من بين كل ٨٨ طفلاً أميركياً يوجد طفل واحد مصاب بداء «التوحد» مما يجعل من هذا المرض واحداً من أكثر الإعاقات الذهنية التي تصيب الأطفال في عموم الولايات المتحدة. لكن في مدارس ديربورن العامة هناك فقط ٩١ حالة «توحد» مسجلة رسمياً، وهو عدد قليل قياساً للمعدلات الوطنية علماً أن إجمالي عدد طلاب مدارس ديربورن يفوق ١٨ ألف تلميذ.
قد يعود سبب عدم دقة الإحصاء في ديربورن إلى أن أهالي الأطفال المصابين بهذا المرض يصعب عليهم الإعتراف بالحقيقة المرة لأنهم ينظرون إلى «التوحد» على أنه مشكلة كبيرة ويؤدي إلى إنتكاس أطفالهم في المدارس.
والتوحد هو اضطراب في النمو لدى الأطفال يُشخص دون سن الثالثة من عمر الطفل. ويتميز بوجود خلل في التواصل والتفاعل الاجتماعي وخاصة في اللغة المنطوقة والتعبيرية، بالإضافة إلى وجود سلوك تكراري مقيد. ويحدث هذا الاضطراب في الذكور بمعدل ثلاثة إلى أربعة أضعاف معدله بين الإناث.
وبالرغم من أن «التوحد» لا يمكن تشخيصه إلا بعد ١٨ إلى ٢٤ شهراً من الولادة إلا أن الأبحاث العلمية أثبتت أن الطفل قد يصاب في عمر ٨ أو ١٢ شهراً حيث تبرز بعض أعراض المرض باكراً. ويمكن أن يقوم الأهل بفحص أبنائهم ويلاحظوا عوارض المرض باكراً عندما لايستجيب الطفل للأصوات ولايصدر أصواتاً بالمقابل أو لا يتبسم أو يظهر تعابير في وجهه عندما يصبح عمره ٩ شهور أو لا يبدأ بـ«البغبغة» في عمر ١٢ شهراً أو يكون قليل الكلام والإيماءات أو لا يتفاعل مع أحد ويكون في عزلة.
وتلاحظ الأم غالبا أن طفلها لا يتفاعل معها ومع الآخرين كما يفعل الأطفال الذين هم في عمره، فعواطفه باردة، وإذا غابت عنه أمه أو حضرت فلا تجد لديه افتقادا لها أو انفعالا لرؤيتها عند عودتها.
وبعض الأحيان قد يبدو أن الطفل ينمو بشكل طبيعي لكنه فجأة تظهر علامات تراجع وتضعضع ويتطور المرض بنسبة ٤ أو ٥ مرات أكثر عند الصبيان من البنات.
أهالي عرب يتجرأون على الكلام
منى علوية هي إحدى الأمهات الناشطات الساعيات إلى تأليف منظمة توعية حول مرض «التوحد» تحت اسم «الأيادي الزرق المتحدة في ديربورن». علوية لديها ابن مصاب «بالتوحد» وقد بانت عليه علامات المرض مذ كان عمره سنتين، ومنذ ذلك الحين إستفاد كثيراً من العلاج. وحول ذلك أشارت إلى «أن التشخيص المبكرا للمرض هو مفتاح النجاح وأول طريق العلاج». «فذلك يُحدث فرقاً كبيراً ولكن لسوء الحظ في مجتمعنا لا يتم تشخيص «التوحد» باكراً وفي بعض الحالات لا يعرف الأهل بأن أحد أطفالهم مصاب بالتوحد إلا بعد بلوغه سن الخامسة».
وقد بينت الدراسات الطبية أن المعالجة المبكرة لمرض «التوحد» -بينما يكون دماغ الطفل في طور النمو- مفيدة جداً على عكس الأطفال الذين يتم تشخيصهم في سن متقدم.
وقالت علوية إنها إنتبهت لعلامات «التوحد» لدى طفلها في وقت مبكر حيث لاحظت تبدلات في سلوكه إضافة الى تأخره في النطق رغم بلوغه سن الثلاث سنوات. وتقول إن ابنها لم يحدق في أعين الأشخاص ولم تكن لديه مهارات إجتماعية تذكر كما أنه لم يرغب باللعب، و«هذه علامة كبيرة على أن شيئاً ما ليس على مايرام».
وأضافت علوية «سعيت لعلاج طفلي حالما لاحظت حالته.. وبعد سنتين فقط، قال الأطباء إن حالة ابني تحسنت بشكل كاف يسمح له بإنهاء حصص العلاج وترك صفوف ذوي الحاجات الخاصة. وهو الآن في الصف الأول إبتدائي في إحدى مدارس ديربورن العامة». وأردفت «أنه طفل المعجزة. لقد كانوا يريدون تشخيص مرضه لكن إنتهى بهم المطاف إلى عدم تشخيصه في سن الرابعة والنصف.. وأنا أعطي الرصيد الكبير في ذلك للتدخل المبكر». وأضافت «الناس لم يصدقوني حتى رأوا بأنفسهم أنه نفس الولد لكنه تحسن بنسبة ١١٠ بالمئة وهو قادر على مواكبة دراسته وصداقاته معاً».
والمعروف أن كل طفل مصاب بهذه الحالة يتلقى علاجاً خاصاً إستناداً إلى مكامن الضعف والقوة لديه. والعلاج يتراوح بين التدريب على النطق واللغة إلى المعالجة العلمية اليدوية إلى المعالجة البصرية. وبعض البرامج توفر زيارة خبير مدرب ومجاز إلى البيت لعلاج الطفل.
إحدى قريبات منى، واسمها مريم علوية، تساعد أيضاً في منظمة «الأيادي الكحلية المتحدة» ولديها طفلان مصابان «بالتوحد» وقد عملت بالتكافل مع مدارس ديربورن العامة لكي تؤمن لهما الإهتمام والعناية الكافيين.
وأشارت مريم الى أن طفليها يحصلان على العلاج خمس مرات في الأسبوع خصوصاً وأن التغطية الصحية لشركة التأمين مرنة بفضل قانون «التوحد» في ميشيغن الذي أقره حاكم الولاية ريك سنايدر. وبينما شُخّص طفلاها بمرض «التوحد» معاً، إلا أنهما كانا في طرفي نقيض الداء، مما يعني أن كل واحد منهما بحاجة إلى علاج مختلف وتحديات مختلفة.
وحول هذا الموضوع، أضافت مريم «أحدهما يخاف من الناس والآخر يذهب مع أي كان إلى أي مكان. بالنسبة إلى الأطفال العاديين فإن الرحلة إلى «تشاكي تشيز» هي رحلة مرح لكنها مرعبة لطفليَّ بسبب الضوضاء والأضواء التي تخيفهما لهذا أنا لست قادرة على أخذهما إلى حفل عيد ميلاد وعلي أن أعودهما رويداً وتدريجياً على مواقف كهذه».
وتعتقد مريم أن بعض الأطفال في الجالية قد يكونوا يعانون من «التوحد» ولكن لا تجري معالجتهم لأن أهاليهم قد يكونوا خجولين أو محرجين من الإعتراف بأن طفلهم يعاني من هذه المشكلة.
ومؤخراً حاولت مدارس ديربورن إستعمال مريم كصلة وصل مع الأهالي الذين يواجهون صعوبات في تقبل أن أولادهم بحاجة إلى علاج من «التوحد». وقالت مريم إنه في إحدى الحالات رفضت والدة أحد الأطفال المصابين التحدث عن حالته وهو باق حتى اليوم من دون علاج.
واستطردت مريم «إن الجالية العربية تحتاج إلى أن تكون منفتحة أكثر لمسألة أنه قد يكون لديها طفل معاق مهما كانت إعاقته وعليها أن تتوقف عن التفكير في أن الطفل سوف يشفى من تلقاء نفسه. إن على الأهل معرفة ورصد علامات وأعراض قد تطرأ على أولادهم ولكي يتأكدوا أنه على مايرام وهذا ليس بالأمر المعيب.. وهناك الكثير من الأهل في نفس القارب.. وأنا لا أشعر بالإحراج لمشاركة قصتي لأني أريد أن يكون أطفالي مثالاً لأناس آخرين يعانون من المشكلة نفسها». وشرحت مريم أنها وزوجها قاما بالبحث والمطالعة حول «التوحد» وإتخذت إجراءات ضرورية لكي تتأكد من أن طفليها مستمران في التحسن عبر العلاج وأنها لاحظت الفرق في حياتهما.
وتؤمن مدارس ديربورن حالياً خدمات خاصة لكن مـحدودة للأطفال المصابين بـ«التوحد» وقد أعدت صفوفاً خاصة لهذا الغرض مع أعمار مختلفة أما الحالات الصعبة جداً فتحال إلى مدن أخرى كمدينة ترنتون.
وتأمل منى ومريم من خلال «الأيادي الزرق» (اللون الأزرق يستخدم في حملات التوعية من مرض التوحد) أن تنجزا الأهداف التي وضعتاها لخدمة الجالية العربية. وتضم المنظمة حالياً ١٢ عضواً وهي في طور إستكمال أوراقها القانونية وتبحث مع باقي المنظمات الخيرية في التعاون مع مدارس ديربورن العامة.
وتهدف المنظمة إلى توزيع منشورات وأدبيات علمية حول علامات تحذيرية حول «التوحد» وإعداد برامج وتوفير فرص للأهالي الذين لديهم أبناء مصابين بالتوحد. وأعربت منى علوية أخيراً عن أن هذه الخطوة مستحقة منذ زمن داخل الجالية في ديربورن ودعت إلى التبرع بكرم من أجل هذه القضية، ولكن «نحن بحاجة أكثر إلى قبول وموافقة الجالية على ضرورة الكشف المبكر عن هذا المرض ومعالجته.
ودون أي تردد تقول منى، «أعرف أن البعض يخالفني الرأي لكن أعتقد أن وجود طفل خاص بحاجة إلى إهتمام خاص هو نعمة».
للمزيد من المعلومات حول منظمة «الأيادي الكحلية المتحدة» في ديربورن يرجى زيارة صفحتها على «فيسبوك»:
facebook.com/bluehandsunited
Leave a Reply