عواصم – طغى توتر العلاقات الأميركية-الروسية على جولة الرئيس باراك أوباما الأوروبية التي تختتم يوم الجمعة ٢٨ آذار (مارس) بزيارة منتظرة الى السعودية (مع صدور هذا العدد)، وفيما يبدو أن واشنطن وحلفاءها قد فشلوا في فرض عقوبات اقتصادية تذكر على روسيا رداً على ضمها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، حاول أوباما التخفيف من الموقف بتحجيم دور روسيا المتنامي على المسرح الدولي بوصفه لها بأنها «قوة إقليمية» مؤكداً ألا «حرب باردة» مع موسكو.
وبدأ أوباما الاثنين الماضي جولة تستغرق ستة أيام قادته على التوالي الى هولندا حيث شارك في قمة حول الأمن النووي واجتماع لمجموعة الدول السبع، والى بروكسل لحضور قمة مع القادة الاوروبيين ولقاء مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، قبل التوجه الى إيطاليا ولقاء البابا، وقد حرص الرئيس الأميركي على تأكيد قدرة بلاده على عزل روسيا دولياً، لكن على أرض الواقع واصلت موسكو إجراءات ضم القرم التي تضم أكبر قاعدة بحرية للأسطول الروسي.
وخلال اجتماعها الاستثنائي في لاهاي، اكتفت بلدان مجموعة السبع بتحذير موسكو من انها مستعدة إذا ما حصل تصعيد إضافي لاتخاذ عقوبات اقتصادية في قطاعات الطاقة والمال ومبيعات الأسلحة والتجارة، حيث هناك مخاوف من تدخل روسيا عسكرياً في شرق أوكرانيا.
لاهاي
وعلى هامش قمة الأمن النووي الثالثة في مدينة لاهاي، سعت روسيا والغرب الثلاثاء الماضي إلى وضع حد فاصل مؤقت في الأزمة الأوكرانية بعد أن اتفق الرئيس أوباما وحلفاؤه على تأجيل عقوبات اقتصادية أشد إلا إذا أقدمت موسكو على خطوات أبعد من السيطرة على القرم.
وفي لاهاي، حاول أوباما التخفيف من التوتر مع موسكو واصفاً روسيا بأنها «قوة إقليمية» وقال إنها ليست التهديد الأول للأمن الوطني للولايات المتحدة. وأضاف أنه لن يتم إخراج روسيا من القرم بوسائل عسكرية ولكن ضم روسيا لشبه الجزيرة الواقعة في البحر الأسود ليست «أمرا محسوما» لأن المجتمع الدولي لن يعترف بذلك الضم.
وقال أوباما للصحفيين في ختام قمة للأمن النووي في لاهاي «الأمر بيد روسيا أن تتصرف بمسؤولية وأن تظهر مرة أخرى أنها مستعدة للالتزام بالمعايير الدولية.. وسيكون هناك ثمن فيما إذا رفضت أن تفعل ذلك».
وسخر الكرملين من قرار أوباما وحلفائه الغربيين من مقاطعة قمة لمجموعة الثماني في سوتشي في حزيران (يونيو) القادم وعقد قمة لمجموعة السبع بدون روسيا لكنه قال إنه حريص على مواصلة الاتصال بشركاء روسيا في مجموعة الثماني، وقال أوباما «روسيا قوة إقليمية تهدد بعضاً من جيرانها المباشرين ليس من منطلق القوة وإنما من منطلق الضعف».
وأضاف «نحن (الولايات المتحدة) لدينا تأثير كبير على جيراننا، لا نحتاج بصورة عامة إلى غزوهم لنقيم علاقة تعاون قوية معهم». وحث أوباما الصندوق على التوصل لاتفاق سريع على حزمة الدعم المالي لكييف مما يسمح بحصولها على مساعدات إضافية من الاتحاد الأوروبي وواشنطن، وفي رده على سؤال عما قد يمنع روسيا من «الاستيلاء على مزيد من الأراضي» ميّز الرئيس الأميركي بين هجوم على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي يشملها البند الرابع الخاص بالدفاع المشترك وبين الهجوم على دولة غير عضو حيث يمكن للغرب ممارسة الضغط الدولي وتسليط الضوء على تلك الدول وتقديم الدعم الاقتصادي.
واستقرت العملة الروسية (الروبل) وقفزت الأسهم الروسية يوم الثلاثاء بعد أن أحجم أوباما وبقية زعماء مجموعة السبع الكبار عن فرض عقوبات جديدة ورأى المستثمرون أنه تم احتواء الأزمة في الوقت الحالي، وأبدت روسيا بادرتين للمصالحة يوم الاثنين بعدما قال نائب وزير الاقتصاد الروسي إن أكثر من 70 مليار دولار ربما هربت من روسيا في الربع الأول من العام الحالي، واجتمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأوكراني اندريه ديشيتسيا لأول مرة رغم ان روسيا لا تعترف بالحكومة الجديدة في كييف.
أوباما يتأمل أعمال فنية في متحف ريجكس بأمستردام. |
قمم على الهامش
وعلى هامش قمة لاهاي عقد أوباما قمة ثنائية مع نظيره الصيني شي جينبينغ، كما التقى الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نازارباييف أحد أقرب حلفاء موسكو وذلك في خطوة وصفت بالسعي لفرض مزيد من العزلة على روسيا. وعقد أوباما أيضاً في لاهاي قمة ثلاثية جمعته مع رئيسة الكورية الجنوبية بارك غوين-هاي ورئيس وزراء اليابان شينزو آبي، في أول اجتماع بين الزعيمين الآسيويين، بعد ان دعت واشنطن الدولتين الجارتين الى اصلاح العلاقات بينهما على وقع توتر العلاقات الأميركية مع روسيا والصين.
بروكسل
وبعد يومين على تعليق عضوية روسيا في مجموعة الثماني والتهديد بفرض عقوبات جديدة على موسكو قال أوباما إن روسيا ستدرك في النهاية أنها لن تحقق أهدافها «بالقوة» في أوكرانيا. وأضاف «مع الوقت، ومع بقائنا متحدين سيدرك الشعب الروسي أنه لا يستطيع الحصول على الامن والرخاء والمكانة التي يصبو اليها بالقوة الغاشمة». وأكد أن حلف شمال الأطلسي «لن يهتز» وأن «دول الحلف الأطلسي لن تكون وحدها ابداً» في الوقت الذي تشعر فيه دول في أوروبا الشرقية مثل بولندا وليتوانيا بالقلق حيال الوضع في أوكرانيا.
واعرب الرئيس الأميركي عن «ثقته» في أن قيم «الكرامة الانسانية وحقوق الانسان ودولة القانون ستنتصر» في النهاية.
وأعلنت موسكو انضمام القرم إلى الاتحاد الروسي عقب استفتاء أجري في المنطقة في 16 آذار (مارس) الماضي.
وجاءت الخطوة الروسية بعد أن أطاحت احتجاجات موالية للغرب بالرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش.
وردت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض سلسلة من العقوبات ضد أفراد من بينهم مسؤولون بارزون اتهمتهم واشنطن وبروكسل بلعب دور في ضم القرم، فيما أنزلت موسكو عقوبات مماثلة بمسؤولين غربيين.
وفي رسالة لا تخلو من الدلالات لروسيا، أبدى الرئيس الأميركي ثقته بحلفائه الأوروبيين، حيث اعتبر في ختام أعمال قمة بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة في بروكسل أن العالم يكون «أكثر أماناً وأكثر عدلا عندما تكون أوروبا والولايات المتحدة متضامنتين». وأضاف أن «الولايات المتحدة واوروبا متحدتان» بشأن الأزمة الأوكرانية و«روسيا منعزلة»، مع الإشارة الى أن أوروبا ورغم أنها متحالفة سياسياً مع الولايات المتحدة إلا أنها مرتبطة اقتصادياً بروسيا التي تمدها بمعظم حاجتها من النفط والغاز.
لكن الثقة تراجعت بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة جراء المعلومات التي تم كشفها عن عمليات تنصت أميركية مكثفة على أوروبا وتعهد أوباما في مطلع السنة بإصلاح نظام جمع البيانات الهاتفية من خلال الحد من صلاحيات وكالة الأمن القومي النافذة والتوقف عن التجسس على قادة الدول الاجنبية، غير أن نتائج هذه الوعود قوبلت بتشكيك في أوروبا.
واستمرت زيارة الرئيس الأميركي اقل من 24 ساعة الى بروكسل التي اتخذت فيها تدابير امنية مشددة، قبل أن يتابع جولته الأوروبية في إيطاليا حيث التقى البابا فرنسيس.
وفي إطار رحلته كان للرئيس الأميركي محطة سياحية في متحف «ريجكس» في أمستردام كما التقى أفراد العائلة المالكة في هولندا وبلجيكا، بعدها توجه أوباما صباح الاربعاء الى فاريغيم في منطقة الفلاندر شمال بلجيكا وحضر احتفالا في حضور ملك بلجيكا فيليب ورئيس الوزراء إيليو دي روبو، بالمقبرة العسكرية الأميركية الوحيدة التي ترقى الى الحرب العالمية الأولى في بلجيكا، والتي يحتفل هذا العام بمئويتها الأولى.
روما
المحطة الأخيرة في جولة أوباما الاوروبية كانت أيطاليا حيث اجتمع برئيس الوزراء ماريو رنتزي في قصر «فيلا ماداما» وسط العاصمة روما، الاجتماع ركز على القضايا الاقتصادية بين إيطاليا والإتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة. وأعرب اوباما في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع عن سعادته بلقاء بابا الفاتيكان «مثلي كمثل الجميع في كل أنحاء العالم شعرت بعظمة رسالة البابا للتسامح والرحمة ،ومن الرائع انه أتيحت لي الفرصة للتحدث معه حول المسؤولية التي نتقاسمها جميعا لرعاية الفقراء والمهمّشين».
واستقبل البابا فرنسيس للمرة الأولى في الفاتيكان أوباما الذي يدعم دعوة الحبر الأعظم لخفض التفاوت الاجتماعي، وتعتبر هذه القضية الشائكة في الولايات المتحدة حيث يواجه أوباما معارضة الغالبية الجمهورية في دفاعه عن فكرة رفع الحد الادنى للرواتب الفدرالية.
Leave a Reply