ورد في التاريخ الصيني، أن الأمبراطور «سونغ» جاءه الوشاة يسعون، فأحضروا من الوثائق الدامغة، مايثبت خيانة أحد الزعماء. فاستدعاه الأمبراطور إلى القصر. خاف الرجل الزعيم على نفسه، لكن الأمبراطور أكرم وفادته. ولم يفاتحه بالموضوع، وعندما إنتهت الجلسة قدم الأمبراطور له صرّة كهدية، وقال له: لا تفتحها حتى ينتصف بك الطريق إلى أهلك. فلما فتح الصرة، وقعت عينه على الوثائق الأصلية التي تثبت إدانته وخيانته لوطنه ولشعبه. عرف الرجل فضلَ الإمبراطور وعفوه، فرجع إلى أهله وأصبح من أخلص الناس وأشدهم وفاء لبلده وقومه.
وفي ذروة الحرب الأهلية الأميركية كان إبراهام لنكولن يخطب في الناس قائلاً: «أهل الجنوب الذين يقاتلوننا، هم إخواننا بغوا علينا وضلوا السبيل». فقامت إمرأة فقالت بصوت عالٍ: «إنهم العدو المبين، وعلينا قتلهم بدداً، فلانترك منهم أحدا». بهدوء إلتفت لنكولن إليها وقال: يا سيدتي. ألا ترين أنني أقضي عليهم حينما أحولهم إلى أصدقاء؟؟
هذا بالضبط ماسعى إليه خطاب السيد حسن نصرالله الأخير بعد تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة التي طال انتظارها. أن لا يحقّر عداوة أحد رغم علمه بأنه لن يضره، ولا يزهد في صداقة أحد رغم علمه بأنه لن ينفعه، وهو على إستعداد لقبول إعتذار الآخر، رغم تأكده من أنه كاذب.
يقول نيتشه الفيلسوف الألماني: «إصلِ نفسك حرباً لا هوادة فيها من أجل قنص الحقيقة، وفي الوقت الذي تقف أراؤك حاجزاً أمامها، إرمِ بها عرض الحائط ولا تبالي، ولا تنظر إلى معيار الهزيمة والربح. فهذا شأن الحقيقة وحدها وليس شأنك».
فمن أكثر من السيد حسن نصرالله اصطلى بحرب لا هوادة فيها؟؟
حرب شرسة مع عدوٍ لا يرحم. إنتصر عليه وكسر شوكته. دماء طاهرة كانت الثمن. وأهدى إنتصاره إلى الجميع، ولم يهدم كنيسة ولم يكسر صليباً ولم يخطف قسيساً ولم يعتد على راهبة. قرى وبلدات جنوب لبنان تشهد.
عندما هبط آدم، كان واضحاً، بأن رحلة الحياة الإنسانية ممزوجة بالعداوة (إهبطوا بعضكم لبعض عدو). والرسول محمد (ص)، على الرغم من صدقه وحبه للناس، لم ينج من كسب عداوات من المجرمين (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين).
وحتى تعرف العدو من الصديق، ما عليك سوى تأمل آراء بعض المتحدثين وبعض المحللين بعد كل كلمة سواء يلقيها السيد نصرالله، وتدرك حركة «بارومتر الكراهية» وارتفاع كمية السموم لتملأ الأجواء بعداوات شديدة تصل الى حد أكون أو لا أكون.
(عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتهم منهم مودة) وبالتي هي أحسن يتقرب السيد نصرالله للفريق الآخر في لبنان وسائر دول الشرق. يقدم براهين عمالتهم وفسادهم وسعيهم الدائم للفتنة. يقدّمها هديةً عسى أن يعرفوا الحق ليحررهم من طغيانهم وفرعنتهم وكراهيتهم المعلنة له. لكن شجرة العنف خبيثة، جذورها أفكار الكراهية، وثمرتها الجريمة والخوف، مقابل الحب وثمرته الأمن.
غير أن أخلاقياتهم صعبة، تتطلب منهم تحرراً من أنفسهم الأمارة بالبغي والعدوان، وصعوداً فوق غرائزهم المتوحشة والآثمة.
مثلاً بعض الكتّاب في جريدة الشرق الأوسط السعودية، وأمثالها، وبعض المعلقين على الأحداث في قنوات التفاهة الفضائية، يوصفون بتعساء الحظ.. وعلى القارئ والسامع تجنبهم.
Leave a Reply