آناربر – علي حرب
قبل حوالي أسبوع من الإنتخابات الطلابية المقررة في جامعة ميشيغن-آناربر، صوتت الحكومة الطلابية يوم الأربعاء الماضي ضد مشروع قرار تقدم به ناشطون مؤيدون للقضية الفلسطينية يطالب بإجراء تحقيقات حول علاقة أربع شركات عالمية بجيش الإحتلال الإسرائيلي تمهيداً لسحب استثمارات الجامعة منها.
هذا التصويت ما كان ليتم، لولا الضغوطات التي مارسها مئات من طلاب الجامعة ضد الحكومة الطلابية، التي قررت قبل أيام تأجيل التصويت على المشروع لأجل غير مسمى، ما أثار احتجاجات طلابية تخللها احتلال قاعة الحكومة الطلابية وإقامة إعتصام فيها لحين تنفيذ مطالب المعتصمين.
باب قاعة الحكومة الطلابية التي تحوّلت الى «صالون إدوارد سعيد». |
عملياً، تحققت تلك المطالب حيث اعتذر رئيس الحكومة على قرار التأجيل وطرح المشروع مجدداً على التصويت يوم الثلاثاء في جلسة طويلة وصاخبة انقسم فيها الحاضرون بين مؤيد للفلسطينيين ومؤيد لإسرائيل، وانتهت بإسقاط المشروع كما كان متوقعاً لاسيما مع تأمين الغطاء العددي بحضور مئات الطلاب من «جامعة ميشيغن ستايت» في إيست لانسنغ لشد أزر مؤيدي إسرائيل من طلاب آناربر، بعد أن مالت الكفة العددية في اجتماع 18 آذار لصالح أنصار سحب الإستثمارات، فيما تبين أن أنصار إسرائيل يسيطرون على المجلس الطلابي الذي يستعد للانتخابات في الأسبوع المقبل.
بعد مناقشات مطولة إستغرقت حتى الساعات الأولى من صباح الأربعاء ٢٦ آذار (مارس) الفائت، صوت مجلس الطلبة المركزي في «جامعة ميشيغن» ضد المشروع في الجلسة التي بدأت عند السابعة والنصف من مساء الثلاثاء وحضرها حوالي 600 شخص توزعوا على قاعتين، حيث سمح لـ٤٠٠ طالب بالحضور في قاعة «روغيل» الكبرى بمبنى «يونيون»، في حين شاهد حوالي ٢٠٠ طالب وقائع الإجتماع من قاعة ثانية وذلك عبر شريط إخباري وبث حي عرض على شاشة عملاقة، كما اضطر الكثيرون إلى متابعة الإجتماع عبر حواسيبهم النقالة (لابتوب) إما جالسين في الردهات أو المقاهي المنتشرة في المبنى، وقد بلغ عدد متابعي الإجتماع عبر الإنترنت أكثر من ألف شخص.
كل هذا كان يشير بوضوح الى اكتساب النقاش حول القضية الفلسطينية زخماً متصاعداً بين الطلاب في «جامعة آناربر» التي تضم مئات الطلاب العرب والمسلمين وتعتبر من أفضل الجامعات الأميركية.
وبعد الإستماع إلى عشرات من الخطباء ومتحدثين ضيوف أدلوا بدلوهم مع أو ضد القرار، ألغى مجلس الطلبة قراره بتأجيل التصويت على قرار وقف الإستثمار ثم صوت ضده بنتيجة ٢٥-9، مع إمتناع خمسة أعضاء عن التصويت.
وكان القرار الذي إقترحته جمعية «الطلبة المتحالفون من أجل الحرية والمساواة» (سايف) ودعمته ٣٦ منظمة طلابية، يدعو إلى تشكيل لجنة متخصصة لمراجعة ارتباطات أربع شركات عالمية بالجيش الإسرائيلي، تمهيداً لسحب استثمارات الجامعة منها، وهي ثلاث شركات أميركية: «يونايتد تيكنولوجيز» و«كاتربيلر» و«جنرال ألكتريك»، إضافة الى شركة «هايدلبرغ» الألمانية للإسمنت.
وكان الطلاب المؤيدون لسحب الإستثمارات قد أقاموا إعتصاماً لمدة خمسة أيام في قاعة إجتماعات حكومة الطلبة. وخلال الإعتصام رفع الطلاب أعلاماً فلسطينية على جدران القاعة وغيروا اسمها إلى «قاعة إدوارد سعيد». وقد إنفض الإعتصام بعد الموافقة على التصويت على مشروع القرار.
وبعد التصويت، ضد القرار لم يقم الطلاب بعمل مماثل للإجتماع السابق فمشوا بهدوء مغادرين القاعة وردد معظمهم إنهم سوف يستأنفون القضية أمام مجلس حكام الجامعة الذي هو هيئة منتخبة عامة تدير الجامعة.
وقالت الطالبة نيكول خميس تعليقاً على ما حدث «إن الطلاب سوف يستمرون في معركة سحب الإستثمارات ولن نغادر موقعنا، بالعكس نتائج التصويت حمّستنا أكثر». كذلك قال الطالب راميرو ألفاريز غابريالز «لم يعتقد أحد أن القرار سيمر، وإعادته على جدول الأعمال كان خطوة رمزية فقط، إن حركة وقف الإستثمار هي حركة نشطة اليوم وذكية وتفكر إستراتيجياً أكثر بعد الإستماع إلى مناقشات معارضة للقرار من الطلاب الصهاينة. وكم كان مثيراً للإنتباه فكرتهم الإنتقائية حول السلام».
وفي وقائع الإجتماع إن النقاشات بدأت من قبل خطباء للطرفين يدافعون عن وجهات نظر كل فريق. وأحضرت منظمة «سايف» الصحافي اليهودي المعروف ماكس بلومينثال الذي قال «إن إسرائيل منغمسة في حملة التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني لكي تبقي على أغلبية يهودية»، وأضاف «أن قرى بدوية بأكملها في صحراء النقب سويت بالأرض تماماً من قبل الجيش الإسرائيلي لأن البدو يشكلون خطراً ديموغرافياً على هوية إسرائيل اليهودية». ونسب إلى رئيس وزراء إسرائيل بينامين نتنياهو قوله عام ٢٠٠٣ «إن هدف الجدار العازل في الضفة الغربية هو منع التمدد الديموغرافي»، في إشارة واضحة الى الفصل العنصري.
وأردف بلومينثال أن الفلسطينيين في الضفة لا يسمح لهم بالزواج من «مواطنين إسرائيليين خلف الجدار بينما أنا كأميركي يهودي بإمكاني أن أتزوج أية إمرأة في إسرائيل حتى النساء المقيمات في المستوطنات غير الشرعية في الضفة. سمِّ هذا ماشئت إلا أن وزارة الخارجية الأميركية تسمي هذا الوضع التعسفي «التمييز المؤسسي». أما أنا فاسميه آبارتايد» (نظام فصل عنصري)».
منظمة «هيليل» الطلابية اليهودية المعارضة، ردت على الصحافي بلومينثال من خلال البروفسور المساعد في العلاقات الدولية يائيل أرونوف، بالإضافة إلى ثلاث طلاب قانون عارضوا قرار وقف الإستثمار.
وفنّدت أرونوف كلام بلومينثال قائلة إن سياسات إسرائيل شائعة بين الدول القومية وإن النزاع بين البدو والحكومة ليس بسبب «الصفاء اليهودي» لكنه بسبب الإشتباك بين البدو مع متطلبات الدولة الحديثة فالأردن والسعودية ومصر كلها تواجه نفس المشكلة مع المجموعات البدوية». وعن القرار قالت إنه مبهم ويستفرد بإسرائيل ولا يحدد متى وأين تقف حدود المقاطعة.
ودعت «الحكومة الطلابية» بروفسور «جامعة ميشيغن» المختص بالتاريخ فيكتور ليبرمان لكي يعرض وجهة نظر ثالثة محايدة للصراع العربي الإسرائيلي إلا أن منظمة «وقف الإستثمار» الطلابية شككت بحيادية ليبرمان لكنها لم تجد الوقت الكافي لإحضار متحدث آخر.
وقد قام بلومينثال بإرسال تغريدة من حسابه على «تويتر» تضمنت رسالة كان قد أرسلها «المحايد» ليبرمان إلى «نيويورك تايمز» ينتقد فيها رئيس حركة «المقاطعة ووقف الإستثمارات». وجاء في رسالة ليبرمان أن «سرد مظلومية الشعب الفلسطيني بلا هوادة قد يكون مرضي عاطفياً لكنه يتجاهل بعض الحقائق الدامغة».
واتهم أحد الطلبة الأعضاء في حركة «سحب الإستثمارات» منظمة «هيليل» اليهودية بإحضار طلاب من الجامعات الأخرى المجاورة إلى الإجتماع ليقفوا ضد القرار، وأبلغ طالبان «صدى الوطن» أنهما شاهدا على الأقل باصاً واحداً ينقل طلاباً من «جامعة ميشيغن ستايت» في لانسنغ إلى مبنى الإجتماع في «جامعة ميشيغن».
وفي الجانب الآخر، سرد طلاب فلسطينيون قصصاً شخصية حول نضالهم ضد الإحتلال الإسرائيلي، أحد الطلبة الفلسطينيين استخدم كل الوقت المسموح له وهو فترة ثلاث دقائق لكي يعدد اسماء أهله والأقارب الذين يتعرضون للأذى على يد الإحتلال، وقد إستدرّت هذه المواقف الإنسانية الدموع من عيون بعض الطلاب تأثراً بمأساة الشعب الفلسطيني.
وتم التصويت أخيراً بالإقتراع السري عبر صندوق دار على المصوتين من أجل السلامة العامة، وكان نائب رئيس مجلس الطلبة بابي ديشيل قد إدعى أنه تعرض للتهديد ولشتائم معادية للسامية الأسبوع الماضي، إلا أن عضو المجلس دان موراليس أكد أن التهديدات لا يمكن أن تأتي من طرف حركة قرار المقاطعة بسبب إلتزامها بالسلمية.
Leave a Reply