تشهد الحملة الفلسطينية من أجل مقاطعة إسرائيل تصاعداً يرى فيه مسؤولون ومحللون أنه بات يشكل خطراً على المفاوضات الجارية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة. ويرى هؤلاء أنه في حال نجاح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في دفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى قبول ما يسميه «إتفاق إطار» فإن إسرائيل ستكون الرابح الأكبر ليس أقله الحصول على مساعدات أميركية إضافية وفرص مشتركة للتنمية وضمانات أميركية أخرى لتعزيز قدراتها العسكرية، خاصة وأن الهدف الجوهري لـ«اتفاق الإطار» هو وضع القضية الفلسطينية برمتها على طريق التصفية النهائية.
ولكن في حال فشل كيري على غرار ما حدث لأسلافه فإن إسرائيل والفلسطينيين سيعدان لنوع جديد من الحرب «غير المتماثلة» تستبعد اللجوء إلى القوة العسكرية.
حيث يتوقع أن تعمد السلطة الفلسطينية التي يكرر رئيسها محمود عباس رفضه اللجوء إلى المقاومة المسلحة لإرغام لإسرائيل كقوة احتلال على الالتزام بتنفيذ بنود اتفاقاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، إلى تصعيد الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل ووقف الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل. ويروج دعاة هذا النهج بأنه البديل المتاح والذي يسحب من إسرائيل ذريعة استخدام القوة العسكرية مستقبلا ضد الفلسطينيين.
ونقلت مجلة «ديفنس نيوز» عن جيرالد شتينبرغ، مؤسس ورئيس «المرصد الإسرائيلي للمنظمات غير الحكومية» في القدس المحتلة، قوله إن «مثل الانتهاكات القانونية التي نطلق عليها سوء استخدام القانون، فإن حركة مقاطعة إسرائيل لا يمكن مواجهتها من خلال استخدام القوة. فهي أمر خارج تماماً عن أي نوع من الإطار العسكري».
ويري شتاينبرغ الذي يهدف مركزه إلى مواجهة حركة مقاطعة إسرائيل وغيرها من الحركات المُناهضة لإسرائيل، أن حركة مُقاطعة إسرائيل التي مضى على إطلاقها 9 سنوات مع قاعدة من الأنصار الدوليين تزداد بسرعة كبيرة واصفا إياها بأنها «فيروس قويّ أكثر من كونها سلاح هجوم استراتيجي ضد كل إسرائيل وليس فقط ضد وجودها في الضفة الغربية» التي يرفض إطلاق صفة المحتلة عليها ويصفها بالأراضي، وقال
«إذا تُرك هذا الأمر من دون معالجة، فإنه سوف يستمر في إضعافنا ويسبب لنا ألماً كبيراً. وهذا هو السبب الذي جعل مؤسسة الدفاع الإسرائيلية تأخذ وقتًا طويلًا قبل أن تعترف أن هذه الحركة تمثل تهديداً».
كما قَدَّرَ وزير المالية الإسرائيلي يائير لبيد الأضرار الناتجة عن حركة مُقاطعة إسرائيل بنحو 5,7 مليار دولار من خسائر في الصادرات سنويا، وانخفاض الناتج المحلي السنوي بقيمة 3,1 مليار دولار بالإضافة إلى ما تخلفه من بطالة مباشرة تقدر بنحو 10 آلاف شخص.
وقال لبيد في ندوة نظمها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يوم 29 كانون الثاني (يناير) الماضي «إذا توقفت أو فشلت المفاوضات مع السُلطات الفلسطينية ودخلنا في واقع المُقاطعة الأوروبية -حتى لو كانت هذه المُقاطعة محدودة للغاية- سوف يتعثر الاقتصاد الإسرائيلي وسوف يشعر كل مواطن إسرائيلي بالألم مباشرة».
وكانت اللجنة الوطنية الفلسطينية لحركة مُقاطعة إسرائيل أطلقت حملة على شبكة الإنترنت من أجل زيادة الدعم العالمي باعتباره انتفاضة إلكترونية، أكثر فعالية بكثير من قنابل المولوتوف والقنابل الانتحارية كما وصفها منظمو الحملة.
ومنذ بداية العام الجاري، فإن صندوق التقاعد الهولندي الذي يقدم خدمات لنحو 2,5 مليون شخص، أعلن سحب استثماراته من خمسة بنوك إسرائيلية في حين قامت أكبر البنوك في السويد والدنمارك باتخاذ خطوات مماثلة.
وقد انضم في العام الماضي، العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ إلى العشرات من المؤسسات الأكاديمية الأوروبية والأميركية في حركة مُقاطعة إسرائيل. وفي عام 2010، كانت شركة «إلبيت سيستمز» الإسرائيلية هدفاً للمُقاطعة؛ الأمر الذي أدى إلى بيع أسهم الشركة التي باتت تُدار من قِبل صندوق التقاعد الهولندي.
وفي الوقت نفسه، بدأ المنظمون أصحاب الشعبية في البرازيل -والتي تعتبر سوقاً من الدرجة الأولى تستهدفها المبيعات العسكرية الإسرائيلية- في الضغط من أجل مقاطعة في كل أنحاء البلاد للأسلحة الإسرائيلية.
وقد نأى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس علانية بنفسه عن 102 منظمة فلسطينية وعالمية مشاركة بفاعلية في حركة مُقاطعة إسرائيل. ومع ذلك، فقد أيد بشكل متكرر المقاومة السِلمية على أنها الأسلوب الأكثر فعالية لتحقيق الأهداف السياسية. كما أبلغ الرئيس عباس، المفاوض الإسرائيلي السابق جلعاد شير «نحن نعتبر استخدام القوة شيئاً أصبح من الماضي». وقد استمع المشاركون في مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في أواخر الشهر الماضي إلى الرئيس عباس وهو يقول لجلعاد في المقابلة المسجلة حول خطته البديلة من أجل تصاعد الخيارات القانونية والسِلمية الأخرى في حال فشل الدبلوماسية «آمل ألا تصل الأمور إلى هذا الحد. نحن نفضل ان نتوصل إلى اتفاق». لكنه أصر على القول أن «لدي الحق في الذهاب إلى جميع المؤسسات، لكني آمل في تجنب الصدامات القانونية والسياسية والدبلوماسية».
كما أشار عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس حكومة السلطة الفلسطينية السابق أحمد قريع يوم 19 شباط (فبراير) الماضي إلى وجود خطط الطوارىء، وقال «نحن نُقدّر (وزير الخارجية الأميركي جون) كيري ونريد له أن ينجح. فالشعب الفلسطيني يريد السلام ولكن ليس على حساب حقوقنا».
وعندما سُئل عن الخيارات المُتاحة في حالة فشل المحادثات، قال قريع، المسؤول عن ملف شؤون القدس إن الشعب الفلسطيني سوف يناشد «كل المؤسسات الفلسطينية والدولية» للتنسيق من أجل تصعيد المقاومة. مؤكداً على أن «الفلسطينيين لن يستسلموا ويرفعوا الراية البيضاء. سوف نستمر في مقاومة الاحتلال باستخدام الأساليب الأكثر تعقلاً في النضال الشعبي».
وعلى الجانب الإسرائيلي فقد أشارت كبيرة المفاوضين، وزيرة العدل تسيبي ليفني، إلى الخطر الذي تشكلّه حركة مُقاطعة إسرائيل على أنه أحد الأسباب للحصول على صفقة عادلة. وقالت «إن حركة مُقاطعة إسرائيل تتحرك وتتقدم بشكل موحّد وتزداد أضعافاً مضاعفة. وأولئك الذين لا يرون ذلك في نهاية المطاف سوف يشعرون بها».
Leave a Reply