لا يعلم إلا الله سبحانه والراسخون في علم «الميتافيزيقيا» السياسية اللبنانية ما اذا كانتْ حكومة تمَّام سلام ستتشكَّل قريباً. فهذه الحكومة العرجاء لو تألَّفتْ، من أوَّلها ليست ولن تكون حكومة «شيل الزير من البير» بل حكومة مؤقتة لا تُسمن الشعب ولا تغني من جوعه وتوقه إلى دولة عصرية عزيزة قوية ذات مؤسسات تسودها العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات، كما درَّسونا «السلعدة» في مادة «التربية الوطنية» التي هي النقيض تماماً لما شبَّ عليه هؤلاء السياسيون الذين زاولوا تجارة الأوطان وامتهنوا استغلال النَّاس! حكومة سلام ستفيض روحها إلى بارئها بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية الُمستباحة، لكن رغم ذلك يُنهش جسدها كالفريسة التي وقعتْ بين براثن الوحوش حيث يصعب التصديق أنَّه بعد حلحلة العقدة التي كانت مستحيلة منذ أسبوع فقط بعد رفع الحَرَم الذي فرضتْه السعودية على دخول صغار «١٤ آذار» في حكومةٍ واحدة مع «حزب الله»، برزتْ عقدة المداورة في الحقائب بعد «تدوير الزوايا»مما أدَّى إلى الدوار والغثيان والدوران في حلقة مُفرغة.
البداية كانت مع «المحكمة الميليسية الدولية» في «لا Hi» حيث تبيَّن للقريب قبل الغريب أنَّها «مثل قِلِّتها» وياليتها ما كانت حيث أنها بعد ٩ سنوات فشلتْ فشلاً ذريعاً في كشف المجرم الذي اغتال الرئيس رفيق الحريري فانطبق عليها المثل: تمخَّض الجبل فولد فأراً! يا ضيعان ٢٤٠ مليون دولار التي دفعها لبنان للمحكمة وهو مديون بـ٦٠ مليار دولار وكسور وكم كان من الأجدى أنْ يُصرف هذا المال في حلِّ أزمة النفايات في البلد التي طافتْ في الشوارع والمناطق، وكم كان من الأفضل إستعمال هذا المبلغ لإغلاق مطمر «الناعمة» وطمر القمامة من السياسيين الذين وسَّخوا البلد وكانوا عالةً عليه وعاهة. لقد بات واضحا أنَّ المحكمة هي وسيلة الثأر والابتزاز الدولي ضد المقاومة بسبب انتصارها التاريخي على إسرائيل وكل ما تفعله هو تسليط الضوء على مطلوبين للعدو الإسرائيلي.
المهم أبدى سعد الحريري استعداده لدخول الحكومة مع «القَتَلة» ولاقى تنازل قوى «٨ اآذار» التي وافقتْ على حكومة ثلاث ثمانات، في منتصف الطريق ربَّما بسبب تفاهم أميركي سعودي على طريق «جنيف-٢»، يتعَّهد فيه الطرف الأول بقطع الطريق على مشاركة إيران والتصلُّب في هذا الموضوع، مقابل التساهل السعودي في لبنان عن طريق الإيحاء إلى فريقه بدخول الحكومة من دون الاشتراط بخروج «حزب الله» من سوريا. وقد بدت واضحةً مكرمة التطرف الأميركي من خلال كلمة وزير الخارجية جان كيري الذي عالجه معلِّم الدبلوماسية السورية بلكمات خطابية أسقطتْه من حلبة المؤتمر بالنقاط. إلا أنَّ أوباما في خطاب «حال الإتحاد» تعهَّد برفض أي عقوبات من الكونغرس ضد إيران فيما يبدو جائزة ترضية لطهران. فضربة على الحافر وضربة على المسمار.
وربما لم تكن مجرد صدفة أنْ يتسرَّب الملل إلى مؤتمر جنيف في مدينة مونرو السويسرية مثل ما تسرب إلى «محكمة الأشباح» في عاصمة هولندا أيضاً. فقد تحوَّل المؤتمر بين الحكومة السورية والمعارضة إلى حوار بين السفير الأميركي روبرت فورد، الذي بدا واضحاً أنَّ المعارضة تأتمر بأوامره، وبين وفد السلطة، كما تحوَّل إلى مفاوضات حول ممرات المساعدات الإنسانية لفك الحصار عن قوى المعارضة بعد أن خسرتْ آخر أمل لها بتحقيق مكاسب في الميدان تستعملها كورقة ضغط. لكن القوات الحكومية التي حررت المناطق المحاذية لحدود لبنان من ناحية الهرمل وبدأت تستعد لتحرير كامل القلمون واستعادة مدينة يبرود الإستراتيجية التي هي مصدر السيارات الانتحارية المُرسَلة إلى لبنان، يبدو انها في طريقها لاستعادة حُمص وحلب التي مازالتْ مسرحاً للمعارك بين «داعش» و«النُصرة». وهذا يعني أنَّ الخناق بدأ يضيق على قوى المعارضة من ناحية الحدود اللبنانية مما يعني خسارة هامة ووقف تدفُّق السلاح المُهرَّب من لبنان إلى سوريا. لكل هذه الأسباب يبدو أنَّ مؤتمر «جنيف-٢» لم تتوفر فرص نجاحه بعد وهو مجرد «بروفة» لعدة «جنيفات» مقبلة لأن الغرب -وخصوصاً أوروبا- وجَد نفسه في ورطة كبيرة أوقعتهم فيها قطر والسعودية وتركيا بعد دعمها للقوات الإرهابية التكفيرية بالمال والسلاح وحرية الحركة في سوريا من ضمن خطة ذكية تقضي بأن يفني التكفيريون والنظام بعضهم بعضاً ولكن عندما لم تنجح قوى التكفير في حربها المدمِّرة بات خطرها يرتد على الدول التي دعمَتْها.
وما دام الحل السوري يراوح مكانه، يقوم في لبنان صراعٌ من نوعٍ آخر تحت حجَّة «المداورة» بالحقائب التي لقيتْ مرونةً من سعد الحريري نفسه مادام تم التوافق على العناوين الكبرى، فلم الوقوف على الصغائر؟ لكن اللافت تصلُّب تمام سلام (ومن خلفه فؤاد السنيورة المتمرِّد على وليِّ نعمَته) الذي انتظر الوحي ١٠ أشهر صابراً وعازفاً عن التأليف رغم انهيار البلد أمنياً واقتصادياً واتفاق التكفيريين عبر إعلان حربهم التدميرية على لبنان، لكنه اليوم يكاد يجن من التباطؤ في التشكيل. يريد المداورة الآن حتى يأتي وزير جديد للطاقة بالكاد يعرف إسم الموظفين والمرتشين في فترة ثلاثة أشهر قبل استقالة الحكومة. سلام يريد أنْ ينتزع من تكتل «التغيير والإصلاح» العوني حقيبتيْ الطاقة والإتصالات التي حقَّق فيهما التكتل منجزات للشعب اللبناني أفضل من غيره من الوزراء من أمثال محمد عبد الحميد بيضون مثلاً الجاحد والناكر للجميل. على الأقل جبران باسيل انتزع قراراً دولياً بإدانة إسرائيل بسبب خرقها للإتصالات في لبنان وهو في صدد إنجاز ملف النفط للبنان. ربما لهذا السبب لا يراد إبقاء حقيبة النفط بيد عون لأنَّ إحدى الدول النفطية الكبرى في المنطقة، الحرف الأول من إسمها السعودية، لا تريد أنْ يصبح لبنان دولة نفطية مستقلة ذاتياً ومالياً وسياسياً ومتحررة من قيود التبعيَّة!
ثم إذا سُحبتْ وزارة الطاقة من باسيل لمن ستُعطى، أو الإتصالات من صحناوي؟ هل ستُمنح الإتصالات لمروان حمادة مثلاً والكل يعرف ماذا فعل في حرب تمُّوز ٢٠٠٦؟
تمام سلام لا يريد أنْ يُفصح كيف ستتم المداورة في حقائب حكومته وقال للتيار الوطني الحر أعطونا أسماء «وما بتكونوا إلا مبسوطين». ولكن ماذا عن باقي الأسماء؟! هل سيعيِّن أحمد فتفت مثلاً وزيراً للدفاع بسبب بطولته في مرجعيون؟ أو خالد الضاهر الصاروخ وزيراً للثقافة؟ أو أشرف ريفي ملك ميليشيات طرابلس وزيراً للداخلية؟
في حكومة سيِّء الذكر، نجيب الحريري، تمَّتْ التضحية بوزير شيعي من أجل ازالة العوائق من أمامها ورغم ذلك سُميَّتْ حكومة «حزب الله» ودخلها أربعة وزراء من طرابلس لم يقوموا بشيء يُذكر للمدينة ولم يقدروا حتى على أنْ يتصدُّوا لعلُّوكي وريفي والرافعي وفستق وباقي التكفيريين وغيرهم من ميليشيات الأحياء. واليوم الإستعداد موجود للتضحية بوزارات سيادية أيضاً من قبل الفريق الوازن في الوطن من أجل تسهيل مهمة سلام، ولا نفهم سبب هذا التنازل الخطير والحمد الله أنَّ العماد عون أنقذ هذا الفريق من نفسه وأوقف جرَّار التنازلات المجَّانيَّة بسبب تهويل ميشال سليمان المدفوع لتشكيل حكومة أمر واقع إذا تجرَّأ على ذلك. فلا مبرِّر على الإطلاق للتخلِّي عن مكتسبات ومنجزات شعب المقاومة من أجل حفنة من مشاركة الطرف الآخر في الحكم!
واخيراً ما هذا البلد الذي يحتج فيه بعض المعمَّمِين على اعتقال الجيش لمدَّعٍ بالمشيخة، عمرالأطرش، الذي اعترف بنفسه بإيصال مجرمين انتحاريين قتلوا الأبرياء والآمنين؟! وأي دين هذا يحمي المساعدين على ارتكاب مجازر بشرية؟! وكيف لو اعتُقل شيخ من مذهب مختلف واعترف بتفجيري طرابلس ماذا كان سيفعل «أولياء الدم» الضاهر وكبَّارة والرافعي والأسير وغيرهم؟! وهل اذا كان أحدهم ارتكب عملاً سفاحاً يعفيه انه من مذهب معيَّن وتُنظَّم التظاهرات لأجله؟! لقد اتُّهم سابقاً الوزير ميشال سماحة بنية التفجير من خلال مكيدة دبرها الثنائي الحسن-ريفي فلم تقم تظاهرة واحدة من أجله، فلماذا عمرالأطرش؟! إنَّه بلد حوار الطرشان.
بئس هكذا منطق وحكومة وحكم ونظام.
Leave a Reply