية 6800 طلب هذا العام ولن يتوقف عن قبول طلبات التقدم حتى لو فاق عدد المتقدمين الحد الأقصى المتوفر. ويتوقع حمد أن فترة التسجيل التي سوف تنتهي بشهر نيسان (أبريل) القادم لن تكون المهلة الأخيرة، بل سوف يفتح باب التسجيل مرة أخرى أمام السكان من أجل فرصة الحصول على تأمين صحي عبر برنامج «أوباما كير».
وحسب حمد، هناك 30 موظفاً يعملون لمساعدة السكان في الحصول على التأمين الصحي المناسب، كل منهم ينجز حوالي 65 طلباً أسبوعياً.
صعوبات
إحدى هؤلاء الموظفين، نانسي بري، التي تحدثت لـ«صدى الوطن» عن الصعوبات التي تواجههم أثناء عملية تعبئة طلبات المتقدمين، مثل عدم وجود بريد إلكتروني للشخص المتقدم أو جهله بأبسط قواعد الإنترنت، وهذا بالضبط ما دفع الحكومة الفدرالية لتخصيص منح لمؤسسات غير ربحية مهمتها مساعدة هؤلاء.
وأشارت بري الى بعض الصعوبات الأخرى التي تحدث عند خدمة كبار السن حيث معظمهم لا يعرفون تحديد الدخل الشخصي وبعضهم تشمله تغطية ميديكير أو ميديكيد ولا يدركون ذلك.
وللتسجيل عبر الموقع الإلكتروني المخصص لنظام «أوباماكير» يتوجب على المتقدمين إعطاء بريدهم الإلكتروني من ضمن بيانات أخرى. وعند عدم توفر بريد الكتروني، تضطر بري وزملاؤها الى فتح بريد جديد ومن ثم يتابعون عبره عملية تقديم الطلب.
وتضيف بري أن هناك صعوبة أخرى في الموقع الإلكتروني الذي يتوقف عن العمل من وقت لآخر بسبب الضغط الكبير عليه. وأضافت «في البداية لجأنا إلى تعبئة الطلبات على الورق، فالموقع كان معطلاً، وهذا ما تسبب بتأخير طلبات الكثيرين الذين لا يزال بعضهم يراجعنا الى الآن.. وفي بعض الحالات قمنا بإعادة تقديم الطلب إلكترونياً».
وتقول بري أيضاً «سعياً من أجل خدمة أكبر عدد ممكن من السكان»، افتتح «أكسس» مكتباً في مستشفى «أوكوود» من الساعة الخامسة وحتى التاسعة مساءً كل نهار ثلاثاء من أجل تأمين فرصة للموظفين أصحاب دوام العمل المتأخر، «لأن مكاتبنا تغلق عند الساعة الخامسة»، «كما أننا إبتكرنا فكرة جديدة للتسجيل عبر التسجيل الجماعي فنهار الأربعاء 29 كانون الثاني (يناير) نظمنا حصتين تضمنت الواحدة حوالي 20 شخصاَ واستمرت لمدة ثلاث ساعات. وخصصت هاتان الحصتان للمتقدمين الذين لديهم خلفية في استعمال الكمبيوتر. وتضيف بري أن الفكرة قابلة للتكرار في حال توفر العدد المطلوب من الراغبين في التسجيل ويمكن الإتصال على الرقم 4903-207-313 لطلب المشاركة في هذا النوع من التسجيل. قامت «صدى الوطن» بحضور خدمة التسجيل الجماعي الذي حضره ثلاثة متطوعين من جمعية «covenant community care» «معهد الرعاية الصحية» من أجل المشاركة في مساعدة المواطنين في التسجيل للبرنامج بحضور موظفي «أكسس».
فؤاد، مهاجر من اليمن، شارك في التسجيل الجماعي وتعرف على برنامج «أوباماكير» عبر شاشة التلفاز، لكن تمت خدمته عبر «الميديكيد»، وليس عبر تأمين صحي من «سوق التبادل» في ميشيغن، ويقول «بناء على البيانات الإجتماعية والإقتصادية حصلت على تغطية ميديكيد، لي ولزوجتي». أما صبحي، من اليمن أيضاً، فقد حصل اليوم على تأمين صحي من شركة «توتال هيلث» بإعانة ضريبية من الحكومة بلغت نسبتها 94 بالمئة من سعر البوليصة، وقد وصلت الدفعة الشهرية الى 60 دولاراً.
Leave a Reply