اختتمت الجولة الثانية من مفاوضات «جنيف 2» دون تسجيل أي تقدم بين أطراف النزاع في سوريا، بل حتى أنه لم يتم تحديد موعد جديد للتفاوض، على وقع تصعيد أميركي- غربي ظهرت تداعياته في أكثر من مكان على المسرح الدولي، من فنزويلاً الى أوكرانياً وصولاً الى سوريا التي قد تشهد تصعيداً عسكرياً جديداً، مع عودة الحديث عن «غزوة جديدة» للعاصمة دمشق عبر الحدود الأردنية.
إذن، انتقل الخلاف الى الراعيين الدوليين وبات واضحا وبدأت بذلك لعبة المصالح الدولية الكبرى ودور التحالفات الاقليمية والمحاور الدولية هي الأبرز. فمن جهة، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما استمرار دعمه لما أسماه بالمعارضة المعتدلة واجرى اتصالات هاتفية مع رئيس وزراء تركيا بعد أيام من استقباله الملك الأردني في منتجع صحراوي في كاليفورنيا. كما توالت تصريحات المسؤولين الأميركيين بأن البيت الأبيض سيشرع في إلقاء نظرة جديدة على الخيارات في الشأن السوري وهي عملية قد تستغرق أسابيع، وكذلك برزت مشكلتا فنزويلا وأوكرانيا، حليفتي موسكو، اللتين تواجهات اضطرابات ومواجهات مع المعارضة -لاسيما في كييف- ما دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتوجيه رسائل حازمة الى الأوروبيين لإنهاء مشكلة الدولة الجارة التي تعتبرها موسكو حليفاً استراتيجياً.
وفي ظل التقدم الميداني الذي يسجله الجيش النظامي في أكثر من مكان على الخارطة السورية، أُعلن عن فتح جبهة في جنوب سوريا استعدادا للهجوم على دمشق (معركة حوران- جنيف)، ورغم أن الخطوة لم تجد صدى لدى مسلحي حوران الذين سبق وأن تعرضوا لخسائر فادحة على مستوى المقاتلين والقيادات خاصة في الهجوم الذي قاموا به على أحد الأفواج المقاتلة في المنطقة الجنوبية وأثناء ماسمي الزحف على دمشق والذي مني بهزيمة كبرى.
![]() |
الإبراهيمي |
المعركة المرتقبة التي يخطط لها من قبل الغرب باشتراك أردني مباشر بدءا من تدريب آلاف المقاتلين في معسكرات أردنية استعدادا للمعركة القادمة إضافة الى تجهيز المقاتلين بأحدث الأسلحة المضادة للطائرات.
في الواقع فإن رياح الميدان لا تناسب أشرعة المعارضة، فالجيش السوري يتابع تضييق الخناق حول مدينة يبرود (القلمون) داعيا المدنيين للخروج منها تمهيدا لاستعادتها بعد أن أحكم السيطرة على التلال المطلة على المدينة التي سيؤدي سقوطها الى عزل الحدود اللبنانية والإجهاز على «أحلام دخول دمشق».
وفي الواقع الميداني أيضاً، ومع استمرار المصالحات في محيط دمشق حيث يتم التحضير للمصالحة في الزبداني بعد الإعلان عن مصالحات بلدات يلدا وبيبيلا وبيت سحم وهي المناطق المحيطة بمخيم اليرموك (جنوب دمشق)، تواصلت المسيرات المؤيدة للجيش ووقف القتال في دمشق وعدد من بلدات ريف دمشق والمحافظات الأخرى.
وبالعودة الى «جنيف 2» سارعت واشنطن ولندن وباريس وبرلين الى اتهام النظام في دمشق بتحمّل مسؤولية تعثّر الجولة الثانية من المفاوضات، التي اختتمها المبعوث الأممي الاخضر الإبراهيمي قبل يومين باعتذار قدّمه الى الشعب السوري لعدم تحقيق انجاز خلالها. وبدوره، رفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاثنين اتهامات نظيره الأميركي جون كيري لبلاده بإعاقة التوصل إلى تسوية حول الملف السوري عبر دعمها نظام الرئيس بشار الأسد مشددا على أن بلاده فعلت كل ما وعدت به لحل هذه الأزمة.
وقال لافروف إن الأرقام تظهر بوضوح أن نظام الأسد ليس من يخلق العدد الأكبر من المشاكل، وإنما المجموعات الإرهابية التي تزايدت في كل أنحاء سوريا دون أن تكون لها أي مرجعية سياسية. وأضاف أن وفد المعارضة المشارك في مفاوضات «جنيف2» لم يضم أعضاء مهمين آخرين من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة رغم وعد الأميركيين ببذل قصارى جهدهم لضمان مشاركة وفد معارضة يتمتع بتمثيل حقيقي.
وأشار لافروف إلى أن روسيا تنظر في تقارير تتحدث عن جهات -لم يسمها- داعمة للمعارضة تعمل على تشكيل هيئة جديدة بديلة عن الائتلاف الوطني ترجح الخيار العسكري للإطاحة بالأسد بدلا من المشاركة في مفاوضات مستقبلية.
وكان كيري اتهم روسيا بتشجيع الأسد على «المزايدة» والبقاء في السلطة، بعد فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات في جنيف بين ممثلين للنظام والمعارضة.
وقال في مؤتمر صحفي بجاكرتا إن النظام يمارس العرقلة، وإن كل ما قام به هو الاستمرار في إلقاء براميل متفجرة على شعبه ومواصلة تدمير بلاده، مضيفا «يؤسفني أن أقول إنهم يفعلون ذلك بدعم متزايد من إيران وحزب الله وروسيا». وأضاف كيري أن روسيا يجب أن تكون جزءا من الحل بدلاً من أن توزع المزيد من الأسلحة والمساعدات على النظام السوري، مما يشجع الأسد على المزايدة ويطرح مشكلة كبرى، على حد قوله.
لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم اعتبر الأحد أن الجولة الثانية من المفاوضات أحرزت «تقدما هاما»، رغم أن المبعوث العربي والدولي إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي أقر بفشلها. وأضاف أن الجولة -التي استمرت نحو أسبوع- أنجزت «نقطة مهمة جدا» بموافقة الوفد الحكومي على جدول الأعمال الذي اقترحه الإبراهيمي والذي كان بنده الأول مكافحة الإرهاب. وأكد المعلم أن الأميركيين «لن يتوقفوا عن التآمر على سوريا»
تغييرات السعودية
صرحت مصادر ديبلوماسية غربية الخميس 20 شباط (فبراير)، أن السعودية سحبت إدارة الملف السوري من رئيس المخابرات بندر بن سلطان. وسلمته الى الأمير محمد بن نايف، الذي أصبح ممسكا بجوانب واسعة من هذا الملف. ونقلت «فرانس برس» عن دبلوماسيين غربيين أن بندر لم يعد المسؤول عن الملف السوري، ومحمد بن نايف هو المسؤول الأساسي حاليا عن هذا الملف. وكان محمد بن نايف قد شارك مؤخراً، في اجتماع عقد في واشنطن بين مسؤولين عرب وغربيين لبحث الوضع الميداني في سوريا، حسب مصدر مقرب من هذا الملف.
ونقلت «وول ستريت جورنال» عن المستشار لدى العائلة الحاكمة أن الأدوار الجديدة لمحمد بن نايف ومتعب بن عبدالله، تعني ان العالم سيرى «استراتيجية جديدة حيال سوريا، هادئة، أكثر انفتاحاً، وليست متشددة جداً.. ستكون هناك سياسة أكثر، وربما أقل عسكرة». يذكر في هذا الإطار، القرار الذي اعلنه الملك السعودي مؤخراً حول ملاحقة «الجهاديين» السعوديين الذين يشاركون في أعمال مسلحة خارج المملكة. لم يحدد القرار سوريا، لكنه صدر قبل أيام من ذهاب محمد بن نايف الى اجتماع واشنطن الاستخباراتي بشأن سوريا. ومن شأن القرار الملكي أن يرطب الاجواء قبل زيارة اوباما الحساسة الى المملكة. فهل كان ذلك، الى جانب تهميش الامير بندر «الغريب الأطوار» حسب وصف الصحيفة، من شروط الزيارة الرئاسية المنتظرة، أم مجرد تعبير عن تبدل الأولويات ورجالاتها داخل قصر العائلة؟.
إقالة سليم ادريس
رفض رئيس أركان «الجيش الحر»، اللواء سليم إدريس، قرار عزله من جانب المجلس العسكري الأعلى، وأعلن عن إعادة هيكلة أركان الجيش الحر بهدف توسيع قاعدة المقاتلين. وقال إدريس في كلمة مصورة نشرت على موقع «يوتيوب» إن القيادات العسكرية على الأرض في سوريا ترفض هذا القرار، وإنها فوضته لإعادة هيكلة شاملة للأركان تشمل القوى العسكرية المعتدلة العاملة على الأرض. وأضاف في الكلمة ذاتها إن القيادات العسكرية الميدانية قررت فك الارتباط مع مجلس القيادة العسكرية ووزير الدفاع في «الحكومة المؤقتة». واتهم إدريس أطرافا من المعارضة السياسية والعسكرية باتخاذ تدابير ينبع أغلبها من مصالح فردية وشخصية. وفي السياق ذاته، أعلن قادة ميدانيون لبعض وحدات «الجيش الحر» في المحافظات السورية رفضهم قرار عزل إدريس وتعهدوا بمواصلة القتال تحت قيادته. وأفاد بيان وقعه 22 من أعضاء المجلس العسكري الثلاثين بأن القرار اتخذ من أجل توفير قيادة للأركان تقوم بإدارة العمليات الحربية ضد النظام السوري وحلفائه. وكان المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر قد أعلن يوم الاثنين الماضي عزل إدريس أتى بسبب تراكم أخطائه في الفترة الماضية في بيان للمجلس تلاه متحدث عبر شريط فيديو نشر على موقع «يوتيوب».
الهجوم من الجنوب
وبالعودة الى الهجوم عبر الأردن، يرى أن الأمر يتعلق بغزوةٍ يشتهي أصحابها أن تصل إلى ساحات دمشق إنطلاقاً من الأردن حيث قواعد الإستخبارات والتدريب والتأهيل والتسليح والتمويل. وقد تحولت الحدود الأردنية- السورية خلال الأزمة الى أهم القواعد في الحرب على سوريا بعد التحييد الجزئي للحدود اللبنانية بمشاركة «حزب الله»، وإنحسار دور الحدود الشمالية والشرقية مع تركيا، ويسعى الحلف المناوىء لدمشق، حسب التقارير الإعلامية، الى أن يكون الهجوم المقبل على دمشق عبر هذه الحدود بإتجاه الغوطتين وصولاً إلى العاصمة.
ومع انطلاق معركة يبرود التي يتوقع لها أن تكون مفصلية فيما يخص تحييد الحدود مع لبنان وقطع كل خطوط الإمداد، من وإلى الداخل اللبناني، يرى المراقبون أن المعركة ستطول مقارنة بمعركة القصير لأسباب تتعلق بالجغرافيا وطبيعة الأرض بشكل خاص، لكن ما من شك بأن الجيش ماضٍ في خوضها حتى إعلانها منطقة محررة وآمنة. هنا تحديداً يراد لغزوة الجنوب نحو دمشق أن تؤثر على أداء وسرعة إنجاز الجيش السوري لمهمته في القلمون.
وقد حذرت صحيفة «الثورة» الحكومية السورية، الخميس الماضي، الاردن من «اللعب بالنار» في مسألة التصعيد على الجبهة الجنوبية، متهمة اياه بالتنسيق مع الولايات المتحدة في احداث تصعيد على هذه الجبهة بعد انتهاء الجولة الثانية من مفاوضات «جنيف 2».
وجاء في افتتاحية «الثورة» يكثر الحديث عن الجبهات حسب تقسيمها الجغرافي، وتتصدر الجنوبية منها المشهد، بعد أن أشبعت بحثاً في الكنف الملكي الأردني». وأضافت «من حيث المبدأ، لا نعتقد أن هناك كشفاً للمستور أو افتضاحاً لسر حين تتم الإشارة الصريحة أو المبطنة.. المعلنة منها والمضمرة، إلى دور رسمي أردني تشبك أذرعه وتنسج خيوط ترابطه مراكز استخباراتية أميركية وسعودية وإسرائيلية، مع بعض الخلطة الخليجية التي تزداد حيناً وتتقلص حيناً آخر». وأشارت الى ارتفاع مؤشرات الحضور الرسمي الأردني في حبكة التصعيد الأميركي عقب انتهاء الجولة الثانية من جنيف. وهناك اتهامات للاردن بالموافقة على الطرح الأميركي في تسخين الجبهات، محذرة من أن «من يلعب بالنار تحترق أصابعه، فكيف بمن يوقدها بأصابعه المشتعلة؟».
Leave a Reply