دمشق – بعد الهزائم المتوالية للمسلحين في ريف دمشق وحمص، كان لابد من فعل شيء لمنع انهيار المجموعات المسلحة على وقع أخبار انتصارات الجيش السوري وتقدمه السريع في جبال القلمون وتطهيره ريف حمص الغربي، لاسيما مع انعقاد قمة الكويت التي كان خصوم دمشق يراهنون فيها على تحول ميداني ينقذ ما يمكن إنقاذه من جهود إسقاط النظام الذي ما عاد يلتفت الى جنيف، فاشتعلت مطلع الأسبوع الماضي جبهة الشمال من حلب الى اللاذقية، دون أن يتمكن المسلحون من تحقيق معادلات ميدانية جديدة، حيث تمكنت قوات النظام من صد الهجمات المدعومة من تركيا على أكثر من محور.
إذن دخلت تركيا بشكل علني على خط المعركة وبالتحديد في ريف اللاذقية، عبر إسقاط طائرة حربية سورية واستهداف مواقع للجيش، الذي شن هجوماً مضاداً لاستعادة السيطرة على المناطق التي دخلها المسلحون مطلع الأسبوع الماضي في إطار ما يسمى بـ«معركة الأنفال» «لتحرير الساحل» بالتزامن مع هجمات واسعة شنت على حلب وإدلب في محاولة للإستفادة من عامل الحدود التركية وما توفره خطوط إمداد وغطاء ناري للمسلحين لاسيما في اللاذقية.
واتهمت دمشق، «تركيا بدعم المسلحين، عبر إسقاط طائرة مقاتلة أثناء ملاحقتها العصابات الإرهابية داخل الأراضي السورية في منطقة كسب في ريف اللاذقية»، وذلك بعد بيان لوزارة الخارجية اتهم القوات التركية بقصف الأراضي السورية «لتأمين التغطية لدخول العصابات الإرهابية المسلحة من الأراضي التركية إلى داخل سوريا».
ويرى المراقبون أن التورط التركي المباشر أشبه بلفظ الأنفاس الأخيرة بالنسبة لحكومة رجب طيب أردوغان، الذي يسعى الى استعادة زمام الأمور قبل الانتخابات البلدية التركية المقرَّرة الأحد المقبل، والتي ستكون جولة مفصلية بالنسبة لأردوغان الذي يلقى معارضة داخلية متزايدة.
وقد تمكن الجيش السوري الأسبوع الماضي من استيعاب هجوم واسع شنه مسلحو «جبهة النصرة» وحلفاؤها عبر الحدود التركية على شمال اللاذقية، وذلك بعد استبسال قوات الدفاع الوطني في صد الهجوم بانتظار وصول تعزيزات كبيرة من عناصر القوات الخاصة والحرس الجمهوري، وسرعان ما انقلبت مجريات المعارك الدائرة في ريف اللاذقية الشمالي، إذ تمكن الجيش السوري من استيعاب الهجوم واستعادة السيطرة على عدة مواقع استراتيجية أبرزها «المرصد 45» الاستراتيجي قرب بلدة كسب (سكانها أغلبهم من أصول أرمنية) إضافة الى قرية السمرا التي اشتهرت بكونها موقع تصوير مسلسل «ضيعة ضايعة».
وقد قتل خلال المعارك في كسب قائد قوات الدفاع الوطني في اللاذقية هلال أنور الأسد، وهو أحد أبناء عمومة الرئيس بشار الأسد، وذلك بعد ساعات من مقتل قائد قوات الحرس الجمهوري في حلب العميد سميع يوسف عباس خلال صده لهجوم واسع على غرب المدينة. وشهدت مدينة حلب هجمات عنيفة من محورها الغربي خلال الأسبوع الماضي، لفصائل «إسلامية» بالتزامن مع هجوم مماثل على جبهة الريف الجنوبي، التي فقد الجيش السوري بعضَ مناطقها من جديد، وسط استمرار المعارك هناك.
كما أمطر المسلحون القسم الغربي من حلب بعشرات القذائف المتفجرة، تسببت بحصد أرواح نحو 25 مواطناً، وإصابة العشرات، يوم الخميس الماضي، في حصيلة تزداد باطراد، إثر استمرار القصف.
إلى ذلك، رفضت قطر تقارير عن وجود تنافس مع السعودية بشأن الجهود الرامية لإنهاء الحرب السورية، مؤكدة ان البلدين، وهما أكبر داعمين للقوى المسلحة، بينهما أعلى مستوى من التنسيق.
«جبهة النصرة» كانت قد أعلنت مقتل أميرها في محافظة اللاذقية ويدعى سنافي النصر خلال ما وصفتها بمعركة الأنفال. الجبهة كانت قد أعلنت أيضاً مقتل القياديّ البارز فيها أبو عمر التركماني في المعركة ذاتها.
وحول المعارك الدائرة في ريف ادلب، قال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، لوكالة «فرانس برس»، إن القوات السورية «لم تتمكن من استعادة بلدة مورك الواقعة على الطريق بين حماه ومعسكر وادي الضيف في ريف ادلب، والتي سيطر المسلحون عليها قبل ستة أسابيع، ما قطع طريق الإمداد إلى وادي الضيف»، مشيراً إلى أن الطائرات السورية تلقي المواد الغذائية والتموينية على المعسكر منذ أسابيع.
وفي المقابل، فتحت طريق الإمداد للمسلحين في الشمال، حيث واصلوا تقدمهم على هذا الخط، وسيطروا خلال الأيام الماضية على أكثر من 15 حاجزاً إلى شمال بلدة خان شيخون في ريف ادلب. بذلك، لا يبقى مع القوات السورية في ريف ادلب سوى معسكري وادي الضيف والحامدية المطوقين، وبضعة حواجز، وبلدتي الفوعة وكفريا.
وفي السياق، أكد المندوب السوري الدائم لدى الامم المتحدة بشار الجعفري وجود تواطؤ وتحالف موضوعي بين إسرائيل وتركيا وبين قطر والسعودية. ولفت الجعفري عقب جلسة لمجلس الأمن الى أن «إسرائيل وتركيا ترتكبان انتهاكات خطرة في مساعدة الإرهابيين سواء من خلال مساعدة الكيان لهذه المجموعات في الجولان، أو مساعدة تركيا بحماية وتغطية أعمال الجماعات المسلحة». وشدد على أن «الجيش التركي لا زال يغطي العمليات الإرهابية في منطقة كسب، وهذه أولى مشاركة له بشكل علني»، معتبراً ذلك «تصعيداً خطراً وانتهاكاً لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة».
وضع حلب
منذ بدء الأحداث في سوريا في شهر آذار العام 2011، كانت حلب رقماً صعباً بالنسبة للمعارضة، فالمدينة الاقتصادية نأت بنفسها عن الحراك، والتزم معظم سكانها موقفاً واضحاً يرفض النزول إلى الشارع أو العصيان المدني، ليقتصر الحراك الشعبي على الأحياء الشعبية، والتي كان أبرزها حي صلاح .
«لم تثر حلب فجئنا بالثورة إليها»، كلمة قالها أحد قادة المسلحين بعد أيام على دخلوهم مدينة حلب مطلع شهر رمضان العام 2012، أي في 20 تموز (يوليو)، ضمن ما سُمّي حينها بـ«معركة الفرقان»، حيث اقتحم مسلحون ينتمون لفصائل عديدة أبرزها «لواء التوحيد» و«لواء الفتح» حلب قادمين من ريفها الشمالي، فاقتحموا حي مساكن هنانو ومنه بدأوا التغلغل في أحياء حلب الشرقية، التي سقطت تباعاً خلال أيام. وتزامن ذلك مع الظهور المسلح في بعض الأحياء الغربية والجنوبية للمدينة، ليتمكن بعدها المسلحون من بسط سيطرتهم على معظم المناطق الجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية في حلب، لتنقسم المدينة منذ ذلك الحين إلى مدينتين يصل بينهما معبر واحد، هو معبر بستان القصر، وهو وضع لا يزال قائماً حتى الآن.
ومثلما كانت صدمة دخول المسلحين إلى مدينة حلب، سُجلت في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي صدمة للمسلحين في المدينة ونقطة تحول جوهرية في سير المعارك، حيث شكلت سيطرة الجيش السوري على مدينة السفيرة الإستراتيجية شرقي حلب مركز انطلاق لبدء عملية عسكرية نحو المدينة، بالتزامن مع تأمين مطار حلب الدولي ومطار كويرس العسكري، وارتفاع وتيرة القصف على أحياء حلب الشرقية التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة، لينقلب المشهد كليا، من حالة دفاع للجيش السوري إلى حالة هجوم قوبل بانكفاء من قبل المسلحين المتشرذمين، الذين يخوضون صراعات في ما بينهم.
وتمكن الجيش السوري خلال الأشهر الأربعة الماضية، أي منذ السيطرة على السفيرة، من التقدم نحو حلب بخطوات متسارعة لدخول المدينة من الشرق، والسيطرة على المدينة الصناعية في الشمال الشرقي، وفتح طريق إمداد لسجن حلب المركزي، بالتزامن مع عمليات عسكرية داخل المدينة تهدف إلى تقطيع أوصال الأحياء الخاضعة لسيطرة المسلحين لحصارهم داخل كتل متفرقة، وانتظار استسلامهم، حيث تدور في الوقت الحالي معارك عنيفة في المدينة الصناعية، وقرب حي مساكن هنانو الذي يبدو انه سيكون مدخلاً لعودة سيطرة الحكومة على حلب، بعدما كان مدخل المسلحين إليها.
أما الريف الحلبي فتتوزع موازين القوى فيه كما يلي:
– الريف الشمالي: معظمه تحت سيطرة المسلحين، باستثناء نبّل والزهراء.
– الريف الجنوبي: استعاد الجيش السوري السيطرة على أجزاء واسعة منه، بدءاً من محيط مطار حلب الدولي، ما أتاح إعادة تشغيله. ثم الشيخ سعيد، وأثريا وخناصر، وصولاً إلى السفيرة وتل عرن، وتتمتع هذه المناطق بأهمية استراتيجية لأنها تفتح الطريق أمام الإمدادات عبر طريق خناصر- حماه-دمشق والساحل.
– الريف الغربي: تتوزع السيطرة على عدد من الفصائل المسلحة.
– الريف الشرقي: منطقة السفيرة خاضعة بالكامل لسيطرة الجيش السوري. دير حافر ومسكنة والمحطة الحرارية: يسيطر على كامل تلك المنطقة «داعش»، ومثلهما في ذلك مدينتا منبج والباب، وأخيراً، اقتربت قوات الجيش السوري التي تتقدم باستمرار منطلقة من السفيرة باتجاه تلك المنطقة.
أما مطار كويرس العسكري فهو تحت سيطرة الجيش السوري، ويفرض عليه مسلحون تابعون لمعظم المجموعات المسلحة الموجودة في المنطقة حصاراً منذ شهور طويلة، وتقدمت مؤخراً قوات الجيش السوري لفك الحصار عنه.
Leave a Reply