ليس الحبُّ مقالةً تكتب، أو أبياتاً يتغنّى بها الشعراء، فهو كتلة من المشاعر يسمو بها الإنسان، بل هو وقود الحياة، لأنه يعطي شحنة من الطاقة الإيجابيّة التي تدفع الإنسان ذكراً أم أنثى للتعلّق أحدهما بالآخر بانسجام روحي وعقلي، ممّا ينعكس على الأسرة بأكملها، فعلى المحبّين أن لا يلجأوا إلى الأقنعة والقفّازات، لأنّ الحب لا يعيش في الغرف المغلقة، للحبّ شغفٌ واشتياق ولهفة من الصعب إخفاؤها، هذا إذا كان الحبّ حقيقيّاً ونابعاً من القلب.
على عكس المجتمعات المتحضّرة، نجد في مجتمعنا العربي تحفّظاتٍ على الحبّ وخاصّة ضدّ المرأة، فإذا أحبّت توصمُ بالعيب، وإذا فشلت في المرّة الأولى وأحبّت ثانيةً، فهي إنسانة غير صالحة وعلى المجتمع أن يزدريها ويصادر حرّيّتها، متناسياً أنّ من حقّها التعبير عن مشاعرها في الحبّ خصوصاً المقرون بالإحترام، أليست هي حاضرة في حياة الرجل؟ أليست هي المصدر المحرّك للرجل نحو مستقبل أفضل؟ والقطب الذي يدور حوله تماسك الأسرة؟ وها نحن نرى أكثرَ الرجال يركنون المرأة إلى زاوية الإهمال إذا تخطّت الخمسين، لأنّ عمرها الإفتراضي للحبّ في اعتقادهم قد انتهى، أمّا بالنسبة للرجل فهو شهريار و «زير نساء» يستطيع أن يحبّ حتّى في أرذل العمر، حقّاً إنّه مجتمع ذكوري بامتياز.
لقد أثار دهشتي، حين قرأتُ في إحدى الصحف العلميّة المتخصّصة، بحثاً علميّاً يستنتج بأنّ السعادة الحقيقيّة للجنسَين تبدأ بعد السبعين، إذ يخلص إلى أنّ المشاعر ليست لها عمر محدود فيما لو بقي الزوج مع زوجته وكان مخلصاً لها، وتأتي هنا دعابة تقول بأنّ صديقاً زار صاحبه، وبعد استقباله له، وجده ينادي زوجته: «حبيبتي قدّمي لنا القهوة..حبيبتي أحضري لنا الحلوى..حبيبتي..»، تعجّب الصديق فسألَه: «هل بعد مضيّ خمسين سنة على زواجكما مازلتَ تكنّ لها هذا الحبّ بحيث تناديها بهذه اللهجة الجميلة؟» فأجابه: «اسكتْ لقد نسيتُ اسمها».
إنّ نجاح المرأة أو إحباطها أساسهما الرجل، فلو وقف إلى جانبها لاستمرّت تحيطه بسياجٍ من المحبّة والتضحية، وأعانته على اجتياز مصاعب الحياة، أمّا إذا هجرها وذهب إلى غيرها فماذا عساها أن تفعل له؟ إنّ الزواج هو مؤسّسة تكون فاشلة إذا لم يعمّرها الحب والتفاني، فالتجارب تدلّ على أنّ الزوجة المخلصة تكون مرهفة الإحساس، لذلك فهي تخاف على زوجها وأولادها فتعطي من الحب والعاطفة مالا يستطيع أن يعطيه غيرها، على العكس من الزوج غير المبالي الذي يفرغ حبّه عند ثانية ويعطيها كلّ ما تريد، في الوقت الذي يحرم زوجته الحب والمصروف والسعادة متذرِّعاً بأنّها لم تعد تصلح له من ناحية الشكل أو غير ذلك، وهو لو وقف أمام المرآة ونظر في تعاريج وجهه لاكتشف الهراء الذي هو فيه.
هناك نوع من النساء يكون عقلهنّ ذكوريّاً فتفعل كلّ ما يرضي الرجل دون قناعة، متنازلة عن إنوثتها واحترامها لنفسها، لست هنا في معرض التحريض، ولكنّي ألفت النظر إلى بعض السلبيّات، فالمرأة مدانة دائماً، إذا طلّقت فهناك سبب جعل زوجها يقدم على هذا الفعل حتّى لو ثبت أنّه هو الخائن، ولو تزوّجت بعد طلاقها فهي مزواجة، أمّا هو فله الحقّ (بأربعة) ضارباً عرضَ الحائط بالعائلة والأولاد.
وعلى هذا الأساس، فإنّ على المرأة أن تدافع عن مشاعرها، عن حبها، عن حقّها في الحياة، ولا تتنازل عن كرامتها ورغبتها في أن تكون لها حياة سعيدة ومليئة بالحب، فكلّ إنسان يحتاج إلى رفيق في الحياة، والزواج رفقة وصداقة وأنس ومحبّة شرط أن يبنى على الإخلاص وليس على المصلحة، لأنّ عند انتهاء المصلحة ينتهي الزواج، وكلّ حبّ وأنتم بخير.
Leave a Reply