شكَّلتْ «غزوة دار الأيتام الإسلامية» التي قامتْ بها مجدَّداً كتائب عبدالله عزَّام المجرمة قاتلة النفوس التي حرَّم الله قتلها، أوَّل تجربة للحكومة المشوَّهة التي سرعان ما تبيَّن أنها فاشلة كما كان حدس جمهور المقاومة الذي هبَّ معترضاً على تأليفها خصوصاً بعد تضمينها أسماءً «الله لا يخلِّيها بديار أحد».
فلم يمضِ يوم على تسلُّم أحد هذه الأسماء، نهاد المشنوق، حقيبة الداخليَّة من مروان شربل (أبو ملحم) (الذي رغم انتقادنا له سوف نترحَّم على أيَّامه) حتَّى «فقع» تصريحاً ما أنزل الله به من سلطان وهو يتفقَّد التفجير الإرهابي المزدوج يوم الأربعاء في منطقة «بئر حسن» الذي كان يستهدف المستشاريَّة الثقافيّة الإيرانيَّة ففشل الإنتحاريَّان من حيث إلحاق الضرر بالهدف لكنَّهما تسبَّببا باستشهاد ستة مواطنين وجرح ١٢٩ آخرين معظمهم من الأيتام.
والد المدعو صالح المشنوق لم تهطل عليه «حمم» الحجارة والبيض الفاسد، كما نزلتْ على المسكين مروان شربل في «بئر العبد»، بالرغم من كلامه عن إقفال معابر الموت التي تتم فيها سرقة السيارات وتُرسل إلى سوريا لتفخيخها ذاكراً بلدات بريتال والشراونة والنبي شيت البعلبكية بالإسم، قبل وكر الإرهاب في عرسال، ومعطياً تبريراً وأسباباً تخفيفيةً للقتلة بعد «غزوتهم» محاكياً في ذلك المجرم القاتل زريقات، عبر التذرُّع بوجود المقاومة في سوريا، بل زاد عليه زريقات مطلباً عاماً أكبر هو «تحرير» التكفيريين الإرهابيين من «فندق ومنتجع رومية» السياحي. إلا أنَّ أهل بريتال ردوَّا على الوزير المنحاز بأنَّ عليه ملاحقة الأشخاص العشرة المهربين من أبناء البلدة المنسيَّة كسائر مدن البقاع والهرمل الأبيَّة، ولا يحكم على ٢٥٠ الف نسمة من البريتاليين وإذا أراد مكافحة الإرهاب فعلاً فعليه كف يد أحبأئه في عرسال. صدق أهل بريتال ومع إقفال معابر الموت يجب إقفال ألسنة السوء والتحريض والموت!
أما النافر الآخر الذي تسلَّم وزارة العدل فقد نسب إلى تشرشل القول «إنَّ دولة بلا عدل هي دولة ساقطة». كلام جيد من ريفي، لكننا نسأل أين العدل من تمرَّده على أوامر رئيس الجمهورية ووزير الإتصالات مما تسبَّب باستقالة الوزير بارود، وهل هذا يعني سقوط الدَّولة؟! ريفي هذا لم يرد وصف تفجيري «بئر حسن» بالإرهابي وكأنه إنفجار «قارورة غاز» كما قال اللواء جميل السيِّد. أما تمَّام سلام فقال إنها رسالة وكذلك أمين الجميِّل، فإذا كانت الإنفجارات رسائل فماذا يكون الضحايا، طوابع بريدية يعني؟! ما أحقر هؤلاء السياسيين اللبنانيين الذين لم يعودوا يتفقدوا مواقع التفجير وكأنه يحصل في تيزي أوزو (الجزائر)! وما أصدق خالد قبَّاني وهو يتكلَّم بضمير قائلا «ما هكذا تكون الثورات» ونرجو أنْ لا يحاسبه فؤاد السنيورة على قول الحق.
يجب أنْ تأخذ المقاومة حقَّها بيدها لا بيد أحد أحصنة طروادة. لهذا فكل التبرؤ من قبل الأهالي لأبنائهم المجرمين الانتحاريين التكفيريين غير كاف وهو تمويه وتورية بل احتيال وتحايُل على أهالي الشهداء. الأهل يحسُّون بأولاد الزنى أولادهم السفَّاحين ويمكنهم إيقافهم والتبليغ عنهم، ليس من باب الخيانة بل على الأقل للحفاظ على أرواحهم النتنة وكفاية شر قتل الناس من دون ذنب. إنَّ الأهل وفق هذا المنطق هم متواطئون بالجرم إذا لم يبلِّغوا وإذا كان هذا صحيحاً يحب تحميلهم وأقارب المجرمين الإنتحاريين كل المسؤولية الماديَّة والمعنوية والأخلاقية والدينية حتى ينتبهوا ويراقبوا ويمنعوا هذا الاجرام! بهذا نضع أول خطوة لمحاربة الارهاب فإذا علم المجرم بأنَّ هلاكه وقتل الأبرياء سيسبِّبان مشاكل لأهله، عساه يرتد!
وكان جمهور المقاومة في «شقفة» الوطن قد صُدِم من تشكيل «الحكومة السلامية» بعد مخاضٍ عسير استغرق ١٠ أشهر و٩ أيَّام بالتَّمام والكمال، أي أنَّ طول مدَّة الحَمْل أدَّتْ الى ولادة مخلوقٍ مُشوَّه بعدة رؤوس، رأس «أمير الأحياء» الذي يعتبر المقاومة كلها إرهاباً، ورأس بطرس حرب العدو اللَّدود للمقاومة الذي يتَّهمها بمحاولة اغتياله عبر «شريط كهربائي» في مصعد بناية لا يسكن فيها وصاحب مشروع عقاري يهدف للتطهير الديني والعرقي، ثمَّ رأس أليس شبطيني قاضي المحكمة العسكريَّة منذ ٤٠ عاماً والتي لم تترك بصمة قانونية واحدة تُذكر في حياتها لكنَّها أثارت الجدل مؤخَّراً بعد تخصُّصها بإطلاق سراح عملاء إسرائيل قبل انتهاء مدة حكمهم (وعددهم خمسة عملاء).
ميشال سليمان وزَّر شبطيني لأنَّها مُفضَّلة لديه. وقد حَمَاها سابقاً، نَكَداً ونكايةً بالمقاومة وانتقاماً منها لعدم المشي بالتجديد له وبعد أنْ حسَم موقعه نهائياً مع آل سلُّول. بالمناسبة، استمعنا إلى شبطيني في أوَّل مقابلةٍ لها على تلفزيون «الجديد» والحقيقة لا نعرف كيف تبوَّأتْ هكذا منصب، لأنَّها كانت «قاضية» على اللغة والتصريح والمنطق وكانت الكلمات تطلع منها كعملية قلع الأضراس. لكن هذا هو لبنان، بلد المحسوبيات والفساد والوسائط! وأخيراً، رأس المشنوق الذي قيل أنَّ سعره معروفاً في عالم المخابرات.
الغضب والصدمة القويَّة لدى جمهور المقاومة كان منصبَّاً بشكلٍ أكبر على إسم واحد: أشرف ريفي، المتحامل على المقاومة وسوريا والمُساهِم مع رفيقه وسام الحسن في «فَبْركة» شهود الزور التي تسبَّبتْ بسجن أربعة ضباَّط زوراً وبهتاناً قرابة أربع سنوات، كما خطَّط معه مكيدة الإيقاع بالوزيرالسابق ميشال سماحة وعصى أوامر رئيس الجمهورية عندما رفض إعطاء الوزير السابق للإتَّصالات نقولا نحَّاس (أنبل وزير عرفه لبنان) معدَّات الطابق الثاني لمبنى ميليشيا المعلومات. لكن سليمان الذي يهمُّه النظام والقانون (طبعاً بعد الأسفار إلى القارَّات السبع) عفا عن ريفي وتناسى تماماً إحالته له على التحقيق بسبب تمرُّده بل وامتدحه على «صيد» ميشال سماحة «الثمين» الذي لم نسمعه منه عند اعتقال الجيش للمجرم عمرالأطرش والإرهابي الخطير نعيم عبَّاس!
ويُعزى سبب ذهول جمهور المقاومة أيضاً لتوزير ريفي إلى أنَّ حكومة السيِّء الذِّكر الحوت نجيب الحريري، الذي غَدَر به ميشال سليمان ووليد جنبلاط، قد «فرَطَتْ» بسبب إصراره على التمديد لريفي كمدير عام لقوى الأمن الداخلي ورفض قوى «٨ آذار» لذلك فاستقال بهذه الحُجَّة بأمرٍ سعودي وللتكفير عن خطيئته بتأليف حكومة بعد إقالة سعد الحريري وظنَّاً منه أنَّه سيُعاد تكليفه! فما عدا مما بدا عندما لا يقبل ريفي مجرَّد موظَّف صغير فيأتي بعد ذلك وزيراً يحمل حقيبة خطيرة مثل العدل رغم تطميناتٍ تمَّام سَلَام «المستقتل» لدخول نادي رؤساء الحكومة وإعادتها «للبيارتة» بعد أن انتزعها «الصيادنة» و«الطرابلسيَّة» طويلاً. تأكيدات سلام منذ البداية كانت عدم توزير أسماء نافرة.
إنفجر هذا الجمهور غضَباً وعبَّر عنه عبر صفحات التواصل الإجتماعي وهذا الإحتجاج الشعبي كان عفويَّاً وصحيَّاً ويدحض نظرية وليد جنبلاط بأنَّ «حزب الله» حزب شمولي وجمهوره ينصاع له كالخاتم كما يريد (على أساس أنَّ دولاب اليانصيب البشري هو ديمقراطي مؤمن بتداول السلطة التي وعد بها منذ عامين).
بالنسبة للجمهور المجروح في الحكومة الصلعاء-الشمطاء اعتبر أنَّنا فوتَّنا كل الفرص خصوصاً في ٧ أيار وظلَّ العبيد في «١٤» يحاربون حكومة ميقاتي وأسموها «حكومة حزب الله» التي خدمتْ جماعة إسرائيل أفضل مما لو بقي على رأسها سعد الحريري نفسه وما عملنا شيئاً وما حققنا لشعب المقاومة حياةً وعيشاً كريماً، ثم قبلنا بتدوير الزوايا والخفايا من السحايا وكانت هذه نتيجة التهاون في الشأن الداخلي والتنازلات التي تقدِّمها المقاومة في كل مرَّة. هل نفرح لأنَّ سعد الحريري وافق بالدخول معنا في حكومة واحدة والبارحة كان عند آل سعود يحصل على بركتهم وهم مُتَّهمون بإرسال سيارات الموت إلى الضاحية؟! إخس!!
وكان الإعتراض على أنَّه بدل أنْ تأتي «جماعة ٨» بنفس الأسماء الممجوجة المُستَهْلَكة للوزارات، لماذا لم تقترح اللواء جميل السيد أو العقيد مصطفى حمدان أو وئام وهاب أو ميشال سماحة ورفعت عيد، كان شفي غليل الناس قليلاً. جماعتنا اعترضوا على تولي ريفي للداخلية ووافقوا عليه للعدل مثل الذي يعالج الرمضاء بالنار؟؟! فلتتحمل جماعة «٨ آذار» من الآن تخصيص وزارة العدل ومواردها لملاحقة المقاوِمين وأهل جبل محسن، كأنَّها لم تستوعب الدرس الأوَّل عندما تسلَّم جماعة عُبَّاد إسرائيل مقدرات السلطة سابقاً. ماذا بعد يا «٨»؟؟ التخلي عن مثلث الشعب والجيش والمقاومة؟ كان الفراغ لنا «أشرف من ريفي».
وهدأتْ ثورة المعترضين قليلاً. لأنه لحسن الحظ كانوا على موعد مع كلمة للسيِّد حسن نصرالله بذكرى الشهداء القادة حيث كان سيِّد الكلام فعلا ًوالظاهر أقنع الكثيرين الذين هم فعلاً حريصون على المقاومة لا أولئك الموتورين الذين كانوا يتحينون الفرص من أجل النيل من المقاومة لغايةٍ في نفس بنيامين.
لقد تسرع البعض، ومنهم ممَّن ذكرنا سابقاً وهم لا غبار على وطنيتهم وحرصهم ولا يحق لأحد المزايدة عليهم قيد أنملة. لكن السيِّد وضع النقاط على الحروف وجعلنا ننظر إلى ما هو إستراتيجي وأعمق من مجرد حقائب في حكومة مقصوفة العمر والأجل ولو تسلمها متواطىء وعميل. لقد أجرى الشعب الطيِّب مقاربة للصورة الكبرى والعودة إلى الجذور إلى قضية العرب الأولى فلسطين التي يجري حاليا تصفيتها على يد الأعداء والداخل. وقد أحسَّ المعترضون بالخجل واستشعروا حجم المسؤوليات الإستراتيجية الملقاة على عاتق المقاومة التي تحارب أخطر عدو على وجه الأرض كما تريد منع الفتنة المذهبية التكفيرية التي هي موازية في خطرها. كما وضح ما كان غائباً عن جمهور المقاومة بأنَّ جماعة «١٤ عبيد زغار» هم هتلريون وغوبلزيون من ناحية دعايتهم القوية التي تُحوِّل الهزيمة الساحقة التي منوا بها إلى نصرٍ حاسم وهم ساهموا في ترويج نصرهم المزيف حتى يمتصُّوا نقمة فريقهم الذي لحس كلامه ولحس المبرد أيضاً. وللتذكير فقط: قال الصحافي مُحمَّد سلام في برنامج «كلام الخنَّاس» لمارسيل غانم في العام الماضي «من يدخل في حكومة مع حزب السلاح هو خائن»، فسأله الإعلامي الوطني سالم زهران «حتى لو دخل فيها سعد الحريري» فأجاب سَلَام الشهم «حتى لو كان النبي مُحمَّد».
والله لا نعرف كيف نفرِّق هذا الموتور عن «داعش» حيث يلقلق بلسانه عن أشرف خلق الله أجمعين (صلعم) بينما زميله في «الداعشية» يدَّعي أنَّ الرسول الأعظم بشَّر به. إنَّه الفكر التكفيري عينه الذي يدَّعي أنَّ النبي الأكرم عرَض على مرسي أنْ يصلِّيَ وراءه، أستغفر الله.
لذلك مع أنَّنا نحن مع المستائين من هذه الحكومة تقبَّلنا تفسير السيِّد وجدَّدنا الثقة به، لا بهذه الحكومة، لكن هذا لا يعني أنْ نتركها «بحالها» من دون مراقبة لأننا لا نثق بنصفها الغادر. هنا نستذكر الفنَّان الكبير الراحل حسَن علاء الدين الذي، بالمناسبة، أُودع السجن لأنَّه أوَّل من «دقَّ» بالنظام العفن ومثالبه وتناول وجع النَّاس وهمومهم مقابل لامبالاة الزعماء السياسيِّين الإقطاعيِّين وعلى رأسهم والد المشكِّل الحالي للحكومة وقد تحدَّثتْ الصحف مؤخَّراً عن فوقية وعنجهية تمَّام سَلام وتسرُّب طبع «البكوية» اليه عندما قال إنه «يُزار ولا يزور»!
نعود الى شوشو المرحوم الذي أراد «صبَّاطا» «يُصائب» على قدمه فماذا يمكن أنْ يقول عن هكذا حكومة اليوم ودولة تميِّز فيها شركة طيران «الحوت» ضد معاقة ثم تهينها وتحمِّلها المسؤولية مع أنَّ في كلِّ دول العالم «الزبون دائماً على حق»، وفي بلد تموت فيه إمرأة كل يوم نتيجة العنف الأُسري؟ «يا صبر أيوب»؟ آخ يا بلدنا والله يرحم شوشو ودرباس الذي توفى بعد ولادة الحكومة والذي أضحكنا ورفَّه عنَّا طويلاً منذ الطفولة مع فرقة «أبو سليم الطبل» خصوصاً من خلال أغنيته «ما طلِّتْ سهام» التي تحوَّلتْ إلى «خبطة» شعبيَّة. عقبال ألاَّ تطل هذه الحكومة طويلا ًعلى النَّاس ولا تبقى في ديار أحد!
Leave a Reply