لم يحمل أسبوع مفاوضات جنيف بين وفدي الحكومة السورية و«الائتلاف المعارض» أي خرق يذكر في الأزمة السورية التي باتت مصدر صداع أوروبي-أميركي اسمه «الجهاديون الغربيون»، لا يمكن التعامل معه دون التنسيق الأمني مع دمشق، التي لا زالت مفاتيحها بيد الرئيس بشار الأسد.
بانتظار جولة جديدة من المفاوضات متوقعة في ١١ شباط (فبراير)، يبدو أن القاسم المشترك الوحيد الذي اتفق الطرفان عليه بدون جدل هو وقوفهما يوم الخميس دقيقة حدادا على أرواح ضحايا الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات، ولكن الحديث عن جنيف تحت عنوان مكافحة الإرهاب، بات الشغل الشاغل للدول الكبرى، حيث يستعيد وزيرا الخارجية الروسي والأميركي زمام الملف في لقاء يعقد بمدينة ميونيخ على هامش مؤتمر الأمن والذي يشكل المقاتلون الإسلاميون في سوريا الهاجس الأول فيه.
إقليمياً، برز تحول لافت في مواقف أنقرة، إذ أُعلن عن قصف المقاتلات التركية لمواقع تتبع لـ«داعش» شمال البلاد فيما توجه رجب أردوغان إلى طهران في زيارة فسرها مراقبون أنها «انقلاب تركي» على تحالفاته الغربية بعد فشل مشروع إسقاط النظام السوري واشتداد الخناق على حكومة أردوغان في الداخل التركي. وهذا الموقف مع ما يحمله من خلط للأوراق في الأزمة السورية ليس وحيداً من نوعه، حيث بات الغرب يبحث له عن مخارج في السر والعلن بعد الاعتراف بوجود آلاف الارهابيين في سوريا ما بات يحتم ضرورة شن «حرب عالمية على الارهاب» ستكون لدمشق دورها الأساسي فيها. وبانتظار أن تبدأ الدول الغربية التفافاتها، واحدة تلو الأخرى، يواصل الجيش السوري تقدمه الميداني في أنحاء متفرقة من البلاد.
مفاوضات
أعلن الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي انه خلال مفاوضات جنيف تم بحث مواضيع حساسة تخص الامن والارهاب. وقال في مؤتمر صحفي إنه تم الاتفاق على أن الارهاب «مشكلة هائلة» في سوريا، إلا انه لم يتم التوصل بعد الى اتفاق حول كيفية التعامل مع هذه المشكلة. وعن سير المفاوضات قال الابراهيمي انه كانت هناك لحظات عصيبة خلالها وأخرى واعدة، لافتا الى أنه ستعقد يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد) الجلسة الاخيرة من «الجولة الأولى» وسيتم خلالها استخلاص العبر واصدار بعض الملاحظات، من دون بيان ختامي.
وحول تقديم المساعدات الانسانية الى المناطق المنكوبة في سوريا قال الإبراهيمي إن ظنه خاب من عدم التوصل الى اتفاق حول هذا الموضوع، ولفت الى أنه تم إدخال حوالي 600 سلة غذائية الى مخيم اليرموك بدمشق، تزن الواحدة منها 61 كلغ وتكفي لمدة شهر تقريبا لعائلة مكونة من خمسة أفراد.
أما فيما يخص مواقف الطرفين المتفاوضين فأقر الإبراهيمي انه لم يطرأ تغيير يذكر فيها. كما أعلن انه كان يجب على المعارضة السورية تشكيل «وفد مقنع» في المفاوضات، مؤكداً ترحيبه بأي توسع فيها مستقبلا.. وأعرب الإبراهيمي مختتما المؤتمر عن أمله في اجراء مناقشات بناءة أكثر خلال الجولة الثانية من المفاوضات، مؤكداً انه سيبقى على اتصال مع الطرفين حتى حينها.
وكان وفد «الائتلاف» قد رفض مشروع بيان حول مكافحة الإرهاب تقدم به الوفد الحكومي والذي يدعو إلى التزام الجميع بسيادة سوريا واستقلالها ورفض كل أشكال التدخل الخارجي ووقف التحريض الإعلامي لتبرير ودعم الأعمال الإرهابية، كما دعت الوثيقة السورية الدول إلى وضع حد لتجنيد الإرهابيين والامتناع عن تزويدهم بالسلاح أو تدريبهم أو إيوائهم ومنع وإيقاف تمويل الأعمال الإرهابية والمساعدة في مواجهة الإرهاب استناداً إلى التزاماتها الدولية ووقف كافة أعمال التحريض ونشر الفكر التكفيري.
وينص المشروع الذي رفضه الإئتلاف دون إبداء الأسباب على تبادل المعلومات الأمنية المتعلقة بتحركات الإرهابيين وشبكاتهم كما يدعو دول الجوار لضبط حدودها.
المتحدث باسم وفد الائتلاف لؤي صافي أكد رفض مشروع البيان الحكومي، متهماً النظام السوري بأنه يصعّد من القتل في سوريا. صافي قال في مؤتمر صحفي إن هناك خلافاً كبيراً «بيننا» وبين النظام حول «جنيف 1» وبنوده مضيفاً «أنه لا يمكن المضي في النقاط الأمنية باتفاق «جنيف 1» قبل إنهاء موضوع الهيئة الانتقالية».
تصويب سوري على السعودية
قال نائب وزير الخارجية السوري وعضو الوفد الحكومي السوري إلى محادثات «جنيف 2» فيصل المقداد إن السعودية تفسد المباحثات في جنيف وتفتي بهدر دماء السوريين وتوفر كل إمكانياتها لتدمير الدولة السورية.. وأنها بقرار مباشر من أجهزتها تدعم المجموعات المسلحة ولا تنفي ذلك.
وكشف المقداد أن رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان فشل في زيارته إلى روسيا التي مكث فيها 15 يوماً، كما أكد أن الأمير السعودي زار إسرائيل خلال الأشهر الماضية، كما اتهم وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بزيارة إسرائيل مؤخراً بشكل سري.
ورحّب المقداد بالموقف التركي الجديد من الأزمة السورية، وشنّ في الوقت نفسه هجوماً على وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو قائلاً إنه «يجب على أردوغان أن يربي وزير خارجيته الذي أدلى بتصريح في افتتاح أعمال مفاوضات جنيف 2، لما فيه من قلة الأدب وعدم احترام الآخرين والقانون الدولي، متهماً إياه بالكذب من الكلمة الأولى حتى الأخيرة في خطابه».
واعتبر المقداد أن السفير الأميركي روبرت فورد قد يكون المرشد لـ«داعش» و«الإخوان المسلمين» في سوريا، مؤكداً على أنه فشل فشلاً ذريعاً بالتعامل مع الملف السوري وهو سفير غير مرغوب به في سوريا.
وكشف المقداد عن أن بعض الدول الأوروبية اتصلت بالدولة السورية سياسياً وأمنياً، وأن معظم هذه الدول تريد العودة إلى دمشق. وشدد على أن إيران ورغم غيابها الظاهري عن محادثات «جنيف 2» إلا أنها حاضرة في قلب العملية التفاوضية.
وقال مندوب سوريا في الأمم المتحدة إن 300 مسلح سعودي معتقلون بيد الجيش السوري الذي قتل أيضاً الآلاف من المقاتلين السعوديين في الهجمات الأخيرة، مؤكداً أن كل هؤلاء أتوا إلى سوريا بعلم المخابرات السعودية.
وقال الجعفري «جميع السعوديين الذين قدموا إلى سوريا قدموا بعلم المخابرات السعودية.. عدد كبير منهم كان محكوماً إما بالإعدام أو بمدد طويلة. وكان مسجوناً في السجون السعودية وأطلق سراحه من أجل أن يذهب للجهاد في سوريا».
قلق غربي
يوماً بعد آخر يزداد هلع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من المسلحين الأجانب الذين غزو سوريا لقتال دولتها. وتعابير «القلق» التي كانت مكتومة، باتت اليوم علنية وتترد على ألسنة المسؤولين الغربيين بصوت مرتفع. وفي هذا السياق أدلى مدير الإستخبارات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، عن معلومات جديدة أمام جلسة لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ تؤكد وجود ما لا يقل عن سبعة آلاف مقاتل أجنبي من نحو 50 بلدا بينها دول كثيرة في أوروبا والشرق الأوسط.
هذا التقدير الاميركي، ربما يكون الاقل، إذ ان هناك تقديرات أخرى تشير إلى أضعاف هذا الرقم بمرتين أو ثلاث وربما أكثر، لكن اهمية التقدير الاميركي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القلق بات حقيقة واقعة بأن هناك مخاطر حقيقية تتهدد الدول الغربية التي هيأت وساندت ووفرت الدعم لهذا الحشد من الإرهاب المتعدد الجنسيات من أجل اسقاط نظام الحكم والدولة في سوريا.
أجهزة المخابرات الأميركية التي لم تذكر علناً هذا الرقم سابقاً رغم وروده في تقارير سريّة، ليس إلا رأس جبل الجليد، فرئيس هيئة الاستخبارات الاسرائيلية أفيف كوخافي تحدث عن 30 ألف مسلح أجنبي يقاتلون في سوريا
كما تحدثت تقارير مراكز الدراسات عن ارقام مماثلة بينها تقرير للمركز الدولي لدراسة التطرف في «كينغز كولدج» في لندن، تحدث عن أكثر من 11 ألف مسلح أجنبي من أكثر من 70 دولة.
وللأمم المتحدة تقديراتها أيضاً، فمبعوثها الإبراهيمي، تحدث عن أكثر من 40 ألف مقاتل اجنبي فقط في سوريا.
هذه الارقام من شأنها أن تثير قلق الدول الغربية، إذ أن عودة هؤلاء المسلحين إلى بلادهم ستنعكس على الاستقرار الأمني فيها، إذ أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند صراحة عن وجود 700 شاب فرنسي وأجنبي غادروا الاراضي الفرنسية للمشاركة في المعارك في سوريا، في ظاهرة وصفها بـالمقلقة.
وفي خطوة تؤكد الخوف لا بل الهلع الغربي من هذه الظاهرة، ذكرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية أن وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، سحبت الجنسية البريطانية من 20 مواطنا بريطانيا ذهبوا للقتال في سوريا ضمن اجراءات تتبعها الحكومة لمنع عودة «الجهاديين البريطانيين» إلى البلاد، وهذه إجراءات قالت عدة دول أوروبية بأنها ستتبعها بحق مواطنيها «الجهاديين».
ميدانياً
تطورات لافتة شهدتها محافظة حمص حيث ركز الجيش السوري عملياته في المحافظة واستعاد مناطق استراتيجية مثل تلال النعيمات والعبودية على الحدود اللبنانية السورية قبالة منطقة الهرمل للحد من تسلّل المسلحين الى ريف القصير واستهداف المناطق اللبنانية.
كما بدأ الجيش السوري بمؤازرة قوات الدفاع الوطني فصول معركة جديدة غرب حمص لتعزيز السيطرة على شبكات الطرق الرئيسية.. قرية الزارة غربي المحافظة واحدة من البلدات التي وضعتها الأزمة السورية عند إحدى فوهات المواجهة.
تنبع أهمية القرية من أنها تقع على مفترق طرق دولية تؤدي دوراً أساسياً في خريطة الصراع للسيطرة على المنطقة.
لا تبعد قرية الزارة عن قلعة الحصن المشرفة على الطريق الدولية بين حمص وطرطوس التي يسيطر عليها المسلحون وتعتبر شريان الإمداد الحيوي لهم.
وتقول المصادر العسكرية إن الهدف العسكري من العمليات هو السيطرة على المرتفعات المحيطة بالزارة تمهيداً لدخولها وسد أي ثغرة أمام المسلحين للهرب.. المعركة في المنطقة بدأت ومعطيات الأيام الأولى تشير إلى تقدم للجيش السوري ستحدد الأيام المقبلة حجمه وأهميته.
وفي ريف حلب، سيطر الجيش السوري بعد معارك مع «داعش» على عدة قرى وبلدات قرب المحطة الحرارية شمال شرق السفيرة في حلب. وتشرف هذه القرى على المحطة الحرارية المسؤولة عن تزويد الطاقة الكهربائية لمحافظة حلب التي تعاني منذ أشهر من انقطاع الكهرباء.
Leave a Reply