بقلم مريم شهاب
أصرت إبنتي وصديقاتها عليّ للذهاب معهن إلى مطعم ياباني «أصلي» على درجة عالية من الفخامة في المكان، والضخامة في الأسعار. الخدمة فيه تقتصر على بضع فتيات يابانيات، ينتشرن في المكان بلباس «الكيمونو» التقليدي الذي يضفي على جمالهن لمسة إضافية من التميّز والأنوثة الساحرة، تجعلهن يبدين أشبه بـ«فتيات الغيشا» أو الجيشا الجميلات، الذائعات الصيت ليس في اليابان وحدها بل في جميع أنحاء العالم.
خلال الحديث المرح والمزاح بين الصبايا، سألت إحداهن: ماهو السبب في تقدم اليابان وتخلف بلاد العرب؟؟
تطلعنا إليها بانتباهٍ ملحوظ، عندها أكملت حديثها وقالت: عفواً، بعيداً عن التحليلات التاريخية والإقتصادية والتكنولوجية التي نسمعها ولا نفهم منها شيئاً، وأنا أعرف أنكم لن تتفقوا فيما بينكم على أي منها، لكنني أعتقد أن سرّ تقدّم اليابان هو «فتيات الغيشا».
من المعروف أن العصر الذهبي للعرب هو عصر هارون الرشيد أو المأمون كما يروي المؤرخون، أو أيام الأندلس حيث الموشحات والفنون والموسيقى الجميلة والقيان والحسان، إذ كان العرب أسياد العالم وكانت أيامهم جميلة، ملأى بكل ما هو بهيّ ومشرق، هذا بالضبط مافعله اليابانيون خلال «نهضتهم الحديثة» فقد جعلوا من «فتيات الغيشا» نموذجاً رائعاً لجمال الحياة ورونق الأيام في اليابان، حيث يتم إختيارهن من بين أجمل الفتيات اليابانيات، ويتعلمن الأدب والموسيقى والرقص وفن تقديم الشاي وتنسيق الزهور، وكتابة «الكانجي» أي اللغة اليابانية بخط جميل، كما يتعلمن آداب الحديث وفنون تدليك الجسد، والإبتسام دون إبتذال، والحشمة بإرتداء اللباس التقليدي بألوانه الزاهية، «الكيمونو».
رغم ثقافة العولمة والإنفتاح التام على العالم العصري وما رافق ذلك من تقدّم اليابان في عالم التكنولوجيا المتطورة، حافظ أبناء إمبراطورية الشمس على تراث الغيشا، الذي يشمل غالبية الفنون التقليدية تلك التي مازالت تستعصي على ثقافة العولمة وتعتبر سمة مميزة للنهضة اليابانية التي زاوجت ما بين تطوير العلوم والتكنولوجيا من جهة، والإفتخار بالتقاليد والفنون العريقة والإهتمام بها كعلامة فارقة للثقافة والروح اليابانية من جهة أخرى.
مقابل ذلك، تخلّى العرب -أو يكاد- عن أغلب فنونهم وتقاليدهم الجميلة وفي مختلف المجالات، دخلوا في حداثة مشوهة جعلتهم أشبه بالغراب الذي تعلم مشية الحجل.
لو يدرك العرب الأميركيون جمال الفنون والتقاليد التي لم يحملوها معهم الى بلاد العم سام، لما كانت حفلاتنا هابطة الى هذه الدرجة، حيث التعري وعبقة الأراجيل والذوق الهابط في الموسيقى والغناء وحتى الرقص…
Leave a Reply