حقق العرب الأميركيون في ديربورن خلال السنوات القليلة الماضية إنجازات سياسية بارزة ظهرت بتوليهم قيادة المجلس البلدي والمحكمة والشرطة والمجلس التربوي. وهذا النجاح لم يأت من الفراغ، بل جاء نتيجة رؤى وجهود غاية في الجدية والمثابرة انطلقت قبل عقود وتستمر بجهود نشطاء وقادة الجالية الذين طوروا مفهوم المشاركة في الحياة السياسية مع الإبقاء على خصوصية الصوت العربي.
عدسة عماد محمد |
وهذا ما بدأ اليوم يتبلور ويبرز بشكل لافت في الحياة السياسية بديربورن، خصوصاً في أوساط الشبان والشابات من الجيل الجديد.
مطلع هذا العام، إحتفلت الجالية العربية في ديربورن بفوز المحامية والناشطة السياسية سوزان دباجة برئاسة مجلس بلدية ديربورن كأول إمرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ المدينة. وفي عام ٢٠١٢ كذلك إحتفلت الجالية بفوز المحامي سالم سلامة بإنتخابه قاضياً في محكمة ديربورن (١٩) متفوقاً على القاضي السابق ريتشارد وايغونيك، قبل أن يتم تعيينه من المحكمة العليا رئيساً لمحكمة المدينة التي تضم ثلاثة قضاة.
كذلك فإن رئيس شرطة ديربورن الحالي رونالد حداد، هو عربي أميركي وأول شخص من الجالية يتبوأ هذا المنصب بعد تعيينه في العام ٢٠١٠ من قبل رئيس البلدية جاك أورايلي.
كما إنتخب الشهر الماضي حسين بري لرئاسة المجلس التربوي في منطقة ديربورن التعليمية التي يشكل العرب الأميركيين حوالي ٦٥ بالمئة من طلابها.
وحسب الإحصاء الفدرالي لعام ٢٠١٠، يشكل العرب الأميركيون ما يقرب من ٤٠ بالمئة من عدد سكان ديربورن الذي يقدر بحوالي ٩٩ ألف نسمة.
«بدأت الجالية تدرك حجم ومكمن قوتها»، يقول ناشر صحيفة «صدى الوطن» وأحد مؤسسي اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك)، الزميل أسامة السبلاني الذي يؤكد على شعوره بالإعتزاز والفخر -كما جميع أبناء جاليتنا- بسبب النجاحات السياسية التي ما كانت لتتحقق لولا جهود حثيثة استمرت لعقود. لكنه استدرك في أن ما أنجز حتى الآن هو «أقل مما يجب»، وأضاف «بالواقع طموحاتنا أبعد من ذلك.. ولهذا السبب بدأنا العمل في الجريدة، لقد كان الهدف الأساسي من وراء تأسيس هذا الصرح الإعلامي هو الترويج للعربي الأميركي في الحياة العامة الأميركية».
وقال السبلاني: «منذ أيام تأسيس الجريدة» العام ١٩٨٤ وحتى اليوم عوالم بأكملها تغيرت وتبدلت حيث أن «صدى الوطن» كانت تفتش «بالسراج والفتيلة» عن أشخاص ومواضيع تكتب عنهم على صفحاتها، أما اليوم فإنها لاتكاد تلحق بكثرة المواد والأفراد الذين يستحقون أن يكتب عنهم أو يتم تسليط الضوء على إنجازاتهم بسبب النجاحات الكبيرة المتنامية يومياً داخل الجالية والتي سنرى نتائجها أكثر في المستقبل»، لاسيما في مدن هامة مثل ديربورن هايتس وهامترامك «هناك سوف نشهد صعوداً بارزاً للصوت العربي في الإنتخابات المحلية القادمة».
والمعروف أن المرشح اليمني الأميركي الدكتور عبدالكريم الغزالي تمكن من التغلب على رئيس بلدية هامترامك كارين ماجويسكي في الإنتخابات الأولية في العام الماضي لكنه خسر بفارق ٩٨ صوتاً في الإنتخابات العامة، ولو نجح لكان أول عربي يمني يتسلم رئاسة بلدية المدينة.
إسماعيل أحمد المدير السابق لمصلحة الخدمات الإنسانية الحكومية التابعة لولاية ميشيغن وأحد مؤسسي مركز «أكسس»، قال «إن المجتمع يتغير حيث أنه في الثمانينات كان السعي إلى إنتخاب عرب أميركيين إلى مناصب عامة ضرباً من المستحيل لكن اليوم أصبح هذا الأمر متاحاً». وأضاف «كانت هناك أقلية من العرب في مواقع قيادية ولكن الآمال كانت أكبر بوصول الجالية إلى تحقيق توازنات جديدة».
وفي حين يتغير وجه أميركا الديمغرافي يومياً بنمو الأقليات المضطرد ليصل -حسب التوقعات- إلى ٤٩,٩ بالمئة من عدد السكان بحدود العام ٢٠٥٠ حسب تقديرات التعددية ممن سيتبوأون مناصب حكومية منتخبة ومواقع قيادية ثابتة سوف ينمو ويزداد أيضاً. ففي إنتخابات نوفمبر الماضية إنتخبت أول إمرأة من أصل لاتيني عضواً في مجلس بلدية ديترويت التي تشهد تحولات ديموغرافية متصاعدة.
وأشار المحامي علي حمود، نائب رئيس «أيباك» بالقول «إن الجالية العربية الأميركية قد حققت تقدماً معتبراً في المعترك السياسي خلال السنوات العشر الماضية».
وتابع «كنت أتوقع أنه في المستقبل سوف يفوز العرب الأميركيون بالإنتخابات المحلية بديروبرن وسيتمكنون من تمثيل ناخبيهم العرب، لكني لم أتوقع تحقيق ذلك بهذه السرعة.. عندما كنت طفلاً هنا لم أكن أتخيل اليوم الذي سيأتي ويمثلني فيه قرين لي.. بالثقافة والشكل والكلام وطريقة التفكير والإهتمامات». وأضاف حمود «تُعرف ديربورن في كافة أنحاء الولايات المتحدة بأنها مدينة متنوعة والآن مسؤولينا المنتخبين يؤكدون هذا الأمر».
ويعرف أن «أيباك» تأسست عام ١٩٩٨ من أجل تنظيم ودعم النشاط السياسي للعرب الأميركيين، واكتسبت عبر السنوات ثقة الناخب العربي في منطقة ديترويت، بسبب آلية عملها والديمقراطية التي تتميز بها في اتخاذ قرارات تبني المرشحين الأقرب لمصالح الجالية العربية.
وقبل ولادة «أيباك» كان العمل السياسي العام للعرب الأميركيين في المدينة شبه معدوم.
ففي فترة الثمانينيات تؤكد جمانة جودة، رئيسة «مجلس نساء الأعمال العربيات الأميركيات»، أنه لم يكن أحد يتخيل منذ ثلاثين سنة مضت أن يصبح العرب في هذه المواقع القيادية التي يتبوأونها اليوم. ولكنها قالت «منذ ٣٠ سنة كانت الجالية تفكر كيف تكون نشطة وفي التسعينيات بدأت الأمور تتغير وتتطور». وأشارت جودة التي تولت في الثمانينيات إدارة حملة سوزان سرعيني لعضوية المجلس البلدي الى أنها «شعرت بالحاجة الى بذل جهد كبير ومتواصل» من أجل التغلب على الصور النمطية السيئة الكثيرة حول العرب الأميركيين.
وقد إتفق أحمد وجودة على أنهما يفضلان رؤية المزيد من العرب الأميركيين يحتلون مناصب إدارية عليا في مجال الأعمال أو في المجالس التشريعية على مستوى الولاية أو على المستوى الفدرالي.
وأشار أحمد الى أن الترشح لمواقع فدرالية أمر صعب بسبب وجود الكراهية العنصرية المحيطة بالعرب الأميركيين والمسلمين. وقال «يكاد يتوجب عليك أن تخفف من ظهورك كعربي أميركي إذا ترشحت لهكذا مواقع ومن النادر أن ترى عربياً يترشح لهذه المناصب».
أما حمود فزادَ على القول أنه بالرغم من أن العرب الأميركيين قد يظنون أنهم ممثلون على الصعيد المحلي لكنهم ليسوا كذلك على صعيد الولاية. «نحن بحاجة إلى مزيد من العرب الأميركيين في مجلسي النواب والشيوخ بلانسنغ، وكذلك في حكومة الولاية.. وذلك من أجل إيصال أصواتنا ومعالجة قضايانا ووقف العنصرية والتمييز ضدنا. حتى في مدينة ديربورن فإننا لسنا ممثلين بشكل كاف في دائرتي الشرطة والإطفاء. وكجالية يجب ألا نكتفي بنجاحاتنا وننام على حرير بل علينا السعي لتحقيق المزيد».
الجيل القديم من الجالية وطد وجود العرب الأميركيين في هذه المنطقة لكن معظم اهتماماته انصبت على الجانب الإقتصادي لتوفير لقمة العيش الكريمة في «بلاد الفرص»، لكن ذلك لم يمنعهم من بناء أسس للمستقبل.
والمستقبل السياسي للجالية يبدو مبشراً لأن الجيل الشبابي الصاعد مختلف بشكل كبير عن سلفه لناحية انخراطه بالحياة السياسية العامة، لأنه جيل تربى في كنف مهاجرين حملوا ثقافتهم العربية الى الولايات المتحدة وزرعوها في أبنائهم الأميركيين.
فاي بيضون مدير غرفة التجارة الأميركية العربية، قالت إنها متحمسة لما سيفعله الجيل الجديد «فهم منخرطون بالحياة السياسية أكثر من الأجيال السابقة». «أنا فخورة ولي الشرف لما يحصل في ديربورن، إنها خطوة جبارة للجالية ونحن نحتاج إلى أن ندعم كل شخص يسعى للحصول على مناصب عامة طالما يتمتع بالمواصفات الملائمة».
ويقول حمود «إن حركة الشباب في الجالية هي من القوة والنظرة المتجددة إلى الأمور لكننا نحتاج إلى تحقيقها من خلال رؤساء المنظمات والمسؤولين الحكوميين. هذه الجالية تملك الكثير من المحامين والباهرين في أعمالهم ونحن بحاجة إلى أن نخطو الخطوة التالية ونحوّل الأفكار الخلاقة إلى برامج ومبادرات لمساعدة الجالية. نحن بحاجة إلى تنظيم أنفسنا لنساعد بعضنا ونتواصل بفعالية أكبر وأنا أتطلع بشوق إلى اليوم الذي يصل فيه أحد شبابنا إلى موقع المدعي العام أو الحاكم».
جودة قالت إن العديد من أبناء الجالية عملوا بجد واجتهاد لعدة حقب على أمل إيصال الجالية إلى ماهي عليه الآن. وعقّب السبلاني على ذلك بالقول «إن الهدف هو دفع الناس للمضي قدماً.. وعلينا أن نقدر مافعله الجيل القديم لهذا الجيل حتى وصل إلى هذا النجاح». وأضاف «كذلك فإن مسؤولية الجيل الجديد هي في التفوق على إنجازات الجيل القديم والمساعدة على تهيئة الجيل اللاحق على أن يصبحوا قادة المستقبل». وأكد السبلاني «إن غاية الجالية هو عدم إختيار الناس لمواقع قيادية أو إنتخابهم لمراكز حكومية فقط لأنهم ببساطة من العرب بل المهم جداً في الموضوع هو أن يكون هؤلاء المسؤولين المنتخبين أصدقاء للجالية ويتوافرون على صفتي التسامح والتساهل في العمل مع الجالية ومعالجة حاجاتها».
وخلص السبلاني إلى القول «لا يجب على قادة الجالية الحاليين تسليم الراية للجيل الجديد ثم التنحي. سنكون موجودين بقوة من أجل النصح والإرشاد ونعمل كوسيلة دعم وإسناد لهم».
Leave a Reply